من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر45


عبدالرحيم قروي
2024 / 3 / 8 - 02:27     

أصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة الثالثة و الأربعون

الماديةالتاريخية:
تابع

تناقض المجتمع الرأسمالي
1 – علاقات الإنتاج الرأسمالية: تناقضها النوعي
كتب ستالين يقول، في وصفه المجتمع الرأسمالي الذي يتلو المجتمع الإقطاعي:
تكون، في النظام الرأسمالي، ملكية وسائل الإنتاج الرأسمالية أساس علاقات الإنتاج، بعد أن زالت ملكية المنتجين والعمال فلم يعد الرأسمالية يملك حق قتلهم أو بيعهم، لأنهم تحرروا من كل ارتباط شخصي معه، بيد أنهم محرومون من وسائل الإنتاج، ولهذا فهم مضطرون، كي لا يموتوا جوعا إلى بيع قوتهم على العمل إلى الرأسمالي، والتردي في نير الاستغلال يعني هذا أن العلاقات الرأسمالية تحتوي على تناقض أساسي بين مصلحة الطبقة المستغلة "البرجوازية الرأسمالية" ومصلحة الطبقة المستغلة "البروليتاريا". وهذا التناقض خاص بالرأسمالية. وذلك لأن وجود البرجوازية الرأسمالية ورخاءها لا يتوفران إلا بعمل البروليتاريا.
وهكذا ندرك، إذن، أن نضال الطبقات ملازم للرأسمالية، فهو يعبر عن فهو يعبر عن التناقض الداخلي في علاقات الإنتاج الرأسمالية،واستغلال الإنسان الرأسمالي لأخيه الإنسان، حتى إذا ما نشأت علاقات الإنتاج الرأسمالية – داخل المجتمع الإقطاعي نفسه – ظهر النضالى الطبقي الموضوعي بين البرجوازيين والبروليتاريين ويستمر ذلك النضال على يدى تاريخ البرجوازية.
وسوف يتيح لنا تحليل علاقات الإنتاج الرأسمالية تحديد طبيعة تناقضها النوعي الذي يؤدي بالضرورة إلى نضال الطبقات.
كان الصانع اليدوي يبيع مصنوعاته اليدوية ليشتري لنفسه حاجات مادية ضرورية، والرأسمالي يشتري المواد الأولية لبيع منتوجات مصنوعة. هدف الإنتاج اليدوي هو الاستهلاك، بينما غاية الإنتاج الرأسمالي هي الفائدة. وهكذا
يصبح الانتقال من الشكل الأول لدوران المال إلى شكل دوران الرأسمال ممكنا، كما وجدت الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. وهذا ما يحدث في النظام القطاعي خاصة، كما يفسر لنا نشأة الرأسمالية في هذا النظام.
يتحول المال إلى رأسمال، في هذا النوع الجديد من دوران المال، وذلك لأن توظيف المال هو لزيادة إنتاج المال.
بيد أنه يجب، كي يتحقق الربح من هذه العملية، أن يجد الرأسمالي في السوق بضاعة لها ميزة خاصة، ألا وهي إنتاج قيمة أكثر من القيمة الضرورية لتجديدها، وأن يملك الرأسمالي لوحده فائض القيمة هذه.
فما هي هذه البضاعة المفيدة للرأسمالي؟ إنها ولا شك قوة العامل على العمل، لأن العمل وحده يمكنه إن ينتج القيمة .
ويجب أن نفهم من القوة على العمل مجموع الصفات الحية التي يستخدمها لإنتاج أشياء مفيدة .
ماذا يجب كي يمتلك الرأسمالي القيمة المنتجة؟ ويملك جميع وسائل الإنتاج؟
ماذا يجب كي تصبح قوة العمل الإنسانية بضاعة؟ ويضطر الناس إلى بأنفسهم في الأسواق؟
يجب أولا: أن يملكوا هذه القوة تماما، أي أن يتحرروا من قيود الرق. ثانياً: يجب وجود الأسواق: حيث يوجد الشراء والبيع والإنتاج التجاري. ثالثا: أن لا يكون لدى الناس للبيع سوى قوتهم على العمل، أي أنهم لا يملكون هم أنفسهم أي وسيلة للإنتاج.
