الصلة بين العنصرية والرأسمالية والاستعمار


فهد المضحكي
2024 / 2 / 17 - 11:30     

لا ينبغي لنا أن ننظر إلى العنصرية على أنها مسألة مشاعر أو رأي شخصي، بل على أنها نظام استغلالي عمره مئات السنين. لا يمكن إدراك المفهوم الحديث للعرق وما أصبح يعرف فيما بعد بالعنصرية إلا في سياق المشروع الاستعماري الأوروبي الموجود في جوهر المشروع الأكبر المسمى «بالتحضّر». للناشط الحقوقي الأمريكي جامو باراكا رأي نُشر بإحدى الجرائد التقدمية، يرى فيه عندما عرف الأشخاص الذين أصبحوا يعرفون في نهاية المطاف بالأوروبيين من «أوروبا» إلى ما أصبح «الأمريكيتين»، كان لقاؤهم مع الشعوب الأصلية في هذه المنطقة مستوحى بالفعل من الوعي العنصري، كما حلل المنظر الثوري الأسود العظيم سيدرك روبنسون.
ما يدعو التوقف عند الوعي العنصري، أن بهذا الوعي الذي جمع بين الميل نحو التجرد من الإنسانية على أساس العرق، وإطار ديني فظّ وغريب وعنيف يسمى «التدين الأوروبي»، انخرط البرابرة الأوربيون في هياج إبادة جماعية عبر هذه المنطقة والعديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء العالم. ومع السرقة الوحشية للأراضي من السكان الأصليين، إلى جانب إجبارهم على العمل القسري، وممارسة الوحشية التي أدت إلى استعباد ملايين العبيد الأفارقة، تم إنشاء القاعدة المادية التي تُرجمت إلى إمبراطورية عنصرية شاسعة - يشار إليها اليوم باسم «الغرب الجماعي».
وكما ذكر عالم الاجتماع اللاتيني انيبال كويغانو بوضوح، «إن فكرة العرق بمعناها الحديث ليس لها تاريخ معروف قبل استعمار أمريكا. وفي أمريكا، كانت فكرة العرق وسيلة لإضفاء الشرعية على علاقات الهيمنة التي فرضها الغزو».
بعد استعمار أمريكا وتوسيع الاستعمار الأوروبي إلى بقية العالم، اجتاح الدستور الأخلاقي اللاحق لأوروبا كهوية جديدة إلى تطوير نفسه ليتمحور حول ما بات يعرف باسم «المنظور الأوروبي للمعرفة» Eurocentric Knowledge of Perspective. «وهو منظور نظري حول فكرة العرق التي تهدف إلى تطبيع الاستعمار، وتحديد شكل العلاقات بين الأوروبيين وغير الأوروبيين».
لذا فإن الأمر، على حد تعبير باركا، لا يرتبط في التركيز على ما يدور في ذهن أي شخص فيما يتعلق بالعرق - ولا ينبغي لنا أن نهتم بما إذا كان الأشخاص البيض يحبونا أم لا، فالمهم هو بناء القدرة على تحرير أنفسنا وتطويرها، وهي المهمة الأكبر، فهي تعني تفكيك النظام الأبوي الاستعماري الرأسمالي للعنصر الأبيض، وبناء قدرتنا على حكم وتطوير وتحويل أنفسنا - إنه بالفعل مشروع حياة لأنفسنا وللأرض الأم والذي تنبثق منه كل الأشياء.
وهنا، يقدّم مثالًا ملموسًا ومعاصرًا عن كيفية تشابك العرق والمشروع الاستعماري بشكل جوهري وهو الإعتداء الوحشي على الفلسطينيين الذي يقوم به المستوطنون في «إسرائيل». كانت آلقوة الدافعة للمشروع الاستعماري الاستيطاني الذي يعرف اليوم باسم «إسرائيل» هي اليهود الأوروبيين غير المتدينين، ومعظمهم من أوروبا الشرقية، الذين كانوا بيدقًا في يد المستعمر الغربي، البريطاني أولًا ثم الأمريكي، لفرض وترسيخ دولة التفوق اليهودي كاملة. إنه مشروع مع قوانين وممارسات الفصل العنصري، حيث يجد ملايين الفلسطينيين الذين أداروا تلك الأرض تاريخيًا، أنفسهم عرضة لأبشع مظاهر الفاشية في العالم اليوم. إن حقوقهم الديمقراطية والإنسانية، فضلًا عن حقهم في تقرير المصير، يتم تجاهلها بالكامل، بل إن ثمن حق حقوق الإنسان - هو الحق في آلحياة - لايعترف به لهم المستوطنون الفاشيّون «الإسرائيليون» قط، ويتم انتهاكه بشكل منهجي أمام أعين العالم.
