: المطلب الثاني عشر: من بدا الحرب؟ ... النتائج... وما العمل؟ اولاً: اوكرانيا ما قبل الانقلاب الحكومي في عام 2014.


نجم الدليمي
2024 / 2 / 10 - 12:54     

تؤكد الوقائع التاريخية، ان اوكرانيا لم تظهر كدولة الا بعد ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى في عام 1917، كانت كييف وضواحيها وشرق اوكرانيا وخاركوف...، ضمن دولة روسيا القيصرية وسابقا سميت كييف ام المدن الروسية نظراً لاهميتها من الناحية الدينية وغير ذلك وكانت هذه المناطق زراعية في روسيا القيصرية.

بعد ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى في عام 1917، اراد رئيس السلطة السوفيتية لينين ان يؤسس جمهورية اوكرانيا السوفيتية الاشتراكية، ضمن اطار اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية واقدم على ضم القسم الشرقي الى اوكرانيا على اعتبار ان القسم الشرقي الذي كان يضم سابقاً جمهورية دانيسك ولوكانسك وخرسيون وزابوروجيا وخاركوف... مناطق صناعية فتم دمج هذه المناطق مع كييف وضواحيها الزراعية مع المدن الصناعية ومن خلال هذه العمليه جعل لينين من اوكرانيا الدولة الصناعية -- الزراعية واصبحت جمهورية اوكرانيا ضمن اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية وفي عام 1922 تأسس اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية( الاتحاد السوفيتي)، وسميت اوكرانيا بجمهورية اوكرانيا السوفيتية الاشتراكية منذ عام 1922 حتى عام 1991.

بعد الحرب العالمية الثانية وتحقيق الانتصار على الفاشية - النازية الالمانيه اللقيط والوريث الشرعي للنظام الامبريالي العالمي فالبلد المنتصر في الحرب هو من يفرض شروطه الخاصة به على البلد الذي اعلن استسلامه فقام ستالين بضم القسم الغربي من اوكرانيا الى جمهورية اوكرانيا السوفيتية الاشتراكية ومنها عدة اقاليم الفوف وغيرها من الأقاليم والمدن الاخرى وهذه الاقاليم والمدن كانت تابعة الى بولونيا وهنغاريا ورومانيا. ومن هنا ، ان الحقيقة الموضوعية تؤكد ان اوكرانيا كدولة، كجمهورية ظهرت بعد ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى في عام 1917 وقبل ذلك لم تكن اوكرانيا كدولة ولعب لينين وستالين العظيمين دوراً مهماً وكبيرا في تأسيس جمهورية اوكرانيا السوفيتية الاشتراكية.

تعد جمهورية اوكرانيا السوفيتية الاشتراكية احد اهم جمهوريات الاتحاد السوفيتي من بعد جمهورية روسيا السوفيتية الاشتراكية من حيث عدد السكان والمساحة وامتلاكها للموارد البشرية والطبيعة فهي تجمع بين الجمهورية الصناعية -- الزراعية في آن واحد وكانت تساهم في خلق الانتاج المادي والعسكري في الاقتصاد الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي من بعد روسيا السوفيتية. لقد شكلت جمهورية اوكرانيا السوفيتية الاشتراكية مساحة بنحو 603،7 الف كيلو متر مربع من اصل مساحة الاتحاد السوفيتي حتى عام 1985 بنحو 22402،2 الف كيلو متر مربع في حين كانت مساحة روسيا السوفيتية بنحو 17075،4 الف كيلو متر مربع وكان عدد نفوس جمهورية اوكرانيا حتى عام 1985 نحو 51 مليون نسمة وشكل الروس نسبة ما بين 35-40 بالمئة من سكان اوكرانيا. (1).

تكمن اهمية اوكرانيا للاتحاد السوفيتي للمدة 1922-1991 من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، فهي تعد ثاني جمهورية بعد روسيا السوفيتية في جميع المؤشرات الاقتصادية والسياسية والعلمية... بدليل كان خروشوف وبريجتيف... من اصل اوكرايني رؤساء للحزب الشيوعي السوفيتي وقادة الدولة السوفيتية للمدة 1953--1981 ناهيك عن الوزن النوعي في الحزب الشيوعي السوفيتي حتى عام 1991.

