ضد الماركسية الغربية


المنصور جعفر
2024 / 3 / 6 - 04:52     

هذه بداية فكرة نقض للماركسية الغربية يتناول بعض معالمها وكتابها وطبيعة نتائجها


1- البداية والنهاية:
في القرن العشرين وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية انشغل كثرة من المثقفين والأكاديميين المهتمين بأدب ماركس بتحديد وتثقيف هذا الأدب وشرحه باشكال مترادفة إختزالية و توسعية حولت الفهم المادي الجدلي لمعالم تاريخ المجتمعات إلى فلسفة كلاسيكية سموها "الماركسية".

بهذه الأعمال وشجت هذه "الماركسية" بخبر أشكال دراسية مختلفة من كاتب إلى آخر بوضع نقيض للكينونة الثورية الكبرى للأوضاع والأفكار التي أسهم إنجلز وماركس في تبيينها. فبهذه الأعمال صار ادب ماركس في دراساتهم مجرد حالة أكاديمية أو مدرسة فلسفية كما صارت مضادة لغالبية أفكارهم عنها.

جزافا عرف هذا الوضع الفكري باسم متقدس بماركس في هيئة اكاديمية أو مدرسة وهو "الماركسية الغربية" وأحياناً "الماركسية الجديدة".

عادة ما يبدا مؤكدمو أو ممدرسو الماركسية اجتهاداتهم وعكوفهم على شرح بعض أجزاءها بزعم تحديد اولى لما يسمونه "الماركسية" وفصل هذه الماركسية التي انتقوها عن "اللينينية" حيث يقومون بتثقيف وحصر اجتهادات الرفاق الاوائل وتحويلها من كينونة معرفة ونضال بروليتاري ثوري شمولي منظوم إلى دفتر دراسة أو مخزن أو مختزل أو مصنع أو دكان لموضوع فلسفي/أكاديمي مواشج لثقافة شراح الماركسية أو لنشاطهم المعرفي.



2-لمحات عن تنوعات"الماركسية الغربية":
على كل مجتهد بمغرده تأثرت أعمال المشتغلين بتنظير أو بإعادة تنظير الأعمال التي نظرها كارل ماركس تأثراً متنوعاًً بصراعات ثقافتهم وبيئتهم السياسية العامة، وبخبرتهم وتقاليدهم الأكاديمية، وبالمؤثرات الاجتماعية السياسية على حياتهم (المكان، القرابة، الطائفة، المجتمع الضق، الإعلام، الحكومة، الأدب والفن) وتنوع درجات التأثير والتأثر على أوضاعهم وإمكانات تطور صلتهم بأفكار ماركس داخل الفكرة الأكاديمية وداخل البيروقراطيا الأكاديمية وضمن منظومات النشر الواسع.

جهد التفكر والشرح التي قام بها العلامة جورجي بليخانوف اليهودي الروسي والمعلم الفذ لأفكار ماركس وانجلز جعلها في نظر كثيرين اقرب إلى الفقه، المثقف مارتوف اليهودي زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي حولها لمنتدى ثقافي سياسي، كاوتسكي اليهودي مذهبها ورسملها، علامة الأدب جورجي لوكاتش اليهودي حولها لأقانيم شموخ أدبي ومسرح تبلور فكرة طبقة، الثوري السجين انطونيو قرامشي اليهودي في بلد عائلات كاثوليكية تعذبها الناس به بين رسوخ الكنيسة وتغيرات المؤمنين، الفيلسوف سارتر اليهودي الكاره لعموميات اليهودية وعموميات الجمهورية وعموميات الحزب حولها لفلسفة ذات صوفية، أما لوي ألتوسير الكاثوليكي ابن الضابط ثم البنكي والمدرسة الصارمة معلم الفلسفة وزوج اليهودية التروتسكية فقطع الماركسية إلى شخصانية ماركس الشاب وماركس الناضج وقطع النظرية بين الفكرة الخام والتصنيع الفكري والفكرة الشاخصة ومعها كم من المحذوفات والاضافات من فكرة الانسانية والتحليل النفسي جعلها في نظر الناس بمنظاره بنية عقائدية لا تاريخية ولا اقتصادية لها روح ايديولوجية لا فكرة ومناشط نضالية جدلية ثورية، الحبر اليهودي ثم الشيخ المسلم روجيه جارودي حول الماركسية إلى "واقعية بلاضفاف" كذلك اجتهادات اليهوديان خورمايخر وهابرماس الذين بما انتقياه من أعمال ماركس جعلت من قراءتهما العامة محوراً لتحويلها إلى مدرسة تأملات وتقعيدات فقهية وبراغماتية متراوحة بين الإجتماعية والصوفية، كذلك المناضل والكاثوليكي تيري إيغلتون أستاذ الأدب حولها إلى شريعة نظرية، وفوكو ودريدا اليهوديان حولاها إلى سفسطة أو محاججة لانهائية. شكراً عامة لـ"القابلاه" نهج التصوف اليهودي ثم شكراً خاصة للعلامة الموسوعي اليهودي موسى بن ميمون مجدد اليهودية باستثمار السفسطة وهي نفسها اي السفسطة ذات جذور بعضها من أساليب التعليم الإفريقية التراثية.


