من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر47


عبدالرحيم قروي
2024 / 3 / 10 - 02:51     

أصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة السابعة و الأربعون

الماديةالتاريخية:
تابع

3 – نضال طبقة البروليتاريا منهج لحل التناقض بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج.
أظهر لنا التحليل الجدلي للرأسمالية:
أ‌) وجود تناقض في علاقات الإنتاج يعمل على تعارض البروليتاريا المستغلة والبرجوازية المستغلة. وقد تبينا، من درسنا لهذا التناقض في المسألة "1" من هذا الدرس، أنه يدوم دوام الرأسمالية نفسها، لأنه التناقض الخاص بالرأسمالية.
ب‌) وجود تناقض بين علاقات الإنتاج الرأسمالية وبين طابع قوى الإنتاج. وهو لا يظهر إلا حين تبلغ قوى الإنتاج، التي تنميها الرأسمالية، مستوى معينا (نحو عام 1840)- وقد درسنا هذا التناقض في المسألة "2" من هذا الدرس.
فما هو أساس تغير طريقة الإنتاج وما هو سبب الثورة الاشتراكية؟ رأينا أسباب ذلك هو التناقض الثاني. غير أن التناقض الأول هو الذي يولد التناقض الثاني، لأن الاستغلال الرأسمالي، استغلال البروليتاريا على يد البرجوازية، هو الذي ساعد على ازدهار قوى الإنتاج. وهو ازدهار --- الطبقة المستغلة حتى اليوم الذي أصبحت فيه قوى الإنتاج هائلة بالنسبة للرأسمالية.
نستطيع الآن أدراك مهمة نضال البروليتاريا الطبقي التاريخية. وسنرى بأن هذه المهمة هي حل التناقض "ب" الذي ظهر بين علاقات الإنتاج الرأسمالية وبين قوى الإنتاج.
كانت البرجوازية تنمي البروليتاريا، في نفس الوقت الذي كانت تنمي فيه قوى جديدة للإنتاج، حسبما تقتضيه طبيعة علاقات الإنتاج الرأسمالية "راجع المسألة 1". وطبقة البروليتاريا هي الطبقة المستغلة، أي المناقضة للبرجوازية المستغلة. وكلما تجمعت وسائل الإنتاج بين يدي البرجوازية كلما ازداد عدد البروليتاريا وقوتها. وهكذا جمعت البرجوازية، من أجل الاستغلال الرأسمالي، عشرات الآلاف من العمال. ثم الملايين في مصانع واسعة أقامتها في المناطق الصناعية، كما أنها جمعت عشرات الآلاف من العمال الزراعيين لاستغلالهم.
غير أنه لا يمكن للعمال البروليتاريين أن يؤمنوا معيشتهم، كما نعلم، إلا بالنضال المستمر ضد الطبقة التي تستغلهم. وهكذا ولدت البرجوازية، بتوليدها نقيضها "البروليتاريا المستغلة"، جيشاً من الأعداء يقومون بنضال طبقي ضد المستغلين.
ولقد وصف كارل ماركس، في بيان الحزب الشيوعي مراحل هذا النضال الرئيسية، فنرجو من القارىء أن يعود إلى قراءة ما كتب . سدد العمال، في مطلع الرأسمالية، ضرباتهم إلى الآلات التي كانت نذير البطالة، وذلك لجهلهم طبيعة النظام الذي يعانونه. فهم لا يميزون بين الآلة وبين كيفية استخدام البرجوازية لهذه الآلة، وهم يناضلون ضد قوى الإنتاج بدلا من النضال ضد الاستغلال.
ثم إذا بهم يكتشفون شيئاً فشيئاً أن عدوهم الحقيقي ليس الآلة بل هو الرأسمالية. وذلك لأن الرأسمالية، باستعمالها للآلات، تخفض تكاليف الإنتاج فتنخفض قيمة قوة الإنتاج وتنخفض بذلك الأجور. ولهذا يقوم البروليتاريون بالنضال للدفاع عن أجورهم. حتى إذا رأوا أن الرأسمالي يحاول إثارة العمال بعضهم على الآخر (إذ يرضى البائسون منهم بأجور منخفضة جدا فيضطر من هم أتعس منهم إلى قبول أجور منخفضة أكثر من الأجور الأولى) أدركوا مصالحهم المشتركة فيتحدون عندئذ للنضال ضد عدوهم المشترك ألا وهو الرأسمالي.
