الصراع الطبقي


خالد بطراوي
2024 / 3 / 3 - 16:11     

هل انتهى الصراع الطبقي؟ هل ولّى زمن النظريات المتعلقة بالصراع الطبقي؟ وهل زالت الطبقات والشرائح في المجتمع واختلط الحابل بالنابل؟ وما هي معادلات العصر الحالي على الصعيد الإقتصادي؟
يظن البعض أن الصراع الطبقي بدأ أول ما بدأ مع اختراع الآلة البخارية، حيث تحولت عجلة الإنتاج من الصناعات اليدوية الحرفية البسيطة الى عجلة الإنتاج باختراع الماكنة الصناعية. فقد حلّت ماكنات النسيج على سبيل المثال مكان العاملين والعاملات في ورش الحياكة والخياطة الذين كانوا يعملون لساعات طويلة فقط بأيديهم في الحياكة والنسيج.
في حقيقة الأمر فإن الصراع الطبقي لم ولن ينتهي وكان موجودا منذ بدء الخليقة على هذه المعمورة وسوف يستمر طالما أن البشرية ما زالت متواجدة ولكنه يأخذ أشكالا متجددة وفقا لمعطيات العصر والتقدم التكنولوجي الذي وصل حتى هذه اللحظة الى عهد "الذكاء الصناعي".
مع تطور الصناعة وعجلة الإنتاج تطورت الطبقة الرأسمالية وزادت فروعها فلم تعد تقتصر على البرجوازية العليا والوسطى والصغيرة والرثة فظهرت تفرعات عديدة تنامى دورها كشريحة البرجوازية الكمبرادورية التي تسيطر على عملية التصدير والاستيراد للسلع ولا تملك أية وسائل إنتاج وتنامى دور شريحة برجوازية "المونوبليا" أي الإحتكارات العالمية التي أجرت أكثر من إئتلاف عالمي وقامت بتوزيع "الكعكة" ما بينها، وتنامى دور شريحة البرجوازية المختصة بتجارة السلاح وتجارة الأدوية وتجارة المخدرات وبرجوازية قطاعي البنوك والاتصالات وغيرها الكثير الكثير.
ومع تنامي هذا الشرائح من البرجوازية أصبحت شرائح البرجوازية الوسطى والصغرى والرثة أقرب الى الطبقة العاملة أكثر فأكثر من أن تكون ضمن تصنيف البرجوازية.
أما الطبقة العاملة من فلاحين وعمال فقد طرا عليها هي أيضا تفرعات مع زوال الاقطاع، فنجد مزارعا يعمل في أرض يمتلكها هو بحيث يكون أقرب الى شريحة البرجوازية الصغرى أو الوسطى من شريحة المزارعين بل ونجد مزارعا يعمل لدى صاحب أرض في القطاف مثلا ليس مقابل مردود مادي نقدي بل نسبة من المحصول حتى بشروطه، ونجد في الصناعة العمال المهرة والعمال غير المهرة وأولئك المتسلحين بتقنيات العصر والمعرفة بالأتمتة إلى درجة أن المهندس الصناعي مثلا الذي يصنف ضمن شرائح البرجوزاية هو في حقيقة الأمر أقرب في التوصيف الى الطبقة العاملة أكثر من أية شريحة من شرائح البرجوازية، وخير مثال على ذلك مهندس ميكانيكا السيارات حيث نجد بعضهم مستلقيا على ظهره أسفل سيارة يقوم بإصلاحها. كما وزادت العمالة الوافدة الى كثير من البلدان وقلت العمالة من مواطني البلد وبالتالي قلّ الإنتماء للعمل النقابي ولفكر الطبقة العاملة وأهم روافده إتحاد العمال وتضامنهم.
أحد أهم ركائز الصراع الطبقي أنه بتطور وسائل الإنتاج تتطور علاقات الإنتاج وأن يد الإنسان ليس فقط وسيلة للإنتاج بل أيضا نتاج له.
مع تطور علاقات الإنتاج لا يستقيم هنا ان نقوم بتطبيق كلاسيكيات الصراع الطبقي على هذا التطور، ولهذا السبب بالذات ولأسباب أخرى ضعف الى درجة الإضمحلال دور نقابات العمال التي تعيش على أنقاض وذكريات الماضي وتتغنى به من ناحية وتخفق في تلمس وطرح وتبنى قضايا الصراع الطبقي وقضايا الطبقة العاملة بحلتها الجديدة ومعطيات العصر الحالي.
وبالتناوب، فشلت أحزاب اليسار التي تعلن في برامجها أنها أحزاب الطبقة العاملة من عمال وفلاحين وكادحين في تجديد فكرها وبرامجها بما ينسجم مع علاقات الإنتاج الجديدة ومع ذلك ظلّت تتشدق أنها تحمل فكر الطبقة العاملة رغم أن قادتها هم من شرائح البرجوازية المتعددة.
خلاصة القول أنه يجب وبالضرورة إعادة كل ما يحدث في العالم الى منبعه الأساسي المرتبط أساسا بالسيطرة على مقدرات هذا الكون وعجلة الإنتاج وإفرازاتها المتجسدة في الصراع الطبقي، حيث أن طبقة البرجوازية بكل تفرعاتها تريد كل شىء لنفسها حتى لو تطلب الأمر إحداث الحروب والنزاعات وقتل الشعوب وتهجيرهم بل والإبادة الجماعية.
أزمتنا في حركات التحرر أينما كان مردها اننا لا نرتقي بإرتقاء معطيات العصر الراهن وتحجرنا نحو ذكريات "الزمن الجميل" ولم نطور أنفسنا وتقوقعنا في شرنقات إما الفكر الديني السياسي أو الفكر القومي الضيق أو العرقي ولم نشكل في يوم من الأيام بديلا ثوريا حقيقيا.
نقطة وع السطر.