رواية (الحيوان وأنا) للروائي العراقي أمجد توفيق


ابراهيم خليل العلاف
2024 / 3 / 7 - 20:47     

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
سُعدت جدا ، عندما وضع يوم 4 من آذار الجاري 2024 الاخ الروائي الكبير الاستاذ أمجد توفيق ، نسخة من روايته الجديدة ( الحيوان وأنا )، وتمنى ان استمتع بقرائتها ، وحقا كان الامر كذلك وانا اشكره .
واقول انها الرواية الاولى في العراق للعام 2024 ، بمعنى لو كان لدينا جوائز تقديرية كما في مصر لإقترحت ان تمنح للروائي الاستاذ امجد توفيق جائزة الدولة التقديرية على روايته الرائعة والمتميزة هذه .
وقد تقولون لماذا ؟، واقول انه عالج فلسفيا وابداعيا مشكلة انسانية عويصة يحس بها الانسان السبعيني وهي رغبته في ان يعود الى النبع في كل ما يقوم به .العودة الى الجذر ..العودة الى الاصل ..العودة الى النبع هو الحل لكل ما نعانيه ويعانيه مجتمعا .
انا مؤرخ ، وكاتب ، وناقد ثقافي ، واعتقد ان هناك من يعرف ما الذي يعنيه ( مصطلح النقد الثقافي) ، ارى الرواية كتبت في وقت ومكان محدد كتبها روائي معروف ، وكاتب ، ورمز ثقافي ، واداري ، وصحفي ومناضل خبر الحياة ، وعركته الحياة .وهو بهذا العمر يدرك ما معنى الصدق الحقيقي ، وما معنى الكرامة الحقيقية ، وما معنى الانسانية الحقيقية لهذا وهو في مزرعته يعيش وحيدا .. فقد زوجته يحاول بأقصى ما يقدر اعتزال الناس يعيش مع حيواناته ، واحيانا يفضلهم على نفسه في الرعاية .. ينسى نفسه لكنه لاينسى الحصان ظلام ، والكلب ليل.. لاينسى القطط والدجاجات هو بات اليوم مدركا لقيمة الحيوان ، ويعده شيئا ساميا لابد ان نفرد له الاهمية .
بطل الرواية جنرال متقاعد عمره في السبعينات ، لكن روحه لم تبرح العشرينات .. اسمه ( دانيال علي موسى ) ولإسمه دلالة معروفة هو جمع البشر تحت هذا المسمى ارمل زوجته ، شريكة حياته غادرت الحياة قبل ثلاث سنوات من كتابة الرواية ، ترك بيته في المدينة ويعيش في مزرعته بهدوء وتأمل ينهض في كل صباح ليطعم حيواناته في المزرعة ، ويسعد عندما يزوره احد لكنه يعود فيتبرم من الزيارات ، ليست لديه اسرار هو لايشعر بأهمية ان يتستر على الاسرار ...هو مثلي لكني بعد ان فقدت زوجتي تزوجت بعد اشهر محدودة ، لهذا ما اشعر به ليس كما يشعر به هو ..على اية حال وجدتني انهمك في قراءة هذه الرواية بحب ، وامجد توفيق كاتب من الدرجة الاولى ، واعرفه منذ نصف قرن واقرأ له ويعجبني فيه هدوءه ، واناقته ، وكياسته ، ودقة عباراته ، وقوة مدلولاتها ، من هنا احس ان وراء كل سطر معلومة ، ووراء كل فقرة خبر ، وانفعال ، وخيال ، وواقع .
الناقد المغربي الكبير الاستاذ محمدمعتصم ، توغل في داخلية الرواية ، واخرج كنوزها وعرف ما الذي اراده أمجد توفيق من وراء هذه الرواية هي سيرة هي سيرته كتبها بضمير المتكلم لهذا وجدتها قريبة الى نفسي ، وانفعلت بكل مخزوناتها السردية وامجد توفيق فيها وجودي واقعي حقيقي ، وجيلنا نحن جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية كان كذلك قرأنا فرويد ، كما قرأنا ماركس عشنا عصر عبد الناصر ، وجيفارا ونيلسون مانديلا ونهرو ونجيب محفوظ واحسان عبد القدوس كما عبد الرحمن بدوي كما محمود امين العالم كما طه حسين وجمال حمدان كما ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب كما السياب كما البياتي كما الجواهري كما الابنودي ؛ عشنا الازمنة كلها من هنا سؤال أمجد توفيق ، وسؤالنا نحن من مجايليه ، سؤال وجودي وحزننا على وطننا وامتنا ليس كحزن غيرنا ، رأينا وسمعنا قرارات الخطأ ، وعايشناها ولم نستطع ان نفعل شيئا وجدنا انقسنا في دوامة الاحداث وهي تنزلق بنا لتوصلنا الى الحروب والحصار والمجاعة والغزو والتفكك وتدمير الهوية والعنف غير المبرر والكراهية والتعصب المقيت .
استطيع ان اكتب الكثير عن هذه الرواية ، الجنرال السبعيني المتقاعد الارمل مع من يعترض حياته بين وقت واخر موج ابنة صديقه رامي - ذكرى تدخل المزرعة وتحدث فيها ثورة وتمنح الجنرال شيئا من الحياة ، والاهم منهما حيواناته القريبة من نفسه ومايزال يحس بمسؤوليته تجاهها وحوارات تعد ولا تحصى ومنها ما يتعلق بغلبة المصالح ، وغياب المنافع والبحث عن جوهر الكلام عند الحمير والبحث عن شكل الكلام عند البشر .لااريد ان افسد على القارئ نشوته ، وادعوه لاقتناء الرواية والتوجه نحو قرائتها لكن ما اريد ان اقوله هو الكلمات القصيرة الموجزة في خاتمه الرواية واقصد تلك العبارات الوجودية عن الخاتمة خاتمة الجنرال وهو الذي اشترك في الحروب التي واجهتها بلاده وما واجهه من اخطاء اغتياله وما كان يمكن ان يحدث وهو في سيارته التي اصطدمت بأخرى لكنها ظل حيا ويوميا يسمع اخبار من يسقطون من اصدقاءه ، واقاربه وزملاءه واستمرارية حياته قد يتعلق بتواصل اخطاءه وهي تافهة قد يكون لانه لديه هدفا وقد، وقد لكن الان لم يعد يركز على اي هدف يسعى لتحقيقه إلا ، ان يكون حرا ، جاهزا للموت .
هل احتاج الى ان اكرر نبذة عن سيرة امجد توفيق لا اعتقد لكن مع هذا هو معروف بكالويوس اعلام ، ورئيس تحرير لمجلات ثقافية معروفة ومدير لمؤسسات ومستشار ، والأهم من كل هذا انه قاص ، وروائي وانسان ، وما زلت اتذكر اول مجموعة قصصية اصدرها كان اسمها (الثلج) سنة 1974، وبعدها اصدر الكثير ، كما صدرت عن تجربته الابداعية كتبا وقدمت رسائل واطروحات ، ونال الجوائز والتكريمات ، لكنه في كل هذا يظل أمجد توفيق ؛ الرمز الثقافي العراقي الكبير أمد الله بعمره ، ومتعه بالبركة والخير والتقدم .