خلاصة هذه الفهوم إن الفقه اليهودي والكاثوليكي أثرى تفاعلهم مع الماركسية لكن كل واحد منهم في تعامله مع العجل الذهبي الذي سموه "الماركسية" وما صنعوه به منها أسبغ على الجزء الذي تناوله منها جزء من ثقافته ومن موضوع معرفته، فصار مجموع تنظيراتهم المختلفة بشأنها كائن جديد شبه للكائن الأدبي الأسطوري المسمى "فرانكشتاين".



3- سمة تصنيع الفكرة الخام وأدلجة المصطنع:
جزء مهم من صنعة الأكاديميين في مهنة الشرح والتعليم هي تجزئة وتبعيض الشمول وتعميم الأجزاء، وهو ما يختلف نسبية عن صنعة (كهنة) السودان وعموم حضارات الزمان القديم وحتى عن قصة النبي ابراهيم (ع) اذ كان القدماء يدرسون الأجزاء والعلاقات المفردة ويستنتجون منها وجود نظام شامل يعكفون على اكتشاف أبعاده.

هؤلاء المنظرين الذين كانت إعمال غالبيتهم معاصرة حتى أول عقد في القرن الواحد والعشرون اتسمت أعمالهم المثرية للتفكير بعزل نظري وعملي للماركسية عن اللينينية وبهذا العزل الضروري للدراسات الاكاديمية أو نحوها نقضوا إهتمام الماركسية-اللينينية بعمليات فهم الكادحين والتغيير الشامل المتكامل حيث تركوا دراسة المعالم العلمية والعملية الكبرى لنظاميات التغيير وترابطها.
أهم المعالم في الطبيعة الخام وفي طبيعة الافكار وفي النظريات السياسية هي "العناصر" و"الصراع" و"القوة" و"العلاقة" و"الإتجاه" أو مثلث "العناصر" و"التفاعل" و"البنية" وصراعاتهم وقد أهتم شراح وملخصي ومقسمي أعمال ماركس هؤلاء بأمور التفسير والتأويل في حدود موضوعاتهم وما إليهم وما اليها من خبرة ووضع وبيئة.

ناقض أسلوب أعمال احبار و كاردينالات الماركسية قيام الكادحين الثوريين وكاتبيهما إنجلز وماركس بهدم أقانيم الفلسفة وصنميتها رافضين تحويل المعرفة الاجتماعية إلى جزر معزولة حيث قام أحبار و كاردينالات الماركسية الغربية وفق إهتمامهم وتخصصاتهم بتناول موضوعات طرقتها أنشطة الكادحين الثورية في الواقع وأمور معرفته وحولوها بشكل مقري للتفكير الفردي إلى"فلسفة" عبر كم من الإختزالات ومن الشروح. وبغرقهم في هذا التنظير التحزيئي سفهوا الكينونة النضالية البروليتارية لتلازم الأفكار والأنشطة التي نضدها كفاح الكادحين وكتبها وفقاً لموجهاتهم الرفيقان ماركس وإنجلز.



4- النتيجة النظرية والعملية لأكدمة الماركسية وتقطيعها:
المبالغة في تكبير الصغير وتصغير الكبير والإعماه في التجزئة و التخصيص والتفسير على حساب كينونة التثوير في جهود الكادحين وكتابهم المشهورين ديقين وإنجلز وماركس مبالغة سواء كانت مقصودة أو عفوية فان نتائجها تذك بمسرحية "فاوست" الذي باع روحه للشيطان.

تحويل الماركسية إلى مجرد أكاديمية أو مدرسة فلسفية تجد في حبرياتهم أو حسابات جبرهم مختلف أشكال العداء للإرتباط النظامي الذي أسسه الكادحون الثوريون و استوعبوا به جهد إنجلز وماركس ثم شيده في أوسع بلاد الاضطهاد الإقطاعي والرأسمالي الرفاق البلشفيك بقيادة لينين.

تلاميذ أحبار عزل الماركسية عن اللينينية في العالم والعالم الثالث وتحويلها إلى حلقة تفاكر حول وجه أو وجوه امبريقيتها أو ايديولوجيتها أو إنسانيتها أو اقتصاديتها وغيرها من من صور المجادلة النخبوية، صاروا يتصورون ان "الماركسية" مجرد منظار فحص وان الحزب مجرد ضوء اضافي في هذا المنظار وأنهما ليسا مكونا عضويا العنصري العملية الشمولية للنوع البروليتاري من المعرفة والنضال الذي تتلازم فيه عمليات التنظيم والفحص والتغيير وما يتعلق بها من تعبير وتنظيم تلازماً عضوياً مع ضرورات واعمال تحرر البروليتاريا والقوميات المضطهدة وانعتاقهم من حالات الاستغلال. أي التلازم الذي يتبع فيه الفكر الواقع .


في نطاق أعمالهم ومريديهم حاول أحبار و كاردينالات "الماركسية-الغربية" جعل المعرفة والفلسفة البرجوازية ذات الشكل الماركسي دليلاً مرشداً لنضال الكادحين بدلاً لأن يكون نضال الكادحين هو الموجه لأنشطة وأشكال المعرفة الإجتماعية السياسية.