موقع eSyria يحاور شاهر أحمد نصر


نورس محمد علي
2024 / 2 / 27 - 15:39     

ما بين الهندسة وطرائقها العلمية وجد الأديب "شاهر" فسحة سماوية انطلقت منها إبداعاته الأدبية فتتوجت بالعديد من الروايات والدراسات والترجمات.
فالمهندس الأديب "شاهر أحمد نصر" أشبع فكره ومخزونه المعرفي منذ الصغر بالمطالعة والتثقيف الذاتي وأعطى هذا الجانب جل حياته ووقته، فتأثر بعمالقة الأدب والسياسة وأغنى فكره بمفرداتهم وعمل جاهداً على تطوير هذه المفردات لتكتسب من شخصيته وفكره وانتمائه السياسي، فكانت له الكثير من الترجمات في مجاله الهندسي.
موقع eSyria زار الأديب "شاهر نصر" في مكتبه الهندسي بتاريخ 5/3/2012 وأجرى معه الحوار التالي:
- كيف جمعت بين هذه الأمور المتباينة؟
** هذه الأمور ليست متباينة فالهندسة فن، والأدب فن، وجميعها تعنى بالحياة والجمال، والحياة الرائعة سمو نحو الهارمونيا، وتكتمل إنسانية الإنسان مع تكريس حياته لمشاعر المحبّة والجمال. والأدب هارموني الحياة.


نستطيع الجواب عن سؤال: متى بدأ كاتب بالكتابة، ولماذا؟ حينما نعرف لماذا تتدفق الينابيع في الطبيعة، ولماذا ينبعث الأريج من الفل والياسمين وأعطر الورود، فكثيراً ما تكون صعوبات الحياة وتحدياتها حافزاً للإنسان كي يعطي وينتج.
كان كتاب "من أجمل ما كتب بوشكين" أول كتاب نشرته في مجال الأدب، والمحبّة من أسباب ترجمتي لأشعار "بوشكين"، فضلاً عن أنني وجدت أغلب الأعمال الأدبية التي تنشر بالعربية تغوص في العناوين الضاغطة على ذهن القارئ، فقلت يستحق القارئ أن يتنفس الحبّ والجمال، فأتت ترجمتي لأجمل أشعار "بوشكين"، وكانت أرفع جائزة حزتها رسالة من إنسانة مرهفة تقول: إنني أضع "من أجمل ما كتب بوشكين" تحت وسادتي.
وضمنت هذا الكتاب ملحمة "موزارت وساليري"، وكان الدافع لترجمتها أنني استمعت إليها تغنى أوبرا على خشبة "مسرح البلشوي"، والتقطت عبارة في أواخر المسرحية يقولها "ساليري" موسيقار البلاط وأستاذ الفن وأستاذ "بتهوفن"، وهو يضع السم في كأس "موزارت" علّه يتربع مكانه على قمة مجد الفن الموسيقي بعد قتل صديقه، ولخص بوشكين ذلك الصراع النفسي العميق باستنتاج صاعق قائلاً: "الشر والعبقرية لا يجتمعان".
لقد دفعتني هذه العبارة إلى أن أحمل النص، في حقيبتي لسنوات، عاقداً العزم أن أترجمه، وهكذا ترون إنّ كلمة واحدة، أو عبارة أو حالة تكون حافزاً لترجمة نص.
- أتوجد ترجمات أدبية أخرى لكم؟
** قمت بترجمة ونشر كتاب عن ثورة أكتوبر عام /1917/ في "روسيا" و "من القصائد الأخيرة" لـ"رسول حمزاتوف" وكتاب "ستالين ـ حقائق وأكاذيب"، فضلاً عن عشرات المقالات والبحوث الفكرية والسياسية والأدبية.
- في رواية "خزامى" تحدثت عن أصالة المكان وعن المشاعر الذكورية، فلماذا هذا التمازج؟
** تتضمن الرواية أمكنة واقعية وأمكنة متخيلة لها فضاؤها المتميز، وتفرض بعض الأمكنة الواقعية نفسها بفضل طاقة مخزنة في وعي الكاتب ونابعة من عناصر قوة المكان، لتفيض بشكل عفوي وتلقائي عند الكتابة بفعل تلك الطاقة، وعرفاناً بميزات ذلك المكان، فضلاً عن ضرورتها لخلق الفضاء الروائي، ولإثارة الخيال... وتتجاور الأمكنة المتخيلة مع الأمكنة الواقعية لخلق فضاء أحداث وبنية العمل الفني، وقد تنبع أصالة المكان من تأثر الإنسان به وتأثيره فيه، أي تفاعلهما معاً، ليصبحا عنصرين مترابطين.
