العالم يدخل زمن الابراهيمه الثانيه؟/2


عبدالامير الركابي
2024 / 3 / 8 - 15:42     

تزداد الحاحا ضرورة كشف النقاب عن النقيصة الكبرى المهيمنه على الادراكية البشرية منذ بداية التاريخ المجتمعي الى اليوم، فالكائن البشري ظل منذ تبلور الظاهرة المجتمعية الى الساعه، محكوما للمفهوم التابيدي الذي يرى الكائن البشري "كغاية بذاته"، مغلقة النهايات ونهائية، مقابل المفترض المطوي الخارج عن نطاق الادراكية المتاحة، والمتوافق مع الحقيقة الوجودية، والمتمثل بمنظور "التحولية" المؤقتية التي ترى الكائن البشري محطة انتقالية الى مابعد جسدية، ومابعد المتبقيات الحيوانيه العالقة في الكينونة الانسانيه العقلية التي هي هدف الوجود المجتمعي، وغاية التفاعلية التصيرية التاريخيه، المجتمعية البيئية.
والفارق بين الرؤيتين والمقاربتين كما هو واضح، نوعي شامل وكلي، مراحلي، الاول منه استمر مرافقا الطور اليدوي الانتاجي، ليترسخ مع طول الفترة المومى اليها، الى ان يعود فيزداد ترسخا ابان الانتقال الى الطور الالي المناقض له، والمنطوي على انتهاءصلاحيته واسبابه، لياتي هذه المرة مشفوعا ومدعما بقوة حضور الفعالية الالية الشاملة، وماتوفره من الاسباب الغامرة، والمنجز الاستثنائي في الصعد المختلفة، ماعدا في الميدان الاهم والاكثر ضرورة والحاحا وجوديا، فلايجري الاقتراب من الازدواجية المجتمعية البدئية ومترتبابتها ومايتولد عن التعرف عليها، كانقلاب اقصى واكبر، شامل لكل منجزات الاله ومارافقها من "نهوض"، ظل محكوما للايهامية الارضوية التابيديه الجسدية الحاجاتيه.
ومن المثير الملفت الى ابعد الحدود الممكن تصورها كمثال دال على مااعتور الطور المصنعي من التحول الالي، بروز ظاهرة من نوع تلك التي طرات على التاريخ التوراتي بصيغته اليهودية المنتهية الصلاحية، مع ممكنات تشكله التصوري المعاد تجديده في غمرة الاليات التصادمية الابادية التي ترافق الظاهرة الاوربية الحديثة ونهوضها، مامن شانه ان يدلنا على التفارقية غير الملحوظة، بين حضور وغلبة الكيانيوية اللااضوية واقعا، وامكان تجددها، في ذات الوقت الذي يتم فيه التاكيد المطلق على زوال اسبابها، وانتهاء مايبررها بظل غلبة "العلموية" و "العقلانيه" المفترضة، ولابد لظاهرة نشأة وتبلور الصهيونيه الحديثة في قلب اوربا، برغم اجمالي تاريخ مشارفتها على الزوال بالقوة، ومانجم عنه من بداية تشكلية مفهومية كيانيه استعادية، كان يفترض ان تثير التساؤل الملح المبرر، مع دلالة التناقض بين الغالب النموذجي الاوربي الكاسح، مع عجزه عن محو ما هو بموقع المضاد له، ومن صنف مختلف عنه كيانويا نوعا واصلا.
وكان لابد من تفحص اذا ماكانت الحاجه والضرورة قد لعبتا دورا في تنامي الاسباب للتوراتية بالتبلور بظل الالة وضدها كيانيا، وصولا لتحولها الى كيان بذاته، فالغرب لايترك اي مجال يمكن النظر منه الى الجوانب الدالة ضمن بنيته التي يعتمدها، على اية هنات او دلالات على المؤقتية، وعلى احتمالات المغايرة النوعية، وهو ماسينسحب على الظاهرة الامريكيه وموقعها ضمن اجمالي البناء التوهمي والايهامي الغربي "الحديث"، وهنا وبقدر لايقارن، تحل مسالة غاية في الاهمية والدلالة الفاصلة، تلك المتعلقة بالظاهرة الامريكيه اللانمطية اللامجتمعية المولودة خارج السياقات التاريخيه البيئية/ البشرية، وهو مايجب ان ينسب الى اجمالي قصورالاعقالية الغربية، وعلى وجه الخصوص والتعيين، جانبها الادائي الكاذب بما خص ماقد اعتبر بمثابة "علم اجتماع"، هو "اخر العلوم" وبالذات من ناحية الاجابة على امر غاية في الحسم الدلالي الموضوعي، عن مجتمعية مفقسة خارج الرحم التاريخي، تضطلع بدور ومهمه رفع راية وقيادة وتمثيل مجتمعية تاريخيه مابعد يدوية، ماكان من المفترض ان يلغي من حينه فكرة وموضوع ماهو متعارف عليه، ومازال مستمرا، باسم "الغرب" وحداثته.
