تجلي المعاني السامية في نصوص الأديب صابر المعارج


داود السلمان
2024 / 2 / 7 - 20:13     

يعتقد الفلاسفة أن الفلسفة تبدأ بالدهشة، ونحن نرى: إنّ النص الأدبي الجيد يبدأ بالفكرة الجيدة والاختزال المهم، وتكثيف المعنى. ولا يتحقق ذلك إلّا بالمداومة على القراءة وتنوعها، وشحذ الفكر بالإبداع، والاهتمام باللغة السليمة، والانصياع إلى نداء العقل؛ لأن بالعقل نجتاز الصعاب ونتغلب على المُدلهمات من قضايا المختلفة. كذلك الشعر فهو قضية كبيرة، والكلمة مسؤولية جسيمة، فلزاما علينا أن نعي قضيتنا الكبيرة، وأن ندرك صدى هذه الكلمة، ومدى وقوعها على المتلقي.
لذا أجد ما يكتبه أديبنا صابر المعراج، لاسيما الشعر منه، كون الرجل أيضًا يكتب القصة القصيرة، ويفقهها عن دراية، أجد ما يكتبه من ومضات شعرية، ترتقي وسمو القضية الإنسانية، والكلمة الملتزمة الجادة التي تدعو للعطاء الثر والنبل الجزيل. وهو، بعدُ، يمتلك شاعرية فذة، ترتقي والفضاء الذي يوفر مساحة كبيرة من الخيال الخصب، والتدفق من المعاني النبيلة، والعاطفة الجياشة ازاء ما يكتب ويدوّن من جمل جزيلة، تنمّو عن شاعرية عجنها بقراءة مؤوبة مكثفة، انطلاقا من قول الفيلسوف الانكليزي فرانسيس بيكون "القراءة تصنع إنساناً كاملاً، والمشورة تصنع إنساناً مستعداً، والكتابة تصنع إنساناً دقيقاً". وأنا أضيف: إنّ القراءة تجعل الانسان شاعرا فذاً، خصوصا إذا كان هذا الانسان يمتلك الموهبة وجدية في العمل.
يقول أديبنا المعراج في هذا النص القصير:
(بهذا الانطواء الفج
تبدو وديعا!
أي فجيعة
جعلتك تتقن
لغة الانكسار؟!)
وهذا النص المكثف، المشحون باللغة الوارفة، نجد فيه انزياحا كبيرا بلغته السلسة، وايقاعه الموسيقي الراكز جعل الصورة تنبض بالحياة، فتعطي للقارئ تواصل وانسجام موائمين، تقرّب له الصورة اكثر ليستشعر بإحساس مرهف ازاء التموسق القابع بين طيات النص، فيدرك قابلية الشاعر على رسم ملامح تلك الصورة، وبأنه يمتاز بقدرة على توصيل الفكرة الابداعية المختزلة بكل تجلياتها.
أما الصورة التي يرسمها اديبنا المعراج عبر ريشته الابداعية، فأجده متمكنا من ذلك، وله قابلية على مزج الالوان، بعضها ببعض لإنتاج خليط من الالوان الزاهية، ليعطّر بها مزاج قصائده التي تعج بالجمال الذوقي العاج بالصور الشعرية، تلك التي تشرق بضوئها ازاء المتذوّق.
القابلية التي يمتلكها شاعرنا المعراج تنكشف لنا من أنها تعود الى قابليته العالية على التعبير، وشعوره بالمسؤولية نحو شرف الكلمة التي تتجلى من موقف الأديب ذاته، في حَمل عبأ الحاضر، بكل تناقضاته، الواقع على عاتق كل أديب ومفكر وصانع جمال، بكل تجلياته وشكلياته قبالة الواقع الذي نعيشه الآن، فهو انعكاس نحو المستقبل، حيث يلقي بظلاله لجيل يقيس ذلك بما ننتج من جمال وحراك فكري وأدبي. فإذا كان ما ينتجه حاضرنا من نتاج إيجابي، فسيكون ذلك دلالة حسنة نعتز بها، وإذا كان سلبيًا فسيتجمل الأديب والمفكر معًا مغبة ذلك الأمر، بالتالي سيصبح سُبة على الجميع، و وزرا، نحن سندفع تبعاته.

نصوص الكاتب:
.........
ولإنك تعكزت
على الخَواء
بات لازما عليك
أن تحفظ
تعاويذ السقوط!
-------
صراخ الشكوى
غالبا
مفتاح الانحناء!
------
بهذا الانطواء الفج
تبدو وديعا!
أي فجيعة
جعلتك تتقن
لغة الانكسار؟!
------
حتما لن تقف
حرائقك
مكتوفة اليدين
إذا ما أبصرتك
تعظ أصابع الندم!
-------
مهولة خيبات الشجر
حين
استحال
رمادا
-------
حين افترقنا؛
من منّا الذي مضى؟؟
كلّما تحسّستني...
وجدتك و...
ضيعتني!
------
والآن
حان القطاف
اجنِ ثمار خطاك
تلك...
دانية تتدلى
نهاية الطريق
------
آخر الليل
.
.
.
كل الطرقات
ملغومة بالوعيد!
---
يا... أنا
الحذر
عكاز
مكسور!