يشير اوليغ شينين رئيس مجلس الاحزاب الشيوعية -- الحزب الشيوعي السوفيتي، ان الانتاج الصناعي في الاتحاد السوفيتي للمدة 1922-1982 زاد ب 500 مرة في روسيا السوفيتية و730 مرة في اوكرانيا و286 مرة في جمهورية بيلاروسيا وكما بلغ معدل النمو السكاني السنوي في ظل السلطة السوفيتية ما بين 2-3 مليون نسمة. (2).
ان عملية التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت في الاتحاد السوفيتي للمدة 1985-1991 وتحت غطاء مايسمى بالبيرويسترويكا الغارباتشوفية السيئة الصيت في شكلها ومضمونها وبعد عام 1992 ولغاية اليوم في رابطة الدول المستقلة ( جمهوريات الاتحاد السوفيتي) قد خلقت اسرع استقطاب طبقي في التاريخ واكثر اشكاله خصوصية، هذا الاستقطاب لم يأتي نتيجة لسياقات تقليدية في عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي، بل جاء كاستدارة حادة من حالة اللااستقطاب الطبقي الذي ميز المجتمع السوفيتي الى حالة الاستقطاب المشوه وقد جرى ذلك في سياقات ومعدلات متسارعة لم تشهد البشرية مثيلا لها انه تحول غير مالوف وليس له مستقبل وفق المنظور والحتمية التاريخية.

في عام 1991، تم تفكيك الاتحاد السوفيتي وبفعل تظافر العوامل الداخلية والخارجية واصبح العامل الخارجي هو الموجه والمنظم للعامل الداخلي وبذلك حصلت رابطة الدول المستقلة ( جمهوريات الاتحاد السوفيتي) على (( استقلالها السياسي)) ومن دون التحرر الاقتصادي الحقيقي لهذه الدول المستقلة منذ عام 1992 ولغاية اليوم. سؤال مشروع؟ من كان مستعمر لرابطة الدول المستقلة قبل عام 1991؟ وهم يحتفلون بعيد الاستقلال الوطني؟. ان جميع رابطة الدول المستقلة ( جمهوريات الاتحاد السوفيتي) تحولت نحو الراسمالية الهجينة في شكلها ومضمونها ( باستثناء جمهورية بيلاروسيا التي استطاعت أن تحافظ على منجزات الاشتراكية لشعبها وخاصة بعد عام 1995 ولغاية اليوم) اما بقية رابطة الدول المستقلة فتم الغاء جميع الحقوق الرئيسة للمواطنين ومنها مجانية التعليم والعلاج والسكن التي حصلوا عليها في ظل السلطة السوفيتية بل تحولت هذه الدول الى سوق لتصريف ((؟ فائض)) الانتاج المتحقق في البلدان الراسمالية المتطورة وفي الغالب يخلو من المواصفات القياسية المطلوبة سواء للسلع الغذائية والدوائية والسلع المعمرة...، وبشكل عام وخاصة خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي بشكل خاص.

لقد واجهت رابطة الدول المستقلة بتحولها من الاشتراكية الى الراسمالية المتوحشة مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية، ودخلت او ادخلت في دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني والعسكري...، وكما واجهت نزاعات ذات طابع قومي دموي كوروباغ، جمهورية الشيشان، انموذجا حيا وملموسا على ذلك وكما واجهت ايضاً دوامة من الانقلابات الحكومية ومايسمى بالثورات الملونة وضعف في اتخاذ القرار الوطني المستقل في الشؤون الداخلية وخضعت الغالبية العظمى من هذه الدول لنفود القوى الدولية والاقليمية وان قسماً من هذه الدول قد انضمت لحلف شمال الأطلسي، الناتو ومنها جمهوريات البلطيق انموذجا حيا وملموسا على ذلك وكانت خطة اميركية وحلفائها العمل على انضمام اوكرانيا وجورجيا وملدافيا لحلف الناتو وبالتالي يتم تطويق روسيا الاتحادية بحلف الناتو وبشكل كامل.

