إضرار بعض الكلام القومي بالكلام الاشتراكي


المنصور جعفر
2024 / 2 / 15 - 07:06     

يكشف هذا النص تورط محاربة التعصب القومي في لوم "قومية" معينة جراء تعصب وجرائم نخبة قليلة من هذه القومية مبيناً ضرر هذا التورط على التحرر الثوري الاشتراكي الكينونة وتسبيبه لتكون نخب جديدة تمارس نفس الظلم القديم.

بصورة واقعية في السودان لم يمنع الكلام القومي أو الثقافي عن مثنوية "عرب وأفارقة" أو عن مثاني قومية أخرى في دول أخرى، لم يمنع هذا الكلام الظلم الطبقي ولم يكفي لتحقيق شيء من التنمية المتوازنة والعدل الإجتماعي.


1. من اكثر المظاهر الشائعة لهذه المحاربة الهوجاء ضد "ظلم ذوي القربى" من بعض المتكلمين ضد عربنة السودان أو ضد مظالم عربنته الكلام الكثير عن إن دخول السودان إلى "منظمة الوحدة الإفريقية" كان يجب أن يسبق أو يزامن دخوله "الجامعة العربية"! وهو كلام زلنطحي فالسودان حين استقل لم تكن للدول الإفريقية منظمة ينضم اليها وكانت الجامعة العربية قد تأسست في 22 مارس عام 1945 أما منظمة الوحدة الإفريقية فقد تأسست في 25 مايو 1963 أي بعد استقلال السودان بسبعة سنوات وقبل سنة وخمسة شهور من اندلاع ثورة أكتوبر 1964.


2. انفعال المفاضلة القومية بموضوع علاقات الدولة السودانية بأي من المنظمتين انفعال يوحي أن أي من المنظمتين أو أي من دول المنظمتين ومجتمعاتها وثقافاتها كيان خال من الأزمات! بينما في كليهما سجم و رماد.


3. في فترة إستقلال وتفتح السودان كانت العروبة حاضرة في مؤتمر عدم الانحياز 1955 وفي مؤتمر تضامن شعوب اسيا وافريقيا 1957 وفي مؤتمر القارات الثلاث 1966 فآنذاك كانت العروبة راية تحرر وطني/قومي ومثيرة لأفكار وقوى التحرر والنهضة والاتحاد والعدالة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بل غدت مع ثورة الجزائر وثورة اليمن من مؤججات شباب وثقافة الرفض وطلب العدل والمساواة في دول غرب أوروبا وأمريكا. وكان القادة الأفارقة قادة مؤيدين لخلاصة وذروة أفكار العروبة السياسية "الحرية الإشتراكية الوحدة" التي كان يرفضها عملاء الإمبريالية الإمبراطور والملك وسيد ليبيريا واستعماريي بلاد جنوب إفريقيا.


4. نعم تسوء أوضاع العدالة في أي دولة تنفرد نخبة فيها بالتحكم في معيشة كادحيها الانفراد والاحتكار والجبروت هو المؤذي ليس لأن هذه الدولة أو هذه النخبة من ثقافة قومية معينة أو ميزت فولكلور على فولكلور في فترة عالمية توصف ب"عصر العلم".


5. في كثير من الدول باخ التغيير القومي لمعالم المجتمع والدولة قبل أو بعد الاستعمار أو عقب الاستقلال حيث لم يؤدي تغيير قومية الحكام أو تغيير رموز الدولة في أي عهد من هذه العهود إلى تخفيض حالات التفاوت والإستغلال.

فواقعياً تكررت كل المظالم الإجتماعية في الدول ذات الثقافة القومية الأفريقانية كجنوب السودان أو نايجيريا أو إثيوبيا أو يوغاندا أو جنوب إفريقيا رغم تغيير معالم ونخبة هذه الدول حيث لم تزل تعيش أوضاعاً سيئة مزدحمة بالمظالم كما كانت قبل التغيير القومي. كذلك توجد دول قوام مواطنيها قومية عربية كدول الخليج واليمن تعيش نفس المظالم الطبقية والإقتصادية والسياسية في غالبية الدول الأخرى وحتى في قارات أوروبا وأمريكا نجد دولاً أكثر سكانها قومية واحدة ومع ذلك يعيش غالبية كادحيها مظالماً شتى. أي إن الظلم أو العدل الطبقي ليس معقوداً بقومية معينة إفريقية أو عربية أو بأي قومية ففي كل قومية وخارج أي قومية ظالم ومظلوم.