وبالعموم لا أعتقد أني قصدت تقديم المشاعر الذكورية، فأنا مع الرأي القائل: إنّ الذكر والأنثى وجهان لعملة واحدة، لا وجود ولا أهمية لأحدهما من غير الآخر، وكلاهما ضروري للآخر، إنما حينما نكتب لا نستطيع تجاهل ما تعانيه الأنثى.
- في رواية "خزامى" الكثير من الصور، والأفكار، فهل هي من المخزون الثقافي لديك تحاكي به الواقع؟
** الأفكار من أهم ما في الكتابة، والكاتب ينقب عن الأفكار والصور كالمنقب عن الذهب، يغسل الكثير من أطنان الطمي كي يحصل على غرامات نادرة من الذهب الصافي.
أما الصور فهي لا تنفصل عن الموضوع الذي ينسجه الخيال والتخييل والموضوع يتطلب، فضلاً عن الصور البيانية، صوراً ذات بعد ذهني، تسبر أغوار الآخر، وهموم الإنسان وعلاقاته وأخلاقه وحقوقه الإنسانية، وما يمكن تقديمه من أسئلة معرفية عن الإنسان الذي يبقى محور ومحرك الفضاء الروائي، لتقوم الرواية بدورها في إثارة الأسئلة لسبر الواقع، وطرح أسئلة تغييره باتجاه القيم الإنسانية السامية، ومما لا شك فيه أن الكاتب ينهل من المخزون الثقافي المتراكم في وعيه عبر حياته.
- لماذا استخدمت في بداية الرواية كثير من الألفاظ غير الريفية ضمن سياق الحديث عن الريف، هل لتكون مدخل للواقع والرسالة التي تجلت في متن الرواية؟
** الألفاظ لا تنفصل عن الموضوع، والألفاظ العربية الجزلة والفصيحة تغني الرواية وتسمو بها، وقد تكون محبّتي وعشقي للغة العربية جعلت مستوى بعض الألفاظ يبدو عالياً، كما أنّ للريف جمالياته المميزة، فضلاً عن أنّه جزء لا يتجزأ من الرواية، فقد يتأفف بعض الكتاب إن وصف أدبهم بأدب الريف، علماً بأنّ النقاد الروس يعلنون بفخر أن أهم صنوف الأدب الروسي هو أدب الريف، ويتغنون به.
- لم تخل مؤلفاتك من انعكاسات الأدب الروسي، لماذا؟
** من أهم ميزات الأدب الروسي جاذبيته لكل أديب جاد تهمه قضايا شعبه والقضايا الإنسانية، فالعباقرة والمبدعين الروس "يبحثون حتى أقصى حد في الإبداع الفني عن سبل الحديث المباشر مع شعبهم"، تبين ترجمة الثقافة الروسية إلى العربية وجود نقاط مشتركة كثيرة بين الحضارتين، ويلعب تسليط الضوء على هذه النقاط دوراً مهماً في تعزيز العلاقات بين شعوبنا؛ لتقوم الصداقة ليس على المصالح المادية فقط، بل على أسس روحية عميقة.
- ضمن كتاباتك نرى محاولة لكسر بعض القيود وتخطي بعض العادات، فما الهدف، وكيف يتجلى ذلك لديك عملياً؟
** النقد والنظرة النقدية عماد منهجي في التفكير، لقد رافق الرفض والتمرد والمعارضة المبدعين منذ الأزل، فالتمرد جزء من طبيعة الإنسان، يدفعه إلى التفكير، والتطور، والتجديد، والإبداع، والمعارضة ليست مخالفة المألوف الأخلاقي أو استخدام الألفاظ النابية، والبذيئة، بل هي تأكيد على قيم الخير، والفضيلة والجمال، ومناوأة كل ما هو فاسد متسلط استبدادي، وتعنت سياسي قبيح، ويتجلى ذلك في مجمل أعمالي، ومنهجي في الحياة.
- عم يبحث الكاتب "شاهر" في الكتابة إن لم يكن يبحث عن نفسه؟
** الكتابة اكتشاف الذات، صعود إلى السماء، حديث مع النفس، رفض لواقع جامد معيق للتطور، ورغبة في التغيير... والكتابة توق للحرية، والمحبّة، وممارستها، أو تأييد لفكرة... الكتابة تنفس هواء عليل نظيف في أجواء ضاغطة مكفهرة فاسدة...
وإذا أردتم جواباً مباشراً على سؤالكم، أقول: إنني في كتاباتي أبحث عن الآخر، وسبر الواقع للبحث عن الجمال، والمحبّة، والحرية، والكرامة، وعن أسباب وصولنا إلى طريق مسدود، وطرح أسئلة لتغييره... ولعلّك تجدني في الآخر.