يوجد مثل هؤلاء الناس البروليتاريين وذلك أما بسبب ازدهار النظام القطاعي اقتصاديا، أو بسبب المضاربة التي تسيطر في الإنتاج التجاري وتقضي على صغار الصناع اليدويين، وصغار التجار.
هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الرأسمالي، الذي يهمه استخدام العمال الأحرار الذين هم أرقى من الرقيق الجهلة، ويعرفون كيف يستخدمون الآلات الجديدة، يشجع بكل الوسائل نضال الرقيق من أجل تحريرهم.
ندرك الآن مصدر "الحرية" التي نادت بها الرأسمالية، وطبيعة هذه الحرية، هذه الحرية هي حرية التجارة والأعمال بالنسبة للرأسمالي، وحرية العمل عند الرأسمالي بالنسبة للبروليتاري.
وهذا ليس سوى قوة البروليتاري على العمل. ولكن كيف سيدفع أجر هذه القوة؟ كما يدفع ثمن كل سلعة، إذ تتحدد قيمتها بكمية العمل الضرورية لإنتاجها. وقيمة المنتوجات الضرورية لاستمرارها وتجددها، كي يعيش البروليتاري ويشب أطفاله فيحلوا محله. ولما كانت هذه القيمة ستحسم من القيمة التي ينتجها العامل خلال عمله اليومي، فإن الزائد، وهو فائض القيمة، سيزيد من رأس المال: "يكون القسم الأول الأجر بينما يتولد عن القسم الثاني الربح ".
ولهذا كانت مصلحة الرأسمالي في تمديد العمل اليومي، كما أن مصلحة البروليتاريا، في تقصيره. فإذا وجب ثلاث ساعات لإنتاج قيمة تساوي ما تتطلبه تغذية قوة العمل عند العامل، وإذا كان هذا العامل يبدأ عمله في الساعة السادسة صباحا، فإنه منذ الساعة التاسعة يعمل لمصلحة الرأسمالي. فإذا عمل بدون انقطاع وانتهى من عمله الساعة 14 فإنه يكون قد عمل خمس ساعات لمصلحة الرأسمالي. وإذا انتهى الساعة 19 "نفرض عملا متواصلا" فإنه يكون قد عمل عشر ساعات لمصلحة الرأسمالي.
وهكذا يتضاعف ربح الرأسمالي ما بين ثماني ساعات عمل يوميا وثلاثة عشر ساعة: "وكان هذا شائعا في مطلع الرأسمالية" بينما أجر العامل لم يتغير: فهو محدد بالقيمة لتغذية قوة العمل، وهي قيمة تكفي ثلاث ساعات لإنتاجها.
يخفي، طبعا، الرأسمالي، هذا الأمر حين يدفع أجر العامل، في نهاية اليوم، بعد انتهاء العمل المطلوب.
ولهذا يضطر البروليتاري، كي لا يموت من الجوع إلى العمل طيلة الوقت المحدد كي ينال أجره.
ويعني هذا أن الرأسمالي، مقابل أجر يمثل تماما ما يساوي أقل حاجات البروليتاري المادية، يستولي على منتوجات عمل البروليتاري. وهكذا ينقسم العمل اليومي إلى عمل يومي ضروري وعمل يومي بالمجان.
يوجد إذن، في عهد الرأسمالية، كما وجد في عهد الإقطاع وعهد الرق، تملك خاص للعمل غير المأجور. غير أن البروليتاري لا يكتشف رأسا سر هذا الاستغلال، لأنه يخيل إليه أنه قد دفع إليه أجرة كل عمله عند نهاية اليوم. كان الرقيق يملك منتوجات اقتصاده الخاص، وكان يعرف أنه يعمل عددا من الأيام بالمجان في خدمة سيده.
