عن أحمد سعيد والصحاف ومن في حكمهم


خالد بطراوي
2024 / 2 / 23 - 12:43     

هل تذكرون أيها الأحبة العراقي محمد سعيد الصحاف؟
لم أكن يوما من الأيام، مقتنعا بأن يكون هناك وزارة للإعلام، إذ أنني أرى أن السلطة الرابعة ( وهي السلطة الإعلامية) يجب أن تكون حرّة ومستقلة ويدها مطلقة لنقل الحقيقة، بدلا من فبركتها أو محاباتها للباب العالي.
أما في العراق الشقيق، في عهد الرئيس العراقي صدام حسين، فقد أضحى محمد سعيد الصحاف وزيرا للخارجية والإعلام وهو الذي كنا نراه في أكثر من مرة يوميا على شاشة الفضائيات مرتديا بزته العسكرية إبان الغزو والإحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003.
كان الصحاف المتمكن من ناصية اللغة العربية والخريج الجامعي باللغة الانكليزية قد أثلج صدورنا بكلمة " العلوج" عند وصفه مرتزقة الجيش الأمريكي.
كنا ننتظر المؤتمرات الصحفية للصحاف، كنا نطرب أيما طرب لمصطلح "العلوج" وكنا ننتظر أن يردده، وكانت حناجرنا تصدح تكبيرا " الله أكبر ... الله أكبر " كلما رأينا الصحاف يتجول في شوارع بغداد وكاميرات الفضائيات ترصده، بل وهتفنا " يا صدام با حبيب ... أضرب حيفا وتل أبيب".
وعندما وضعت حرب أمريكا على العراق أوزارها ، بالهزيمة المدوية لنظام البعث العربي الإشتراكي / القطر العراقي، وشاهدنا جماهير الشعب العراقي وهي تدوس بأقدامها صورة الرئيس صدام حسين، وتدّمر تمثاله وتلاحق رموز النظام أصبنا بالإحباط وشعرنا بالمرارة، وبلغت عملية إذلالنا كعرب مبلغها، عندما أصدر الجيش الأمريكي أوراق كوتشينته ( أي كروت لعبة الشدّة) وبها صور وأسماء رموز النظام المطلوبين له، لنكتشف أن محمد سعيد الصحاف لم يكن من بينهم، بل على العكس، قام هذا المرتدي البزة العسكرية بتسليم نفسه للقوات الأمريكية الغازية وجرى إطلاق سراحه فورا، ونقلته طائرة خاصة الى الإمارات العربية المتحدة حيث توفي هناك.
أما أنا وأبناء جيلي، فقد عشنا سنوات إذاعة " صوت العرب " من القاهرة ونذكر المذيع المصري أحمد سعيد الذي ترأس إذاعة "صوت العرب من القاهرة" إبان حقبة الرئيس جمال عبد الناصر وإشتهر في خمسينات وستينات القرن المنصرم، وقدّم إستقالته من الإذاعة بعد أشهر من إنتهاء حرب الأيام الستة في حزيران عام 1967 عندما صبّت الجماهير العربية عامة والمصرية خالصة جام غضبها عليه لكثرة أكاذيبه حول الانتصارات الوهمية للجيوش العربية بعد أن بسط جيش الإحتلال الإسرائيلي -وفي ستة أيام- سيطرته على الضفة الغربية وقطاع غزة مستكملا بذلك إحتلال الكل الفلسطيني بالإضافة الى هضبة الجولان وبعض أجزاء من صحراء سيناء.
أذكر في طفولتي أوائل ستينات القرن المنصرم، أن والدي – رحمه الله – كان يدخل الى الوحدة الصحية ( أجلكم الله ) ومعه الراديو ليستمع الى إذاعة صوت العرب من القاهرة والأخبار الواردة منها، وعندما كنا نستفسر منه لماذا يفعل ذلك، كانت إجابته أن الوحدة الصحية هي المكان الأكثر أمنا من "عسس النظام" الذي كان يلاحق كل من يستمع الى إذاعة صوت العرب، حيث كان العسس يتربصون ويسترقون السمع قرب نوافذ المنازل وكانت الوحدة الصحية لدينا ( في الشقة التي إستأجرها بعدنا الكاتب المرحوم خليل السواحري بمدينة البيرة ) من دون نوافذ حيث كانت تقع أسفل منسوب القطع الصخري ( حيث الشارع).
وتوالت الإنتصارات الوهمية التي أعلنها أحمد سعيد عبر إذاعة صوت العرب والبيانات العسكرية التي كانت تبدأ بعبارته الشهيرة " جاءنا ما يلي" أو " جاءنا البيان التالي " على أنغام المارشات العسكرية والتي يعلن من خلالها عن إسقاط هذا الكم الهائل من الطائرات العسكرية الإسرائيلية في حزيران عام 1967 ( أذكر في إحدى النشرات رقم 72 طائرة) وتحرير هذا الجزء أو ذاك من الوطن السليب ( وبضمن ذلك تحرير تل الربيع أي تل أبيب) الى أن أعلن أحمد سعيد عن إنتصار الجيوش العربية ... لكننا في حقيقة الأمر ، شاهدنا أول دبابة إسرائيلية قصفت شقتنا السكنية والشقق الملاصقة لها في السابع من حزيران عام 1967 وكادت شظية أن تودي بحياة والدتي ومع ذلك كانت الأناشيد والمارشات العسكرية تصدح في إذاعة "صوت العرب من القاهرة" بل وكان هناك أغنية لا أذكرها لكن مفادها أننا " في البحر راح نرميهم".
وعندما سرنا في أحد شوارع مدينة البيرة والدى وشقيقتي وأنا وشهدنا لأول مرة في حياتنا جنديا إسرائيليا ترجل من دورية عسكرية بل وإبتسم لنا ( متشفيا)، قالت شقيقتي لوالدي " بابا ... هذا يهودي" فلما أجابها قائلا "نعم" أردفت شقيقتي قائلة " غريب ما إلو ذنب" ( أي ذيل) فقد قيل لنا في صغرنا أن " لكل يهودي ذيل".
إستقال أحمد سعيد ... وكبرنا ... وظهر أكثر من شبيه لأحمد سعيد ... إبان حرب عام 1973 ( حرب العبور) وأثناء حرب عام 1978 و 1980 في الجنوب اللبناني، وحصار بيروت عام 1982 وما تبعها من أحداث، وأذكر مشهد نزول الرئيس المصري أنور السادات من الطائرة عند "زيارته كيان الاحتلال" عام 1977 وهذا الكم من أشباه أحمد سعيد الذي سحجوا لزيارة التطبيع هذه، حتى ظهر أحمد سعيد جديد بصورة العراقي محمد سعيد الصحاف عام 2003.
جميعهم "زلم مرحلة" ... ما قبل أحمد سعيد ... وما بعده .. مرورا بالصحاف وكثيرين غيره ... تاريخ مليء بالكذب وقلب للحقائق وتخدير للشعوب ... ولنردد معا أغنية اللبناني مارسيل خليفة "توت توت ع بيروت".
توت ع بيروت
توت توت عا بيروت يا بيي خدني مشوار
شلحني حدك بالسرفيس واربطني ببكلة وزنار
قللي أستاذ الإنشاء قبل ساعة من الفكة
إنو جدي المير بشير كان بيستاهل دبكة
أستاذ التاريخ... فنجر عينه وقال
هيدا إللي ما شاف المتحف... جاهل وثرثار...

