بين رؤية الحقائق والحاجة الى الشعور بالانتصار


خالد بطراوي
2024 / 2 / 9 - 16:16     

أيام قليلة بعد السابع من أكتوبر للعام المنصرم، قالت لي زميلتي الكاتبة في الأردن الشقيق بأنه " يبدو لأننا بحاجة الى الشعور بالانتصار .... لا نريد أن نرى الحقائق".
الان، وبعد مضي ما يزيد على الأربعة أشهر من بدء العدوان على قطاع غزّة، أفكر مليا فيما ذهبت إليه زميلتي الكاتبة من عمق للرؤيا وترجمتها بجملة واحدة وحيدة ومختصرة، فعلا ... لأننا بحاجة الى الشعور بالانتصار ... لا نريد أن نرى الحقائق.
الحقيقة الأولى التي نعرفها تمام المعرفة بل ونعرفها منذ الأزل ومن تجارب التاريخ أن الإمبريالية بسبب أيدلوجيتها ومصالحها لن تقف في يوم من الأيام في صالح الشعوب التواقة للإنعتاق منها.
وترجمة لتلك الحقيقة، فقد تتعرض الإمبريالية لضربة هنا أو هناك، تضطر معها الى أن ترخي " الحبل" قليلا وان تمنح بعض التسهيلات الحياتية لهذا الشعب أو ذاك، وأن تظهر أسنانها بإبتسامة مصطنعة تذكرنا بقول الشاعر " إذا رأيت نيوب الليث بارزة ... فلا تظنن أن الليث يبتسم"، لكنها بذلك تهدف الى "تنفيس" الحراك الثوري الجماهيري وإمتصاص الصدمة الأولى، لتعود وقد كشرت عن أنيابها لتنقض على المنجزات اللحظية التي تحققت جراء الفعل الثوري وتعيد ترتيب أوراقها وترتيب المنطقة برمتها وقد تقوم بإستبدال حرسها القديم بآخر جديد يخدم المرحلة الجديدة.
الحقيقة الثانية التي نعرفها أيضا منذ الأزل، أن كيان الإحتلال هو رأس حربة متقدم للإمبريالية في المنطقة، الذي لن تتركه وحده عندما يتعرض لضربة بل على العكس سوف تغدق عليه بالمساعدات والتدخل المباشر العسكري على الارض وتحريك كل المقدرات العسكرية وغير العسكرية لصالح الحفاظ على رأس الحربة المتقدم لها في المنطقة، لا بل وتمارس الحصار وتطبق الخناق على الجماهير التي تحركت.
الحقيقة الثالثة، أن الانظمة الحاكمة هي أنظمة تابعة وأن دول المنطقة لم تعش يوما إستقلالا حقيقيا رغم إحتفالات كل منها السنوية بما يسمى " عيد الإستقلال" وأن جيوشها وأجهزتها الأمنية المختلفة مسخرة لهدف واحد وحيد هو حماية الإمبريالية ومصالحها في المنطقة، مع إستمرار التصريحات الرسمية الداعمة لنضالات الشعوب.
الحقيقة الرابعة تتجلى في التضامن الشعبي العارم من شعوب المنطقة مع أصحاب القضية العادلة لا بل ومن شعوب العالم قاطبة، وهو أمر يلقى بالترحاب والتقدير والبناء عليه للمستقبل، لكن هذا التضامن يبقى منقوصا بإتجاهين الأول أنه لم يستطع أن يدخل – مثلا – نصف لتر حليب واحد الى أطفال قطاع غزّة، والإتجاه الثاني أنه وليد حالة مؤقتة لا تتسم بالديمومة ولا يترجم الى إحداث تغييرات سياسية في بلدان تلك الشعوب لنصرة أصحاب الحق من الشعوب المضطهدة.
الحقيقة الخامسة، تتجلى في المحافل الدولية وأجهزة الأمم المتحدة والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وشرعة حقوق الإنسان، العاجزة عن إلزام الجهات المعتدية على وقف الإعتداء والمجازر التي ترتكبها، لا بل وتبرر لها ذلك كله تحت عبارات منمقة تفيد بأنه لا يوجد لديها أي توثيق يفيد بأن الإنتهاكات والمجازر التي حصلت كانت بفعل إرادة سياسية للقوة المحتلة الغاصبة وإنما في - أحسن ألأحوال - هي من صنيع أفراد ولا تعبر عن توجه رسمي لدولة الإحتلال.
الحقيقة السادسة تتمثل في أن منطقة الزخم الثوري – كما في حالتنا في قطاع غزّة حاليا – تتحول بلمح البصر الى منطقة لتجاذبات دولية وإقليمية وبالتالي تتحول القضية من قضية نصرة الشعوب الى إستخدامها كوسيلة لتحقيق توازنات قوى وتقاسم مصالح الى درجة أصبح حجم الضحايا والدمار وقودا وحطبا لهذه التوازنات التي ستاتي بحل وإنفراج للعدوان على حساب معاناة الشعب.
أمام هذه الحقائق، وغيرها من الحقائق يتحتم علينا أن نرى بل ونعي الحقيقة الاكبر الصادمة والتي مفادها أن ميزان القوى العالمي والاقليمي والعربي ليس في صالح القضية الفلسطينية، ولا يعني رؤية هذه الحقيقة التسليم بها أو الاستكانة لها.
نحن بحاجة ليس الى الشعور بالإنتصار وإنكار الحقائق ... بل الى تحقيق الانتصار ورؤية هذه الحقائق رغم مرارتها، ووفقا لها إعادة النظر في إستراتيجتنا وتكتيكنا للمرحلة القادمة خاصة واننا سنشهد إستشراسا أكبر للامبريالية في منطقتنا.