- نرى لديك طريقة مختلفة للانتقال بين الصور السردية، فكيف يتجلى هذا في كتاباتك بشكل عام، وما السر فيها؟
** السرد مكون أصيل للنص الروائي، فهو ينظم الأحداث وتفاعل الشخصيات في الفضاء الروائي، فالسرد هو الرابطة أو ما يسمى في علم الهندسة "المونة" الذي يوحد ويلون الفضاء الروائي، ويصوغ العالم الذي يتحدث الكاتب عنه، ويمكن أن تتنوع أساليب السرد في العمل نفسه، وفي هذا السياق تجدني أوافق الرأي النقدي الذي يرى أن دراسة الأسلوب، هي التي تحدد اتجاه الكاتب، وقيمته الأدبية؛ لأن نجاح العمل كوحدة فنية متكاملة، يعود أساساً إلى أسلوب الكاتب ذاته، حيث ينبغي عليه من أجل تميزه ونجاحه أن يكون متمكناً من التحكم بلغته، والغوص في بواطنها.
- مما يتشكل العالم الذي تحلم به؟
** العالم الذي أحلم به، عالم تعمه المحبّة، والتقدم والسلام، بلا عنف، ولا حروب، ولا اضطهاد، أو استغلال، عالم الإنسان الحر عندما يعيش براءته، وتكتمل إنسانيته، مستعملاً أرقى أنواع التكنولوجيا في بيئة خالية من كل تشوه، وتلوث، وفساد.
- أحياناً نرى انتقالاً مفاجئاً بين الصور التعبيرية، ألا تعتقد أن هذا يضعف ارتباط القارئ بالنص؟
** القارئ، هو صاحب الحق في الحكم على النص الذي يقرأه، إنني لا أشعر بكامل الرضى عن أي عمل من أعمالي، ولا أشك لحظة بأهمية النظرة النقدية إليها، وأفضل أن يحكم القارئ على أعمالي بدلاً من حديثي عنها.
- لقد حاولت تقديم كتب علمية ضمن اختصاصك الهندسي عبر الترجمة، فلماذا هذه الخطوة، وهل كانت موفقة؟
** أخبرتكم أنني كنت أشعر في العمل المهني الهندسي الوظيفي ومع تفشي الفساد أنني محاصر دائماً، فكان جوابي على الحصار، والفشل السياسي مزيداً من العمل، وازدادت رغبتي في تقديم كل ما أراه مفيداً للناس، ووجدت أنّ العمل والأدب مُتنفس يمنحني القوة ويساهم في فك أسري، وبعد فصلي من العمل عام /1986/ بشكل تعسفي، وبعد مساعدة المرحومين "محمود عيسى" و"دانيال نعمة" لي في الحصول على فرصة عمل في "مؤسسة المياه"، أصدرت كتاب "الهندسة الصحية بين النظرية والتطبيق" ليكون عوناً لي ولزملائي في عملي الجديد، ثم تعرفت إلى بعض الخبراء الروس الذين كانوا يعملون في مشاريع بناء السدود والسكك الحديدية في بلادنا، ورأيت ضرورة ترجمة المراجع التي يعتمدونها، فترجمت "الكود الروسي" في الهندسة المدنية، وأصدرته تحت عنوان "تصميم المنشآت البيتونية المسلحة"، ثم أصدرت كتاب "تصميم الأبنية العالية على أحمال الزلازل" بالتعاون مع فرع "طرطوس لنقابة المهندسين".
- لماذا اخترت شخصية "عبد المعين الملوحي" هذه السنديانة العملاقة، وما الذي استهواك فيها؟
** أوصلتني الأزمة التي عانيت منها بعد وصولي إلى طريق مسدود سياسياً، ودفعني ابتعادي عن العمل التنظيمي في "الحزب الشيوعي السوري" عام /1992/، إلى البحث عن شيخ وقور ذي تجربة يحكم على موقفي إن كنت صائباً أم لا، وكان "عبد المعين الملوحي" ملاذي، فهو ثروة وطنية حقيقية لم ينل حقه، فرأيت أن أصدر كتاباً عن حياته الغنية، تحت عنوان "عبد المعين الملوحي ـ أمير شعراء الرثاء" الذي قدم له المفكر "هادي العلوي"، وأسماه "زيتونة الشام"، وكان لي شرف كتابة مقدمة كتابه "بيتي في فلسطين"، ثم اطلعت على المجلدات الشعرية الغنية التي أبدعها "الملوحي"، ولم تنشر، فأصدرت في عام /2002/ كتاب "الأصالة والإبداع في شعر عبد المعين الملوحي"، وحاولت جاهداً أن ننشر أعماله الشعرية الكاملة والبالغة /700/ صفحة من القطع الكبير إبان حياته، ولم نوفق، ويحز في نفسي أنّها لم تنشر بعد، وتخسر المكتبة العربية كنزاً نفيساً لا يقدر بثمن، فالميزات التي تستهوي الكاتب في مؤلفات "الملوحي" لا تحصى، نظراً لشمولية كتاباته الشعرية والأدبية والنقدية وترجماتها التي بلغ عدد ما نشر منها ست وتسعون كتاباً، فضلاً عن عشرات المخطوطات التي بقيت في أدراج مكتبته ولم تنشر.