هذه الصورة الأولى للنضال هي الإضراب الذي يهدف إلى الإبقاء على الأجر. وتقصير العمل اليومي". وكان الإضراب يعني. وهو السلاح الأول للبروليتاريا، وعي البروليتاريا الطبقي بأن مصالح العمال الفردية لا يمكن الدفاع عنها ألا بالتضامن الطبقي والنضال المشترك.
ذلك لأن الصناعة الكبرى تجمع في مكان واحد جمهوراً من الناس يجهل بعضهم بعضاً. فتفصل المضاربة بين مصالحهم. ولكن البقاء على الأجر، وهو مصلحة مشترك ضد رب العمل. يوحدهم في المقاومة والتحالف.
وهكذا تسعى المحالفة إلى هدف مزدوج: وهو إزالة المضاربة فيما بينهم للقيام بمضاربة عامة ضد الرأسمالي .
يؤدي التحالف العابر، من أجل الإضراب، إلى تحالف مستمر للوقوف في وجه الاضطهاد الرأسمالي وتلك هي النقابة.
التحالف العابر للإضراب والتحالف المستمر "للنقابة" هما صورتا النضال والتنظيم التلقائيين عند البروليتاريا، وهي تصل إليهما بدون مساعدة أية نظرية علمية عن طريق تجربتها الخاصة. وهكذا انتزعت الطبقة العاملة من الرأسماليين بعض الانتصارات الكبرى، كتحديد العمل اليومي بثماني ساعات.
غير أن البرجوازية الرأسمالية تسعى، بتأثير قانون الربح الصارم، إلى استعادة كل ما تنازلت عنه. فإذا ما تحدث الرأسماليون ورجالهم السياسيون، بحرارة، عن "تحسين مصير الطبقة العاملة" فلا يجب الانخداع بذلك، إذ أن هذه التحسينات قد كسبها العمال المنظمون بعد نضال مرير. ولهذا تشن البرجوازية حربا ضارية على النقابات العمالية، فهي تتهم هذه النقابات بتكوين "إقطاعيات جديدة" كي تثير الطبقات المتوسطة والفلاحين المخلصين لذكرى 1789 ضد البروليتاريا المنظمة وهذا اتهام سخيف يتردد على أفواه "إقطاعيي" رأس المال الذين يلتهمون جميع ثروات المجتمع "ثروة صغار البرجوازيين والفلاحين".
حتى إذا ما تسرب علم المجتمعات، الذي أسسه ماركس وانجلز، بين صفوف البروليتاريا ارتفع مستوى النضال الطبقي بفضل الحزب الثوري . لأن مهمة هذا الحزب الذي يضم تحت لوائه عناصر البروليتاريا الناهضة، أن يدخل الوعي الاشتراكي في الطبقة العاملة، وأن يقودها، هي وجميع الطبقات الكادحة المتضامنة معها، إلى دك صرح الرأس مالية فهو يناضل من أجل مطالب العمال العاجلة غير أنه لا يكتفي بذلك، بل يشرح لهم، بصورة عملية، مصدر الاستغلال، كما يظهر لهم أنهم لا يستطيعون التخلص من هذا الاستغلال إلا بالقضاء على المجتمع الرأسمالي والدولة البرجوازية التي تحميه، ويستعيض عن هذا المجتمع، بواسطة دكتاتورية البروليتاريا، بمجتمع لا يستغل فيه الإنسان أخاه الإنسان، ألا وهو المجتمع الاشتراكي. مثل هذا النضال يستحق وحده اسم النضال الثوري.
يهم البروليتاريا أن تقود هذا النضال حتى النهاية، وأن تقضي على علاقات الإنتاج الرأسمالية. ولقد رأينا أن البروليتاريا، نظرا لارتباطها بأحدث قوى الإنتاج، هي نتيجة ضرورية للاستغلال الرأسمالي. فهي لا تستطيع إذن التحرر من الاستغلال الطبقي إلا بالاستيلاء على وسائل الإنتاج من البرجوازية، الطبقة المستغلة، لتجعل من هذه الوسائل ملكا للجميع، في مجتمع لا يعرف المستغلين و لا المستغلين و بينما تسعى الطبقات المتوسطة "كصغار الصناع، وبائعي المفرق، والعمال اليدويين، والفلاحين الفقراء والمتوسطين" للعيش كطبقات من صغار الملاكين داخل الرأسمالية، فليس للبروليتاريا، وهي التي لا تملك سوى قوتها على العمل، من هدف سوى القضاء على الاستغلال الذي هي موضوعه، أي القضاء على نفسها كطبقة مستغلة لتبني المجتمع الذي لا يعرف الطبقات.
