دون جوان موليير.. خواطر سريعة عن تحفة إبداعية


حسين محمود التلاوي
2024 / 3 / 13 - 22:41     

مما قرأت مسرحية "دون جوان" لشاعر فرنسا المتجول "موليير" في طبعتها الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في العدد 53 من سلسلة "روائع المسرح العالمي" من ترجمة وتقديم "إدوار ميخائيل" ومراجعة "فتوح نشاطي" ومراجعة وتقديم "نبيل الألفي".
إصدار المسرحية يأتي ضمن إعادة إصدار لسلسلة صدرت بين عامي 1959 و1966، والهدف من إعادة الإصدار المضي نحو إعادة الاعتبار للمسرح المصري في ظل التراجع الحاد في المستوى وفي التقبل الجماهيري؛ هذا وفق المقدمة الرائعة للسلسلة اللي كتبها أمين النشر في الهيئة "جرجس شكري" صاحب مبادرة إعادة إصدار السلسلة، وصاحب المقدمة التي تعدّ في رأيي من أوجه الروعة في المشروع.
كُتبت هذه المسرحية منذ نحو 360 عامًا، لكنها على قدر من الروعة يجعلها تصلح للتمثيل إلى الآن، على الرغم من إن "موليير" استلهمها من مسرحية "ساحر نساء إشبيلية" للكاتب الأسباني "تيرسو دي مولينا" نقلًا عن النصوص الإيطالية اللي سبقت "موليير" والكتاب الفرنسيين عمومًا في معالجة المسرحية. لكن نص موليير خرج على هذا القدر من الروعة؛ فأتاح لها البقاء ما بقي النشاط المسرحي في الوعي البشري.
من أوجه الروعة في المسرحية البراعة الهائلة في رسم الشخصيات، إلى جانب الحوار الموجز المختصر الذي لا يزيد عن التفاصيل المطلوبة. لكن أروع ما في المسرحية تعبيرها عن قضايا اجتماعية وفكرية عميقة ببساطة شديدة.
ومن بين النقاط المهمة في المسرحية إثارة قضية "التدين الزائف" وتأثيره سلبًا على بعض أصحاب النفوس الضعيفة بأن ينأوا بنفسهم عن اتباع التعاليم الدينية، عندما يرون بعض مدعي التدين يتخذون من الدين ستارًا لتحقيق مطامع أبعد ما تكون عن تعاليم الدين.
على سبيل المثال في صفحة 154 من الإصدار، يقول دون جوان: "وكم رأيت من رجال حاولوا إخفاء مفاسد شبابهم بهذه الطريقة، وجعلوا من الدين رداء يسترون تحته حياة تتيح لهم الانطلاق في الشر إلى أبعد مدى". جاءت هذه المقولة على لسان دون جوان، عندما كان يبرر ابتعاده عن "تعاليم السماء".
الخاسر الأكبر في المسرحية كان سجاناريل مساعد دون جوان؛ لأنه كان مؤمنًا يتبع التعاليم الدينية، ولكن، في الوقت نفسه، كان يطيع دون جوان في نزواته وخطاياه بسبب الخوف من بطش سيده الذي كان من النبلاء أصحاب السطوة والنفوذ. فلما مات دون جوان، فقد سجاناريل وظيفته التي باع لأجلها دينه.
المسرحية على درجة من العمق تجعل نقطة واحدة فقط منها تستحوذ على مقالات لا مقال واحد؛ من ثم لا يمكن القول بأي حال من الأحوال أن هذه رؤية نقدية للمسرحية، ولكنها مجرد خواطر عابرة عبورًا سريعًا على هذه التحفة من الإبداع العالمي.
وفي العموم مبادرة طيبة جدًّا من الهيئة العامة لقصور الثقافة بإعادة إصدار السلسلة.