النضال في سبيل تحرير الانسانية


خالد بطراوي
2024 / 2 / 24 - 13:55     

بالنسبة للشعوب التي تشكل دوما حطب الحروب أو العدوان فهي تعتبر أن لا رابح بهذه الحروب. لكن ذلك ليس هو الحال بالنسبة للسياسيين والعسكريين والقادة الذين لا يهمهم عدد الضحايا والدمار بذلك القدر الذي يهمهم أن يظهروا أمام وسائل الآعلام بوصفهم "أبطال" ومدّعي النصر المترحمين على الضحايا مؤكدين على جاهزيتهم للاهتمام بالجرحى والمعاقين والأسرى والمعتقلين وتكفلهم بالأيتام وأسر الشهداء وجاهزيتهم للإعمار وإعادة الحياة الى أفضل مما كانت عليه قبل الحرب أو العدوان، ومع مرور الزمن يتضح زيف هذه الوعودات.
في حقيقة الأمر، أن لا رابح في الحروب، رغم أن جهة ما قد تتفوق عسكريا على جهة أخرى وتفرض شروطها أثناء التفاوض، لكن هذه الجهة "المنتصرة" قد فقدت هي أيضا من أبناء جلدتها من فقدت.
بعد الحرب العالمية الثانية التي دحر فيها الإتحاد السوفياتي ألمانيا النازية لم تحصل أية حروب إنتصرت فيها جهة على أخرى بذات مذاق إنتصار الإتحاد السوفياتي على النازية الهتلرية، ذلك الإنتصار الذي كان مصيريا للبشرية جمعاء، ومع ذلك فقد ضحّى ما يزيد عن العشرين مليون عسكري ومدني من أبناء الإتحاد السوفياتي بحياتهم في سبيل هذا الهدف السامي ألا وهو تخليص البشرية من النازية.
إن المقولات والتصريحات التي تصدر عن هذا أو ذاك التي تستحضر التاريخ للنعي بالقول أن التحرر والانعتاق لا يتأتيان إلا بالتضحية بالآرواح والممتلكات وتدلل على ذلك بثورة الجزائر التحررية أو غيرها هو أمر صحيح لكن ليس بشكل مطلق، حيث يجب أن نرى الظروف الذاتية والموضوعية لكل حالة حركة تحرر وإختيار الظرف المناسب لإنجاز مهام التحرر الوطني.
وعلى سبيل المثال، فقد لّخّص مواطن من قطاع غزّة ظهر على وسائل التواصل الإجتماعي بكلمات معدوادت جوهر الصراع في المنطقة، بالقول أن " وأن ما يحرر الشعوب هو التوزيع العادل لمقدرات وثروات هذا الكون على أهل هذه المعمورة"، وهو بذلك يعيد كل النازعات في العالم الى أصولها المتمثلة بالصراع الطبقي بين الرأسمالية (وأعلى مراحلها الإمبريالية) والجماهير ( طبقة العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة).
ذلك لا يعني البته، عدم السير قدما نحو تحرير البلاد والمقدسات، ولا يعني الإستكانة والخنوع، ولا يعني التقليل من أي فعل مقاوم، ولا يعني أيضا توجيه الملامة أو الإتهام أو التقريع لهذا أو ذاك، وأنما التوجه لرؤية حركات التحرر في هذا البلد أو ذاك أولا بسياقها الذاتي والموضوعي، وثانيا بعلاقاتها مع حركات التحرر العالمية، وثالثا بدراستها المعمقة للظروف الدولية والإقليمية والذاتية، ورابعا، وفقا لذلك كله ببلورة أستراتيجيتها للتحرر وتكتيكها لإنجاز هذه الأهداف الأستراتيجية، وخامسا، بدراستها المعمقة لكل فعل مقاوم وإستخلاص العبر والنتائج، وسادسا بتنقلها السلس من هذا الشكل النضالي الى ذاك بين الفينة والأخرى وفقا لمعطيات الواقع.
في الفعل الثوري وبضمنه إمتشاق السلاح، فإن الف باء هذا الفعل يفضي الى ثلاثة مسائل، أن يكون هذا الفعل مدروسا بعناية وبشكل مسبق ليراكم على الإنجازات السابقة المتحققة لا أن يعيد القضية النضالية الى الوراء، وأن يكون هناك خطة لكيفية الخروج من المعركة وليس فقط الدخول إليها، وأن يكون هذا الفعل حاميا لآبناء الشعب ويجنبهم الويلات والضحايا والدمار.
اما إذا جرى الإخلال بذلك كله أو بعضه، فإن النتائج ستكون كارثية ولن تخدم قضية النضال الوطني التحرري بل تعيده الى الوراء.
أنا هنا أتحدث عن الإطار العام الذي من المفترض أن يكون محركا لأي فعل ثوري مقاوم من أي حركة تحرر وطني، ولنا في تجارب الدول والشعوب ما يكفي من العبر.
يجب وبالضرورة قبل كل شيء أن ترى حركات التحرر الوطني نفسها في سياق النضال الطبقي وأستذكر هنا مقولة الكاتب الفذ نيقولاي أستروفسكي في مقدمة روايته "كيف سقينا الفولاذ" حيث قال " الحياة أعز شيء للإنسان إنها توهب له مرة واحد، ويجب أن يعيشها عيشة لا يشعر معها بندم معذب على السنين التي عاشها، ولا يلسعه العار على ماض رذل تافه، وليستطع أن يقول وهو يحتضر "كانت كل حياتي، بكل قواي موهوبة لأروع شيء في العالم، وهو النضال في سبيل تحرير الإنسانية".
ومن هنا، إذا رأى قادة العمل الوطني لحركة التحرر التي يقودونها جزء لا يتجزأ من النضال العالمي في سبيل تحرير الانسانية جمعاء وليس أداة طيعة لهذه الدولة أو تلك، أو رهنا بالتجاذبات الدولية والإقليمية والتوازنات، فإن حركة التحرر الوطني في ذلك البلد تكون على الطريق الصحيح لإنجاز مهامها.