وكما تضامن الإقطاعيون القدماء في جميع بلدان أوروبا، ضد البرجوازية الغازية، تتضامن اليوم البرجوازية في مختلف البلاد الرأسمالية، ضد البروليتاريا الثورية. واشتد هذا الوضع، الذي استمرت معه التناقضات بين الرأسماليين الألداء، بصورة غربية، مع ظهور الاحتكارات.لأن الرأسمالية الكبرى عالمية. غير أن البروليتاريا تضامنت بدورها في جميع البلاد كطبقة ثورية مرددة النداء الذي يختم بيان الحزب الشيوعي: اتحدوا أيها العمال في جميع إنحاء العالم".
وهكذا نجد أن النزعة العالمية للبروليتاريا هي نتيجة وضع العمال الموضوعي مهما كانت جنسياتهم. لأن المستغلين في جميع البلاد لهم عدو مشترك هو الطبقة المستغلة مهما كانت جنسيتها.
ذلك هو النضال الثوري ضد الاستغلال.
ومع ذلك لن يفوز هذا النضال بالنصر، طالما أن علاقات الإنتاج الرأسمالية تتفق موضوعياً مع مستوى قوى الإنتاج، أي طالما أن الرأسمالية تنمو حسبما يقرر قانون الترابط الضروري، ولا يعني ذلك أن نضال البروليتاريا غير مجد حينئذ، لأن البروليتاريا، بفضل هذا النضال، تعي قواها فتعمل على جمعها وتنظيمها، كما أن هذا النضال يربيها ويهذبها. ولا يستطيع نضال البروليتاريا، في هذه المرحلة، إزالة الاستغلال الرأسمالي بل يحد من تأثيره.
حتى إذا لم تعد علاقات الإنتاج الرأسمالية مناسبة لقوى الإنتاج، بسبب إزدهار هذه القوى، أي حين تدخل الرأسمالية في نزاع مع قانون الترابط الضروري بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، تتوفر حينئذ الشروط الموضوعية الجديدة لنضال البروليتاريا .
ويسعى نضال البروليتاريا، من أجل تأميم وسائل الإنتاج، إلى تهيئة ظروف مواتية لعمل قانون الترابط الضروري الذي لم تعد الرأسمالية تحترمه. وهكذا يسير نضال البروليتاريا الثوري في اتجاه التاريخ، ولهذا كان واثقا من المستقبل لأن هذا النضال يسير حسب قانون المجتمعات الأساسي.
غير أن البرجوازية الحريصة على أرباحها كطبقة مستغلة. نستخدم كل وسيلة لتقف في وجه قانون الترابط الضروري، فينتج عن ذلك، كما رأينا أعظم الآلام للمجتمع.وليس هناك سوى قوة اجتماعية واحدة تستطيع التغلب على مقاومة البرجوازية لقانون الترابط الضروري، فما هي هذه القوة؟ خيل للخياليين من المفكرين أنهم يستطيعون تغيير المجتمع بواسطة قوة الأفكار. ويعود الفضل إلى ماركس وانجلز بأنهما اكتشفا أن الوسيلة الوحيدة التي تستطيع حل التناقض بين طابع قوى الإنتاج الاجتماعي وبين الملكية الخاصة "التناقض ب" (راجع ما سبق) هو نضال الطبقة العاملة الثوري معتمدة على تأييد ضحايا الاستغلال الأخرى. وذلك لأن البروليتاريا ليست وحيدة في نضالها، لأن نمو الرأسمالية – وانتقالها من المضاربة إلى الاحتكار – يؤدي إلى إفقار مختلف طبقات المجتمع. إذ لا تستطيع البرجوازية الكبرى أن تزدهر ألا بتعميم البؤس حولها. فيقف في وجهها لا محالة – عدا البروليتاريا الثورية عدوها الطبيعي - الطبقات المتوسطة التي افتقرت، والفلاحون العمال، والصناع اليدويون، وأصحاب الدكاكين، الخ.. وجميع الطبقات التي قضت عليها، فتجمع البروليتاريا جميع طبقاتها، بقيادة الحزب الماركسي اللينيني، وتؤلف جبهة واحدة للنضال ضد العدو المشترك، ألا وهو البرجوازية الكبرى المستغلة. وهكذا تقوم قوة اجتماعية جبارة لتحطيم العلاقات الرأسمالية وإقامة علاقات جديدة للإنتاج، ألا وهي العلاقات الاشتراكية المواتية لمستوى قوى الإنتاج الحديثة.