أما البروليتاري العصري، فهو، كالعبد، لا يملك شيئا سوى "حريته"، أي قدرته على بيع قوته على العمل. وكان العبد ينال غذاءه من سيده، أما الرأسمالي فهو يعطي البروليتاري. في صورة أجر الضروري مما يحتاجه في غذائه، وربما عاد فاستولى على كل هذا الأجر في مستودع الأغذية أو عند دفع أجرة السكن: فالرأسمالية هي إذن العبودية المأجورة.
أتاح لنا هذا التحليل أن نتأكد أننا كنا محقين في قولنا أن مصالح الرأسمالي اقتصادية لا تتفق و مصالح البروليتاري في الاساس، ولا يمكن التوفيق بينها، وإن هناك تناقضا كامنا في الرأسمالية يكون جوهر علاقات الإنتاج الرأسمالية.
ينتج عن ذلك أن فكرة تعاون الطبقات والشراكة بين رأس المال والعمل هي سلاح لخدمة الرأسمالي. فهي تهدف إلى أبعاد البروليتاري عن النضال من أجل الدفاع عن مصالحه. ليس الاستغلال الرأسمالي نتيجة "استغلال رؤساء العمل الفاسدين". كما تدعي منشورات البابا، لأنه لا يوجد رأسمالية "صالحة" إذ أن كل رأسمالية مستغلة بطبيعتها ولهذا فأن القول بالقضاء على البروليتاريا، والقضاء على الاستغلال الرأسمالي مع المحافظة على الرأسمالية والملكية الفردية لوسائل الإنتاج إنما هو سخرية بعقول الناس، إذ يجب القضاء على الرأسمالية كي نقضي على البروليتاريا.
وتصح هذه الملاحظات بصدد "الاشتراكية" البرجوازية عند برودون التي لا تهتم بالقضاء على الرأسمالية بواسطة عمل الطبقات الثوري، بل "بتحسين مصير الطبقة العاملة".ضمن نطاق الرأسمالية بعد تعديلها .
وهناك نتيجة أخرى لتحليلنا، وهي أن نضال الطبقات ليس من اختراع كارل ماركس. فهو موجود مستقلا عن إرادة الناس. ولهذا لا يستطيع البروليتاريون توفير أسباب عيشهم ألا بالنضال ضد المستغل، حتى إذا ما كفت البروليتاريا عن النضال، من أجل الأجور، انتهت بما الرأسمالية إلى حالة قريبة من حالة الحيوان.
غير أنه يجب أن نلاحظ أن التناقض بين الرأسمال والعمل ليس هو التناقض الوحيد الذي وجد منذ مطلع الرأسمالية. ولكن تناقض المصالح بين الرأسماليين المتنافسين ليس أساسيا بل يتبع التناقض النوعي للرأسمالية، وهو التناقض بين الرأسمالي المستغل وبين العامل المستغل: ولولا هذا التناقض لما كان هناك رأسمالية. وهكذا يكون قانون سيطرة الإنتاج في النظام الرأسمالي تابعا لقانون فائض القيمة الأساسي.
2 – قانون الترابط الضروري في المجتمع الرأسمالي
درسنا فيما سبق علاقات الإنتاج الرأسمالية: وذلك بتحليل تناقضها الداخلي ذلك التناقض الخاص بالرأسمالية.
وسوف تسمح لنا هذه الدراسة أن ندرك مصير قانون المجتمعات الأساسي، في المجتمع الرأسمالي، وهو قانون الترابط الضروري بين علاقات الإنتاج وطابع قوى الإنتاج. وسوف نرى، في المرحلة الأولى، كيف أوجد تناقض الرأسمالية الخاص ظروفاً مواتية لعمل قانون الترابط الضروري، أي لازدهار قوى الإنتاج.
ثم سوف نرى، في مرحلة ثانية، أن تناقض الرأسمالية الخاص يوجد ظروفا مواتية لعمل قانون الترابط الضروري: ومن ثم ينشأ النزاع بين علاقات الإنتاج وبين قوى الإنتاج. فيعين ذلك نمو قوى الإنتاج.