- هل تعتقد أن الأعمال الإبداعية ليست محض خيال؟
** الخيال ضروري للتفكير الإبداعي، لتوليد الأفكار الجديدة، وتترافق عملية التفكير مع فهم، وتحليل الواقع الموضوعي، والمقدرة على استخدام المعلومات التي تراكمها البشرية في الحياة العملية. فالخيال، والتفكير الناقد ضروريان للوصول إلى الحكم الصحيح.
- كيف تعمل على ابتكار الأفكار التي يجب العمل عليها، وما هي المعايير المرافقة؟
** يرى أغلب النقاد أنّ أهم عوامل التفكير الإبداعي العمل الدؤوب، والمقدرة على إنتاج الأفكار الإبداعية، وتعديلها، والمرونة، وتغيير اتجاه التفكير حينما تقتضي الضرورة، والحساسية لكل ما هو محيط، والأصالة، وعدم تكرار أفكار الآخرين، وما هو تقليدي، وأنا أجهد للاطلاع على جميع المدارس الفنية، والاستفادة منها بالتحرر من قيودها، وأحاول أن أكون حراً في تفكيري، وأقيس حريتي بقدر ما أستطيع تقديمه لإثراء إنسانية وحرية الإنسان، وإذ أقول الإنسان، أعني بالدرجة الأولى ابن وطني الذي يقاسمني حياتي اليومية، ومن ثم الإنسانية جمعاء، وحينما أكتب أضع هذه المهارات جميعها نصب عيني.
* ماذا قدمت للأدب السوري؟
** لا أعتقد أنني مخول الإجابة عن هذا السؤال، هاجسي الأساسي من إصدار كتبي هو الشعور الحقيقي بالواجب تجاه الإنسان عامة، فمعرفتي وعلمي هي حصيلة ما قدمته الإنسانية، ومن واجبي أن أرد بعض ما قدم إلي، فكثيراً من تراودني فكرة عندما أتناول وجبة طعام؛ مفادها أنّ البشرية بذلت جهوداً كبيرة حتى وصلت هذه الوجبة إلى متناول يدي، فهي تتضمن جهد العلماء، والفنيين، والفلاحين، وممولي المشاريع الزراعية، والعمال، والتجار وغيرهم، فهل أنا قمت بجهد يوازي الجهد الذي بُذل كي تصل هذه الوجبة إليّ لأتناولها؟ إن كانت جهودي تعادل ما بُذل في وجبة طعامي، فأنا أستحق طعامي.
أحد الأسئلة التي أطرحها على نفسي عندما أكتب هي: هل أحبت الشخصية الوطن، والحياة، والإنسان، والحرية حتى النهاية؟ هل صانت المحبّة: عبق وسرّ إنسانية الإنسان؟ هل استطاعت أن تحفز مثل هذه المشاعر عند المتلقي؟ هل لامست القلب، وحفزت العقل؟ هل استطاعت أن تقبض على جوهر قوة وإنسانية الإنسان؟ هل قدمت أسئلة مفيدة لسبر الواقع، وتغييره؟!.
وفي لقاء مع الأديب "عبد اللطيف محرز" حدثنا عن الخط الأدبي للأديب "شاهر" حيث قال: «قرأت للأديب "شاهر" كتابان الأول عن الأديب "عبد المعين الملوحي" والثاني رواية "خزامى"، فوجدت في الأول الحب الكبير لشخصية الأستاذ "الملوحي" وفكره، والتشبع بهذا الفكر والعمل به حتى بعد أن غير "الملوحي" خط رحلته الأدبية، أما في الثاني فقرأت فيه فكراً تقدمياً يعارض الخطأ والفساد والرجعية كما أوضحها في هذا الديوان».
يشار إلى أن الأديب "شاهر نصر" من مواليد قرية "الصفصافة" عام /1956/ حصل على الهندسة المدنية من جامعة "الصداقة" في "موسكو" عام /1981/ وعضو الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، وعضو اتحاد الكتاب العرب، وله اصدارات متعددة منها "الدولة والمجتمع المدني" و"بحوث في الاقتصاد السياسي" و"قدس الأقداس" و"خزامى".