صفاقة العقل العراقي الاتباعي/7


عبدالامير الركابي
2024 / 2 / 26 - 14:52     

بالمطابقة بين ماهو مفتر ض وموكول الى العقل الرافديني من مهمة كونية، اصبحت بعد طول انتظار راهنه وواجبه ملحه، وقد توفرت اسبابها، وموجبات تحققها المتعذر قبل اليوم، وبين ماهو حاصل من اتباعية خضوعية للغلبة البرانيه الغربيه، وللمفهوم الغربي للمسالة الالية، بالضد من الذات والكينونه التاريخيه، قد يمكن التعرف على مدى انحطاطية ماهو منسوب الى العقل العراقي في الحاضر، وابان الطور البراني الالي من تاريخ تشكل الدورة الثالثة من تاريخ المكان الكوني التاريخي لمابين النهرين.
ويتفاقم تهافت هذا العقل ومنتجه الاسقاطي المنهار، والخارج من نطاق الفعل العقلي، حين نعرف بان العصر المعروف بالالي، والانقلاب المواكب للالة وظهورها، محكوم لحقبتين ونوعين من الادراكية، ارضوي هو الاوربي ابتداء، ولا ارضوي رافديني يواكب، لابل يسبق ظهور الالى تشكلا في دورة ثالثة هي المستمرة هنا منذ القرن السادس عشر، مايفرض بناء عليه انغماسا آليا احاديا ارضويا انتاجويا يكرس "التقدم" الحاجاتي الانتاجوي الجسدي، الموافق للكينونه الارضوية، مع مايرافقه ويتولد عن عميق تناقضاته، من مسارات الاختلال التسلطية والعنفية، والحروب التي لاتتوقف، وتخريب علاقة الكائن البشري ببيئته، والذهاب لوضع البشرية على حافة الافناء بالسلاح التدميري الشامل، تحت غطاء مايعرف بالديمقراطية والاشتراكية، والدول المدنيه، وصولا الى الرسالية الابادية الزائفة الامريكيه، مع الغفلة والجهل المطبق المرافق للمسار الانف الذكر، ادراكا لمنطويات الانقلاب الحاصل الفعلية ومالاتها، والى اين متجهه بالفعل.
ويشمل هذا القصور واقع المجتمعية والالة معا، فلا ينتبه الغرب "الحداثي" الناهض للانقلابية المجتمعية البيئية اليدوية التي ظلت سارية على مدى قرون منذ تبلورها، مع دلالة ان يتحول الواقع الدينامي المجتمعي من فعل ( الكائن البشري/البيئة)، الى (مجتمعية البيئية التاريخيه + الالة) العنصر البراني المغاير طبيعة للمجتمعية الاولى، وماينشأمن اصطراع بينهما يحفزه الميل الحاجاتي المصلحي الى التدخل التحويري عن طريق استغلال الالة في تحوير البنية التاريخيه، الامر الذي صار ممكنا بحكم فعالية الحضور الالي مجتمعيا، منذ انبجاس الالة، لندخل من يومها حالة اصطراع تدميري، واصطراعية مجتمعية آليه غير مسبوقه، اليها يعود مسار ونتائج العملية التاريخيه المستجدة، قبل ان تستقر عند منحنى آخر، هو اللاارضوي المتشكل اليوم بالتوازي مع قيام الاصطراعية الالية المجتمعية.
والنقيصة الارضوية العقلية الراهنه، هي تلك التي تصر على نكران نوع الانقلابية الالية المجتمعية، والابقاء عليها على ماكانت، وسبق لها ان كانت عليه ابان الطور اليدوي، من دون ان تلحظ القفزة النوعيه الانقلابية في بنية المجتمعية، وماقد طرا عليها من تحول انقلابي نوعي، من شانه فرض التمييز بين طورين ونوعين من المجتمعية، الى ماقبل ومابعد آلية، وهو مايشمل الديناميات واشكال الصيرورة، وجملة مناحي الحياة والوجود ومساراته المستجدة، ومن هنا وحكما، فان اجمالي النظر الى الوجود ووجهته، يصاب بناء على القصورية الادراكية بحالة من التفارقية فوق العادية، وفي حين تصور متبقيات المنظور الارضوي الانقلاب الالي، على انه جوهرا انتقالة نوعية "تقدمية"، وقفزة الى الامام بحكم الملموس من تسارعية في الامكانات وفي الديناميات المجتمعية، يغيب من النظر اي تدقيق او مواكبه فعلية للحقيقة الالية، ومترتباتها الافنائية للمجتمعية الارضوية الحاجاتيه، في وقت تستبعد حكما، وفي الوقت ذاته، الاحتمالية المجتمعية المغفلة، والتي غدت اليوم ومع الالة، هي النموذج المقصد المتوافق مع الحقيقة المجتمعية بصيغتها النهائية.
ويظل الاشكال لابل المعضل الاكبر هنا يتاتى من حالة القصور العقلي بازاء الظاهرة المجتمعية، ومايترتب عليه من عجز عن ادراك الازدواج المجتمعي ( الارضوي/ اللاارضوي) الاساسي، والبنيوي الكوني، موافق الازدواج الذاتي البشري ( عقل/ جسد)، والازدواج الكوني ( كون مرئي / واخر لامرئي)، وهو امتحان يظل الكائن البشري ادنى قدرة على الاحاطة العقلية به ومقاربته، دلالة على كون الكائن المذكور مازال في الطور "الانسايواني"، الانتقالي بين "الحيوان"، و "الانسان"، بانتظار عبور قرون التفاعلية المجتمعية اليدوية الطويلة، حين يحصل مع الالة اخيرا، الانتقال لاشتراطات التحول الى الطور النهائي من "الانسايوانيه".
يعني ذلك ان الانقلاب الالي يشترط قبل اكتماله، انقلابا فوق استثنائي كوني على مستوى الادراكية مقارب للتاسيسية، تجاوزا لما قد ظل ينقصها، وقصرت عنه ابتداء، بحكم غلبة الارضوية الابتدائية الموضوعية، ومحدودية مامتوفر من الاسباب للارضوية في حينه على مستوى التحقق، اي ان الانقلاب الآلي يظل وعيا من الماضي، محكوما للنظر التبسيطي الاولى المباشر والايهامي الاوربي، الى ان تتهيأ اسباب وموجبات الانقلابية العقلية التحولية العظمى الازدواجية اللاارضوية.
لنتخيل الفارق، او المسافة الفاصلة بين الواجب والمقرر المفترض الوفاء به واداءه عقليا، من لدن ارض مابين النهرين، وهي تقارب اشتراطات صياغة واماطة اللثام عن المطوي الغائب عن العقل من البدئية الاولي، بما يعني الاضطلاع بالبدئية الثانيه المؤجلة، وقد غدت اليوم واجبه مع المجتمعية المستجدة مابعد اليدوية. وهنا يصير مؤكدا ان المقارنه بين المتردي الانحطاطي الاتباعي الحاصل تفكرا حتى اليوم قياسا للمطلوب، مما لايمكن قياسه، والاهم قياس مترتباته واثاره، لا على العراق تحديدا، بل على مستوى المعمورة، وما قد غدت في امس الحاجة اليه، في وقت تصبح فيه المفارقة المطردة المتعاظمه بين الواقع والمنظور السكوني الارضوي المعتمد، اقرب الى المسار المنطوي على مخاطر فائقة للمتخيل، قد تصل حد التهيئة للفنائية البشرية.
ـ يتبع ـ