أما قدرة البروليتاريا على جمع أكبر الجموع للنضال ضد الأقلية المستغلة فهي تظهر بوضوح مهمتها القومية، وهكذا تقف الطبقة العاملة، كما أشار إليه كل من ماركس وانجل، في نضال الثوري، في مقدمة الأمة، بينما تنفصل عنها أوليجارشية رأس المال الكبير نظرا لمصلحتها الطبقية. وكلنا يعرف، اليوم في فرنسا، كيف انتقلت هذه الاليجارشية إلى الخيانة المفضوحة للمصلحة القومية. وهي مستعدة لارتكاب كل شيء حباً بالبقاء، ولهذا سلمت البلاد إلى الاستعمار الأجنبي. وهذا وضع يشبه وضع الإقطاعيين عام 1789، حين تحالفوا مع إقطاعيي البلاد الأخرى ضد شعبهم أملا في استعادة السلطة في البلاد.
بينما تتفق، على العكس، مصالح البروليتاريا الثورية مع مصالح الأمة ضد البرجوازية الكبرى المستغلة التي لا تعرف لها وطنا.
وهكذا تصبح النزعة الوطنية البروليتاريا والنزعة العالمية البروليتارية مظهرين لا ينفصلان لنفس النضال الذي تقوم به الطبقة العاملة ضد البرجوازية الرجعية التي تضحي حياة الشعوب في سبيل الربح الأكبر.

4 – الخلاصة
تؤدي بنا دراسة تناقضات المجتمع الرأسمالي ونموها إلى عتبة مجتمع جديد لا استغلال فيه. وقبل أن نستمر في البحث يجدر بنا أن نمعن الفكر في بعض النتائج الفكرية للاستغلال الرأسمالي.
هناك نزعة إنسانية Humanisme برجوازية. إذا ما قلنا "إنسانية" عنينا الثقة بالإنسان، وحب الإنسان.
كانت البرجوازية الثورية، ولا سيما في فرنسا، تفخر باعتقادها بالأخوة الشاملة. لماذا؟ لأنها كانت تناضل موضوعياً لتعيد لقانون الترابط الضروري تأثيره الذي وقفت في وجهه الأقطاعية، وهكذا كان عملها يسير باتجاه التاريخ.
ولكن ماذا بقي اليوم من كل ذلك؟ أصبحت اليوم البرجوازية، نظراً مصلحتها الطبقية، حجر عثر في وجه عمل قانون الترابط الضروري بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وذلك هو الأساس الموضوعي! " اللا أنسانية البرجوازية" Inhumanisme (التي تقوم على احتقار فاشيستي للإنسان وتكون موضوعاً للانحطاط.)
أن عقلية البرجوازية العالمية هي عقلية عصابة قطعت كل علاقة لها بالجنس البشري. أما فلسفتها الفكرية، التي تدعى حرمان كل معرض من ابسط حقوقه، فهي فلسفية فكرية تقوم على البطش والموت، كما أنها تبرر الجرائم المرعبة التي ترتكبها طبقتها من أجل خلاصها (كحرب كوريا مثلا).
بينما تكون الطبقة العاملة، التي تناضل لتعيد إلى قانون الترابط الضروري حقوقه، طليعة الإنسانية. ولما كانت الطبقة العاملة طبقة ثورية، فهي تقيم علاقات حية بين ماضي المجتمعات ومستقبلها. بين الماضي، لأنها تحتضن كل العوامل التي عملت على تقدم المجتمعات (ولهذا فهي تحيي النزعة الإنسانية البرجوازية بالرغم من معارضة البرجوازية الرجعية). وبين المستقبل لأنها تضع هذا المستقبل في نضالها الطبقي.
وهكذا تناضل الطبقة العمالية من أجل جميع الناس ولهذا كان نصرها الأول – ثورة تشرين الأول "أكتوبر"- أعظم حادث في تاريخ الإنسانية.
يتبع