الغرامشية


إلياس شتواني
2024 / 3 / 13 - 02:49     

أنطونيو غرامشي هو فيلسوف ماركسي إيطالي وأحد أبرز قادة ومنظري الحركة الثورية الإيطالية، ويطلق على فكره مصطلح «الغرامشية». ولد سنة 1891 في جزيرة سردينيا الإيطالية. ألّف العديد من الكتب وأصدر العديد من الصحف والمجلات التي تابعت تطور الحركة التاريخية للطبقة العاملة في إيطاليا والعالم، وأسهم بشكل كبير في تأسيس الحزب الشيوعي الإيطالي. إعتقله نظام موسوليني الفاشي سنة 1928، وحكم عليه بالسجن لعشرين سنة. سنة 1935، نقل غرامشي إلى المستشفى بسبب تدهور حالته الصحية ليموت هناك بعد عامين (1937) إثر نزيف داخلي حاد.

فلسفة غرامشي

يرى غرامشي أن كل إنسان فيلسوف، وذلك بكيفية غير واعية وكلّ حسب طريقته الخاصة. الإنتقال إلى المستوى الثاني - مستوى معرفة الذات الإنسانية - مستوى الوعي والنقد - يستلزم الإعتراف بأن هذه الذات نتاج لعملية تاريخية طويلة ما تزال قائمة حتى الآن. فلسفة غرامشي تميز بين "الحكمة الشعبية" و "الحس السليم"، حيث يظهر لنا إستحالة عزل الفلسفة "العلمية" عن الفلسفة "الشعبية" التي لا تعدو كونها آثارا لأفكار وغرائز مبعثرة.

مفهوم الأديولوجيا في نظر غرامشي يقصد به أرقى تمثل وتمظهر للعالم، والذي يتجلى في الفن والقانون والنشاط الإقتصادي وكل مظاهر الحياة الفردية والجماعية للمجتمعات. يرى غرامشي في تلاقح المثقفين و"البسطاء" وحدة ضرورية كالوحدة التي ينبغي إحرازها بين النظرية والممارسة. فمن خلال هذا الإجتماع، تصير الفلسفة "تاريخية" حيث تتخلص من العناصر الثقافية الفردية وتصبح بذلك نمط حياة شامل ومكتمل. يجب على الماركسية في هذا الصدد أن تطرح نفسها بشكل سجالي ونقدي، أي أن تنتقد الحكمة الشعبية معتمدة بذلك على البداهة وعلى إحياء وتجديد النشاط الفكري الراهن وجعله بالضرورة "نقديا". الماركسية تطمح أن تكوّن كتلة فكرية-أخلاقية وتعبّد الطريق لتقدّم البروليتاريا (كفئة غالبة) فكريا، وليس الدفع فقط بفئة محصورة من النخبة أو المثقفين. يرى غرامشي في هذه العملية التحريرية فرصة للجماهير إلى الإرتقاء إلى مستوى حيازة رؤية شاملة ومتماسكة للعالم والحياة. وهذا ما يؤكد على أن الماركسية، كعملية تاريخية خلاّقة، تقابل بإيجابية التطور التاريخي والسياسي للمجتمعات، وتحاول تخليصها من الهيمنة كخطوة هامة وأولية نحو إقامة دكتاتورية البروليتاريا.

يتحدث غرامشي في كتابه "قضايا المادية التاريخية" على مفهوم "السياسة الثقافية" حيث الإيمان بالجماعة (الطبقة) التي ينتمي إليها العامل ومشاطرة الأفكار الثورية يشكلان أهم ركائز الثورة الثقافية. الأفكار كما يراها غرامشي مرهونة بالأسس التاريخية المنبثقة منها، وبالإرادة (النشاط العلمي-السياسي) كقاعدة نهائية للفلسفة. تصبح الأفكار الثورية ذات إرادة قوية عندما تعتنقها الجماهير، أي عندما تحولها إلى "حس سليم"، إلى ثقافة و "رؤية شاملة"، يتولد من خلالهم مذهب أخلاقي معين.

الماركسية هي الفلسفة الوحيدة التي إنطلقت من الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، ونجحت بشكل فعّال في تفادي السقوط في "السوليبزسم" (لا وجود للأشياء إلى إذا أدركها الفكر)، وبردّ الفكر إلى أصله المادي-التاريخي. فالواقع لا يوجد بذاته، بل يوجد على علاقة تاريخية بالبشر الذين يغيرونه.

الفيلسوف الحقيقي

"الفيلسوف الإختصاصي" و"الفيلسوف الديمقراطي" ينظر إلى الإنسان كسلسلة من العلاقات الحيوية المتغيرة، أي كسياق تطوري صيروري. فالفرد الإنساني يجب أن ينظر إليه من زاوية كل حقبة من حقبات التاريخ، أي موقع الفرد من العالم ومن الحياة التاريخية. موقع الفرد يتميز بتفاعل (جدلي) ضروري بين البنية والبنى الفوقية، أي وعي الطبقة العاملة الأيديولوجي بالصراعات البنيوية الدائرة من حولها.

الماركسية، من منظور الغرامشية، تحلل الأيديولوجيا تاريخيا بوصفها جزءا من البنية الفوقية للمجتمع، ولا تنكر جذورها الحلولية للواقع (هيغل)، لكنها تضع بين نصبي عينيها المجتمع اللاطبقي - المجتمع المنظم - المجتمع الموحد، حصيلة التطور الجدلي للتناقضات بين الإنسان والمادة، وثمرة "الكتلة التاريخية" التي ستطيح يوما ما بالبرجوازية.