6. أياً كانت معالم الدولة ذات قومية واحدة أو متعددة القوميات ففغالباً ما تكون الدولة هيئة تحكم لطبقات مالكة ظالمة في معيشة الطبقة الكادحة لكن لأغراض سياسية قد تدخل بعض التوصيفات الإثنية في الصراع الطبقي دخول سلاح ذو حدين: فضرر التوصيفات القومية المتحقق في تاريخ نضالات الكادحين أكثر من نفع هذه الوصوف فبعض الإختزالات القومية للصراع الطبقي في ظروف معينة أفسد وحدة نضال الكادحين وبعصبية اختزالات او تمدد الكلام القومي وتهييجه لجوانب لعنصرية استقوت إنفرادات النخب المنتسبة إلى إثنية أهل الكلام القومي وأهملت أو إستهلكت لمصلحتها نضال الكادحين وحولته بالقومنة إلى رافعة وتدعيم لسيطرتها الطبقية.


7. بالنظر إلى تنوع اوضاع العدالة في مختلف المجالات ومركزها الاقتصادي الاجتماعي يتحرر الذهن من حالة التفريق الشديد ومن حالة الخلط الكثيف بين الكلام الإثني وكلام التحرر الثوري الطبقي لكن التاريخ السياسي لدول كثيرة يوضح ان العدالة الطبقية هي التي تبين صحة الزعوم القومية (سواء كانت هذه الزعوم تنسب الفضيلة إلى العروبة أو إلى الإفريقية) وهذا الرجح للكلام الطبقي ينفي ان غالبية الزعوم القومية المتكلمة عن الحضارة أو المتكلمة عن الاستضعاف والتهميش هي التي تبين أو قرر صحة العدالة.


8. في كل مجتمع ناهض ارتبطت غالبية حلول أزمات المعيشة والإقتصاد والتنمية بتغيير الشكل النخبوي للدولة وبناءها الطبقي وتلازم مرونة اقتصادها مع حاجات كادحيها وحيوية انتقال وخروج هذا الإقتصاد ومجتمعه إلى الإشتراكية وابتعاده عن حالة الأنانية ذات التملك الانفرادي والتجارة العشواء التي كانت ولم تزل حالة تميز كل النظم الليبرالية المغذية إنفرادات النخب ونزاعات قواتها الطائفية والقبيلية والحزبية وميليشياتها العسكرية. أي إن تغيير الشكل القومي للظلم الطبقي لم ولن يحقق شيئا مذكورا مالم يرتبط بانهاء الأسس والاشكال الاقتصادية لنموء التمييزات والمظالم وأولها حرية التملك والتجارة العشواء.


9. الخلاصة: إن خروج أي مجتمع من الانفرادات والصراعات النخبوية يرتبط بتغيير طبيعة أساس وبناء المجتمع ودولته. أما أمور السقف والتناقضات غير الإقتصادية كبعض أمور الثقافة القومية والوطنية، ونوع الاتحاد أو التنوع في أمور اللغة والتعليم والإعتقاد فكلها أمور مهمة تم تغييرها في تركيا في عهد البطل مصطفى كمال أتاتورك وفي جنوب إفريقيا في عهد البطل نيلسون مانديلا وفي غالبية دول العالم بعد خروجها من مرحلة الإستعمار ولكن رغم تغييرها وتضحيات النضال لدفن المعالم القومية والسياسية القديمة الا ان تغييرها بقى فوقياً سطحياً وقشرياً لم يغير كينونات الظلم الطبقي والمعيشي والإقتصادي في الدولة بل غير بعض أشكال الظلم القديمة وبقيت معيشة وحياة غالبية الكادحين تعاني من سيطرة الأقلية المترسملة على موارد المجتمع ومقاليد الحكم والدولة.

سيطرة الحساسية القومية على كلام العدالة تخفض التماسك الطبقي للكادحين اللازم لنجاح تحررهم الاشتراكي وتجعل نضالاتهم مطية لبروز وترسمل نخب لها سحنة أو لغة أو طريقة حياة تتشبه سحنة ولغة وطريقة كثير من المظلومين لكن ممارساتها الاقتصادية السياسية ذات الانفراد والاستغلال والسيطرة لا تختلف عن ممارسة النخب القديمة المختلفة الشكل.