التمنيّ (في مدينة السلام) نص باسمة العوام


داود السلمان
2024 / 2 / 6 - 16:14     

الأدب النسّوي شكلَّ حضورًا منقطع النظير، ليس اليوم فحسب، بل مضى عليه مئات السنين، وهناك أسماء لامعة ظهرت على سطح الابداع: الفلسفي بكل تجلياته، قديمًا وحديثا، فقديما ظهرت به هيباتيا الإسكندرية، المقتولة غدرًا، والتي برزت في المنطق والرياضيات، والأديبة الفيلسوفة سيمون دي بوفوار، والتي كتبت أجمل الروايات والفلسفة وابدعت، ايما ابداع، وقد تعلقَّ بها سارتر فيلسوف الوجودية، حتى أنّه طلبها للزواج فرفضته. وأما على مستوى العلم فاشتهرت مدام كوري، فكانت أسمًا لامعًا في هذا المعترك. وعلى مستوى الشعر فهناك الكثير، والكثير جدًا، وربما يأتي من هذا الكثير الشاعرة العراقية الكبيرة عاتكة الخزرجي، فهي علم مثّلت المرأة في تاريخها الناصع البياض.
ولا نريد هنا أن نستعرض المزيد من النساء اللواتي أبدعنّ في مجال الأدب والعلم والمعرفة والفلسفة؛ بل الذي يهمنا هو أن نشير، ولو إشارة خاطفة، إلى تاريخ المرأة الموغل بالعطاء وعلى كافة الأصعدة؛ ونحن نتكلم عن امرأة مبدعة كتبت النصوص الشعرية، فأظهرت جدارتها، وخاضت كذلك في تجربة أخرى فأثبتت وجودها، وأنها أهلا لذلك ألا وهو النقد الأدبي، (ومن تواضعها قالت بأنها ليست ناقدة بالمعنى العالم لكلمة "نقد" كونها ليست اكاديمية مختصة، بحسب تعبيرها، وإنما تكتب وجهات نظر حسب فهمها للنص الأدبي الذي تقرأه) والمرأة هذه هي باسمة العوام فهي شاعرة تجيد صياغة المفردة الجميلة، وتمتلك موهبة فذة، وتحمل في طيات احساسها بُعد إنساني خلّاق، يمكنها من خلاله أن تجتاز كتابة الشعر والنقد إلى كتابة الاتجاهات الأخرى، من حقول ابداعية كالفلسفة الاجتماع، وذلك ما لمسته بنفسي في كتابة ومضاتها التي تنشرها على صفحتها في التواصل الاجتماعي.
ومن بين نصوص كثيرة قرأتها لأديبتنا العوام؛ هذا النص الذي أسمته "في مدينة السلام" وهي ترمز بهذه الرمزية الى وطنها سوريا؛ ومن المعلوم أن هذه التسمية هي من خصوصيات مدينة بغداد، حيث كان ومازال يطلق الكثير من الناس على بغداد بأنها "مدينة السلام. ولابأس على الشاعرة العوام أن تطلقه على بلدها، إذ كلّ إنسان يعتز ببلده الذي وُلد فيه وعاش؛ خصوصًا وأن سوريا البلد العربي العريق، والتاريخ الموغل بالعلوم والمعارف والآداب.
في النصّ هذا، تتمنى الشاعرة أن تكون نجمة (والنجمة هي رمز للسلام والتسامح، فالنجوم تقتل الظلام بضيائها، لتنير ما حولها من عتمة، بإشراقة ضاحكة) وهي – النجمة- أنثى إذ تعتقد الكاتبة أن خطاب الانثى للأنثى هو أقرب للقلب، وأجزل للصواب؛ والمرأة هي العطاء الدائم. لذلك كانوا يشبّهوا الأرض بالمرأة، وظلّ البعض يسمي مولودته الجديدة "نجمة" تيمناً بهذا الكائن، وثمّة أغنية غناها المطرب العراقي حسين نعمة، بعنوان (يا نجمة) وهي اغنية تنبض بالحياة، والتطلع للمستقبل المشرق، والسلام الدائم، ومن أجمل الأغاني التي نعتز بها نحن العراقيون.
وعودة على بدأ، فالعنوان "في مدينة السلام" تدعو فيه الشاعرة أن يعيش بلدها- سوريا – بتسامح ومحبة دائمين، وأن يعم فيه السلام، وينتشر الأمان بعد أن تعرّض وطنها العزيز لما تعرّض، هذا البلد الجميل (جميل بأهله وناسه وشعبه الطيب، دمث الأخلاق). وبالرغم من كون الكلمات التي اختارتها الشاعرة بسيطة، وخالية من الرمزية، واللغة الباذخة، إلّا أنها كلمات كانت معبّرة، وصادقة بذات الوقت. نقول بسيطة، لا نعني أن الشاعرة عاجزة عن صياغة كلمات رنانة، بقدر ما أرادت من هذه البساطة، أن تدخل مباشرة إلى القلب، فما يخرج من القلب يدخل إلى القلب بدون اشارة دخول، كما يحلو للبعض أن يُعبّر.
الشاعرة العوام لها خصوصيتها برسم حروفها الابداعية، ومن ثم سكبها على قاع الورق، بكثافة في الصياغة، وبُعد في المعاني وجزالة في التعبير؛ فهي تكتب بغير تكلفة، وانما تأتيها الحروف طائعة، والكلمات تسير على استحياء، خجولة من هيبة الشاعرة، فتربت على كتف المعاني بهدوء.
النص:
كنجمةٍ، طرقَتْ أبواب الفجر
استوطنَتْ سماءَ الأحلام
تمنّيت..
تمنّيت أن أرسم نفسي؛
بعيداً عن قسوة البشر
عن صراع الويلات والمحن
في طرقاتٍ ..
مازالت ممتلئة بك
أيّها القادم..
من أقاصي ضجيج الصمت
تمنّيت..
"أطراف الكون تُطوى"؛
فنلتقي هناك
في أحضان مدينة السّلام
نراسلُ الزّمان..
من كنيسةٍ تهتفُ: "الله أكبر"
ومئذنةٍ تخاطبُ ضمير الإنسان
تمنّيت..
ألّا يبقى يتيماً
صباح أرواحنا المتعانقة
وأن يروي جفاف حقولنا
عشق الأوطان.