انبثقت الاله في موضع من العالم غير موافق لمنطوياتها وماهي مهياة لادائة واخذ المجتمعات البشرية اليه، مما لم يكن بالامكان تحققه ابان الطور الانتاجوي اليدوي، وفي حين ذهبت اوربا الى تكريس اليدوية من حيث الرؤية والاعتقاد بما يتعلق بالوجود والاغراض المتناسبة مع الكينونة المجتمعية والبشرية، فانها قد وجدت واستمرت الى اللحظة الراهنه في حال تضارب متناقض مع الالة وفعاليتها المتعدية للكينونة الاوربية على المستوى الكيانوي الوطني القومي، مااستمر يفعل فعله، ويبقي حالة الغرب باحتدام تناقضي مستمر توتري واحترابي، جرت ازالته كفعالية وحضور من الوجود، ومن العملية الالية، لصاح كينونه كيانية من خارج البنى المجتمعية والنمطية الاساسية، وهو مااضطلعت به الكيانيه مافوق "الوطنية" الامريكيه وقد لبست العباءة الغربية للتعذر، ولعدم توفر الاسباب لها كي تعبر عن ذاتها وكينونتها المنفصلة عن اجمالي الكينونه المجتمعية التاريخيه.
امريكا وضعت العالم خارج طبيعته التاريخيه النمطية ( الكائن البشري/ البيئة)، لا باسم الالة ومارافقها كانقلاب على صعيد ابعد، تكويني بنيوي، المجتمعية بموجبه "مجتمعية فكرة" ترتكز لقوة دفع الالة، تلك التي بدات داخل مجتمعية طبقية، الالة فيها نتاج الاحتدامية الاصطراعية الطبقية التاريخيه، والفارق بين المحطتين والحالتين المتباينتين، ان الاولى تعي ذاتها كينونة بناء على تاريخيتها وماسبق، في حين لاتتوفر البنية الامريكية اللانمطية، المنفصلة عن التاريخ المجتمعي، مايؤهلها للتعبير عن ذاتها الا بما يتعلق بالجوانب العملية من حضورها، ومع الاستعارة التعبيرية عن نمطية اخرى، غير تلك الارضوية التي تنتمي لها النمطية الاوربية، فامريكا تعبيرا، لاارضوية مزيفة "لاكيانيه وطنيه"، لاتملك ان توجد بدون افق متعد للحدود الجغرافية، مقترن برسالية مزورة بلا اليات لاارضوية.(3)
لاتوجد امريكا الا متعدية للكيانيه الوطنيه وانتاجية عولمية، وجودها الغاء للكيانوية الارضوية ( الوطنية القومية)، تنتقل مع التازم الحال على صيغتها مافوق الكيانيه اصطراعا عالميا، الى البحث عن احياء ابراهيمي في غير اوانه، تجلى في الاونه الاخيرة بصيغة بعث الابراهيمه " صهيونيا"، بافتعال شرق متوسطية مناقضة كينونة للشرق متوسطية البدئية البكورية النهريه، النيلية الرافدينيه، الجزيرية الاحترابيه، باحلال صيغ كيانات الابار النفطية المشابهه للكيانيه الامريكيه من ناحية كونها بلا تاريخ مجتمعي، لاتتوانى عن ان تشتري الارض كتاريخ بدولارات النفط، كما تفعل الامارات العربية مع مصر السيسي، رغبة في مصادرة رمزية ارض النيل والاهرام، بينما هي تتلفع ب"الابراهيموية الترامبية" بلا خلفية تاريخيه، ماقد تحول مؤخرا الى عملية افناء صهيوني لفلسطين بظل الانهيار القيمي الغربي الاوربي، والتردي الشامل المقابل الشرق متوسطي، على امل ان تغدو "الابراهيميه الصهيونيه الترامبية" مظلة توهمية عالمية، مصرح بها، تديم الكيانوية الامريكية المازومة، مايضع العالم امام خيارات نوعية كبرى مختلفة عن كل ماقد سبق ان عرف على الصعيدين، الارضوي، واللاارضوي، بينما الابراهيميه اللاارضوية الاصل، تذهب منتقلة من هنا فصاعدا الى الطبعة، او الصيغة الثانيه التحققية، مابعد الحدسية النبوية.
ـ يتبع ـ