ووقفنا قدام باب المتحف عتمي وريحة عطن كتير
خفنا قلنا المتحف مهري عفنت دقن الأمير
فتنا على المتحف
على روس الأصابع بيِّ
يدفشني لقدام، وأنا قلبي طاير
والقصص بها القبور شي نازل شي طالع
هيدا تحتمس الثاني..... هيدا الملك اليوناني
هيدا هنيبعل الحامل هالقوس... ونشاب
ماشي خلفه يا ستار سراق ونصاب
فجأة ما دريت وحسيت إلا بقلبي فز وقام
تعربشت بركبة بيِّ أحسن ما أهوي لقدام
هيدا المير مكوم هون يقصف عمره خوفني
ما في لون جنس اللون شي نكزته الغبرة عبتني
في ملك فرنساوي مكوم فوق المير بشير
إتطلع فيِّ وجأرني يا دلي شو بدو يصير
فات الحارس طاير عقله صار يشدلي بأدني
صار المير يضحك له بالسكين ينكوزني
استاز التاريخ ياه ياه فرنساوي انت بتحكي
وينك هلق قرب شوف عربي، فرنساوي وتركي
إجو البوليسيِّ وجيوش وعسكر
من الجمهورية إجى الراس الأكبر
وزمامير ودق طبول وبيارق وبواريد
و يا بييِّ دور وروح على مدرستي العالية
قول لأستاذ الإنشاء يعلم رفقاتي هو
ويا طريق العدلية شوفي شو صاير فييِّ
كذبوا علينا بالتاريخ وطلعت الدبكة فيي
يا هال لبنان يا لوح الصف يا كتاب الخرائط، يادبكة ودف
درسنا تواريخ حفظنا تواريخ إجا التاريخ طعمانا كف
يا بلد المير يا هم كبير يا علم العيد علم على الرف
انطرينا انطرينا بيروت انطرينا
بأخبار جديدة بتلفك لف
يا متحف بلدي يا فاضي البال يا مير الكذبة إنبسط الكف
يا ها لبنان يا لوح الصف يا كتاب الخرائط، يا دبكة ودف
درسنا تواريخ حفظنا تواريخ إجا التاريخ طعمانا كف.

بعض المحللين من خلال بعض الفضائيات يكيلون لنا الكف تلو الآخر.