والسؤال الذي يجب طرحه هو: كيف أفلت المستوطنون اليهود الأوروبيون من وحشية الاحتلال وحتى تصوير أنفسهم كضحايا؟ من خلال العنصرية ضد الفلسطينيين باعتبارهم «الآخرين»، ما أشار إليه إدوارد سعيد بالاستشراق، وهو مشروع يجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم ويجعلهم تهديدًا ويبرر معاملتهم بوحشية، بما في ذلك مصادرة الحق في آلحياة نفسها. وعلى الرغم من أن الفلسطينيين هم الذين تم غزوهم وتهجيرهم واستعمارهم واحتلالهم، فإن الرواية الإسرائيلية صنفتهم على أنهم المعتدين، و«الإرهابيين» وتصنيفاتهم على أنها «طبيعية».
لقد تُرجمت هذه العنصرية التي جردت الفلسطينيين من إنسانيتهم إلى مذبحة قتل فيها آلاف الفلسطينيين من دون عقاب - وهذا هو سلوك المستعمرين العنصريين. وما هو الهدف من هذا العنف - السيطرة الكاملة والكلية، وهو الهدف الذي يوصل الفلسطينيين إلى ما أشار اليه فرانز فانون بـ«منطقة اللاوجود (الدائمة)».
إن حقيقة الارتباط بين العنصرية والإبادة الجماعية والاستعمار هي التي تعطي الأولوية للعناصر الهيكلية التي نسميها التفوق الأبيض وأيديولوجية التفوق الأبيض التي يمكن غرسها في ذهن أي شخص يخضع لها.
وبمقابل ذلك، يمكن للمرء أن يكون أكثر سوادًا من السود ويظل متعصبًا للبيض أيديولوجيًا. وهو ما يعرف باسم «التعبير الأيديولوجي والبنيوي المشترك عن القوة البيضاء». وفي تعبيرها الأيديولوجي، تفترض أن أحفاد الشعوب من المناطق التي يشار إليها الآن باسم أوروبا يمثلون أعلى المراتب في التنمية البشرية، وأن ثقافتهم ومؤسساتهم الاجتماعية ودينهم وأسلوب حياتهم متفوقة بطبيعتها وجوهرها. يتم دمج هذا الموقف مع ما يسمى بالهياكل والمؤسسات العالمية للتفوق الأبيض - التعبير الهيكلي. الوسائل المادية للحفاظ على القوة البيضاء العالمية وتعزيزها هي صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية، النظام المصرفي العالمي، الناتو، هيمنة الدولار، والجهاز الثقافي والأيديولوجي الرأسمالي العالمي، وسائل الإعلام وصناعة الترفيه والتكنولوجيا الكبرى وما إلى ذلك.
لا يمكن اختزال التفوق الأبيض في المواقف والقيم الفردية بين الأشخاص الذين تم تحديدهم على أنهم من البيض فقط. وبدلًا من ذلك ينبغي أن ينظر إلى العنصرية باعتبارها بنية هيمنة متجذرة أيديولوجيًا في كل جانب من جوانب المجتمع الأمريكي والأوروبي إلى الحد الذي أصبح فيه أمرًا طبيعيًا، وبالتالي غير مرئي باعتباره منطقًا عامًا. إن التفوق الأبيض أمر جوهري بالنسبة للنظام الأبوي الاستعماري/‏‏ الرأسمالي المتمركز أوروبيًا، الذي بدأ مع غزو ما أصبح «الأمريكيين» في عام 1492.
ما خلص إليه باراكا في رؤيته هذه، يجب أن لا يكون هناك أي لبس، ولا ميل ليبرالي للاعتقاد بأن المصنّفين أدنى في أي سياق استعماري، سوف يرضون تطلعاتهم الوطنية في تقرير المصير والعدالة والتنمية، دون تغيير جوهري مرتبط بتوازن القوى الذي سيؤدي إلى ذلك. هذا التغيير الجوهري واضح المعالم، وهو أخذ السلطة من البرجوازيات العالمية الغربية، ومن حلفائها البرجوازيين الكمبرادوريين على المستويات الوطنية ووضعها في يد جماهير الشعب على مستوى العالم. لن يكون هناك تحرير أو تنمية أو سلامة إقليمية طالما استمر النظام العالمي للنهب الرأسمالي الاستعماري في استخلاص القيمة وفرض العنف والبؤس على الإنسانية الجماعية. ولذلك، فإن هذا هو ضرورة عالمية للشعوب المضطهدة والمستعمرة.
بالإضافة إلى ذلك يقول: «عندما نفهم أن التفوق الأبيض ليس فقط ما يدور في رأس شخص ما، بل هو أيضًا هيكل عالمي للسلطة له تأثيرات مستمرة ومدمرة على شعوب العالم، فسوف نفهم بشكل أفضل لماذا البعض منا لديه قناعة تامة بأنه لكي يحيا العالم، يجب أن تموت السلطة الأبوية الاستعمارية /‏‏ الرأسمالية ذات التفوق الأبيض والتي يبلغ عمرها 525 عامًا. إن هزيمة الهمجيه المناهضة للشعب في هذا المشروع هي مهمتنا ومسؤوليتنا التاريخية، وستكون النتيجة الحتمية لنضالات الشعوب في العالم».