لقد اتسم تحول رابطة الدول المستقلة من الاشتراكية الى الراسمالية المنفلته بتحولا سريعاً وقصريا وغير مالوفا ولم يتم الاخذ برائ الشعب السوفيتي حول هذا التحول علماً في 17-3 - 1991 تم استفتاء شعبي ديمقراطي بالرغم من انه مخالف للدستور والقانون الاشتراكي حول وجود او عدم وجود الاتحاد السوفيتي وكانت نسبة التصويت من قبل الشعب السوفيتي بنحو 77 بالمئة لصالح بقاء الاتحاد السوفيتي ومثلا صوت الشعب الاوكرايني بنسبة 83 بالمئة لصالح بقاء الاتحاد السوفيتي والشعب الروسي بنسبة 79 بالمئة والشعب البيلاروسي بنسبة 83 بالمئة وجمهوريات اسيا الوسطى الاسلامية بنسبة ما بين 93-98 بالمئة لصالح بقاء الاتحاد السوفيتي. (3). في حين رفض غورباتشوف وفريقه ويلسين وفريقه.. نتائج الاستفتاء الشعبي والديمقراطي على الاتحاد السوفيتي وتم تأييدهم من قبل اميركا وحلفائها ومع ذلك يدعون الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير؟ وبهذا الخصوص يشير ليونيد كرافجوك، (سكرتير الحزب الشيوعي الاوكرايني ومسؤول العمل الايديولوجي في الحزب الشيوعي الاوكرايني سابقاً واول رئيس الى اوكرانيا بعد عام 1991) اذ يقول (( لقد عملنا على تفكيك الاتحاد السوفيتي ونحن نحتسي الكونياك)) .( 4). وكان يلسين وفريقه في توقيع معاهدة بيلوشوفسكيا بوشا مخمورين لحد الثمالة وقام يلسين المخمور دائماً بالاتصال بالرئيس بوش الأب يخبره بتفكيك الاتحاد السوفيتي وكان مترجمه اندريه كوزيروف وزير الخارجية الروسية وهو من الطابور الخامس وهرب الى اميركا ويعمل الان فيها بزنس ويتامر على روسيا الاتحادية بهدف تقويض النظام القائم في موسكو.

ان هذا التحول الغير مالوف نحو الراسمالية المتوحشة قد ترك اثارا سلبية اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية... على الغالبية العظمى من المواطنين في
( جمهوريات الاتحاد السوفيتي) وهذا التحول قد خدم مصالح النخبة الاوليغارشية الحاكمة في هذه الدول اي خدم مصالح 1 بالمئة من المجتمع وتشابكت مصالح الاقلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والايديولوجية... مع مصالح القوى الدولية والاقليمية.
ان من اهم النتائج السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. التي حدثت بعد عام 1991 في رابطة الدول المستقلة ( جمهوريات الاتحاد السوفيتي) ولغاية اليوم قد تمثلت بالآتي :: غياب الامن والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني والعسكري... لهذه الدول وتدهورت القطاعات الاقتصادية الانتاجية الزراعة والصناعة...، وتدهور الدخل الحقيقي للغالبية العظمى من المواطنين وتدهور قطاع التعليم والصحة وتنامي معدلات التضخم النقدي وهروب رؤوس الأموال للخارج وتنامي معدلات البطالة والفقر.. وخاصة وسط الشباب وتفشي المخدرات وبيع السلع الحية ( نساء - اطفال) وتنامي ظاهرة الانتحار وخاصة وسط الشباب وتنامي معدل الوفيات على معدل الولادات ولاسباب عديدة منها تفشي الامراض المختلفة وسوء نظام التغذية وغيرها من الاسباب الاخرى والأخطر من نتائج هذا التحول من الاشتراكية الى الراسمالية المتوحشة هو ظهور المليونيرية والملياردية وبالدولار الاميركي وهم شكلوا ويشكلون لصوص محترفين في مرحلة التحول من الاشتراكية الى الراسمالية وليس لهم علاقة بخلق الانتاج المادي واستطاعت هذه النخبة الاوليغارشية المافيوية من الاستحواذ على ثروات شعوبهم عبر ما يسمى بوصفة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لسحق الفقراء والمساكين والمضطهدين وعبر تنفيذ ما يسمى ببرنامج الخصخصة السيئ الصيت في شكله ومضمونه وهذه الظواهر وغيرها لم تكن موجودة في الاشتراكية ناهيك من ان المواطنين السوفيت وبسبب التحول من الاشتراكية الى الراسمالية المتوحشة قد فقدوا جميع المكتسبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... ومنها ضمان العمل حق العمل دستوريا للمواطن، اي غياب البطالة والفقر.. وفقدان مجانية التعليم والعلاج والسكن والضمان والرفاهية ووفق القانون والدستور الاشتراكي.