-أترك العالم خلفك- فيلم يطرح ايمان الأمريكيين في نظرية المؤامرة


علي المسعود
2024 / 2 / 5 - 16:13     

فيلم ( أترك العالم خلفك ) مقتبس من رواية الكاتب الشاب رومان علم تحمل نفس الاسم والأكثر مبيعا لعام 2020 ، وصلت الرواية إلى نهائيات "جائزة الكتاب الوطني"، وحصلت على مرتبة الشرق، وإدراجها ضمن قائمة أفضل 20 رواية للعام . صدر حديثًا الترجمة العربية للرواية بعنوان ( أترك العالم خلفك) لـ الكاتب الأمريكي ذو الأصول البنغلاديشية "رومان علام" وترجمة سها السباعي . "أترك العالم خلفك " هو العنوان المثالي لكتاب يبدأ بوعد المدينة الفاضلة، ثم يرتحل بعيدًا عن هذا الحلم إلى حيث يُمكن أن تأخذنا أسوأ مخاوفنا، إنه واحد من أندر الكتب إثارة حقيقية وتلخيص عبقري لزمننا القلق، وعمل ذو جدارة أدبية عالية، الفيلم بطولة الممثل الحائز علي جائزة الأوسكار "ماهر شالا علي" والممثلة الشهيرة "جوليا روبرتس" ومن إخراج المصري الأصل" سام إسماعيل ". شارك في إنتاج الفيلم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وزوجته ميشيل . يُعتبر أول إنتاج درامي لشركة عائلة أوباما الإنتاجية، بعدما ركزت في إنتاجاتها السابقة على برامج الأطفال والأفلام الوثائقية والدراما التاريخية . الفيلم يتحدث عن كارثة جديدة من كوارث نهاية العالم وعلى غرار أفلام " لا تنظر إلى الأعلى" و"الضوضاء البيضاء" و"صندوق الطيور". شارك في كتابة السيناريو "رومان علم" والمخرج " وسام إسماعيل". يحكي الفيلم قصة زوجين ثريين من بروكلين يعانون من مشكلة ذات صلة كبيرة بروتين حياتهم ، لقد سئموا من التفاعل مع الناس حتى صارت الزوجة ( تكره الناس) . وتريد الزوجة أماندا أن تترك العالم خلفها وترتاح من نفاق الناس والمجاملات والضوضاء، خصوصاً أنها تشعر بالاشمئزاز من كونها تقنع الناس بشراء أي منتج حتى ولو لم يكن صالحاً، بمعنى آخر تبيعهم الوهم فيصدقونها ، بلإضافة الى الضغط الشديد في العمل .

تبدأ القصة في شقة في بروكلين، حيث توقظ المديرة التنفيذية لشركة إعلانات كبيرة في نيوجرسي أماندا ساندفورد (جوليا روبرتس) زوجها الأستاذ الجامعي كلاي (إيثان هوك) والأطفال المراهقين - روز (فرح ماكنزي) المهووسة بالمسلسل التلفزيوني "الأصدقاء" وأرشي (تشارلي إيفانز) وتخبرهم مفاجأة بعد أن جهزت حقائب السفر ، استأجرت أماندا عن طريق الأنترنيت فيلا فاخرة فاخر في جزيرة لونغ آيلاند لعطلة نهاية الأسبوع . وعند الوصول الى الفيلا التي تنال اعجابهم ، يخرج الأولاد أرتشي وروز للسباحة، بينما يتولى الزوج كلاي تجهيز المائدة وتتوجه أماندا إلى أقرب سوبرماركت لتشتري ما سيحتاجونه خلال إقامتهم القصيرة، وعند خروجها يلفت أنتباهها رجل كبير في السن يملأ شاحنته الصغيرة بعشرات الصناديق من المياه والمعلبات وكل ما تحتاجه العائلة عادة إنما لأشهر بل ربما لسنوات. تستغرب الأمر لكنها لاتهتم بالآمر كثيراً وتتابع عائدة إلى المنزل . بدأت العطلة بداية جميلة على الرغم من حدوث بعض الأحداث الغريبة ، لم يمض وقت طويل بعد وصولهم تبدأ بعض الحوادث المزعجة في الحدوث. عند ذهاب الأسرة إلى الشاطئ للاستجمام،تقع أول حادثة غريبة، ناقلة نفط اسمها (وايت لايون) تقترب من الشاطئ بشكل مخيف ويهرب الجميع ولا تتوقف السفينة إلا بعد دخولها في عمق الشاطئ وسط الرمال. يعودون إلى البيت دون أن يتمكنوا من فهم ما حصل . لازال الإنترنت غائب، ولاحقاً انقطعت الكهرباء وتعطلت كل وسائل الاتصال والتواصل، حتى التلفزيون لم يعد يلتقط أية إشارة .

لكن ليلتهم الأولى في عطلة لونغ آيلاند تأخذ منعطفا غريبا عند وصول رجل يرتدي بدلة سهرة وربطة عنق سوداءيعرف أسمه جورج (ماهر شالا علي) يدعي أنه صاحب المنزل المؤجر وإبنته روث (ميهالا هيرولد)، ويطلبا السماح لهما بالمبيت . قد قادوا على طول الطريق إلى الفيلا بعد أن غرقت المدينة في الظلام ) يطلب قضاء الليلة في الطابق السفلي. يخبرهم بأن مدينة نيويورك غارقة في الظلام و بسبب إنقطاع التيار الكهربائي في المدينة لم يستطيع من إستخدام المصعد للوصول إلى شقته الشاهقة، لذلك لم يكن لديه خيار سوى اللجوء إلى منزل عطلته. إنه طلب غريب وغير تقليدي ، ونال قبول الزوج كلاي على العكس من الزوجة أماندا التي استغربت من الطلب ، وراحت تسأل جورج بعض الأسئلة العنصرية المفروضة قبل الموافقة على مضض على السماح لهم بالبيت في دارهم . في البداية الزوجة أماندا تشك الامر وتطلب منه الهوية ، لكنه يقول : إنه ترك هويته ومحفظته وراءه ". من البداية يسعد الزوج كلاي بزائر الليل الذي يطلب منهم بالسماح لهم بالدخول والمبيت ليلة واحدة في السرداب مقابل دفع نصف مبلغ الايجار، ولكن أماندا كانت قلقة وحذرة من الأشخاص الملونين ولدرجة لم تصدق بأنه مالك العقار الفخم فقط لأن الرجل ليس أبيض . تظهر عنصرية أماندا المحجوبة في البداية ويرجع ذلك جزئيا إلى غريزتها لحماية أطفالها وقلقها بشأن الظلمة والتعتيم وأنقطاعهم عن العالم الخارجي .

في اليوم التالي عندما يستيقظون يكتشفون أن التيار الكهربائي لايزال مقطوع وكذالك خدمة الإنترنت والهاتف الخلوي، ومن الصعب الحصول على تحديثات حول الأحداث الغريبة التي تحدث في كل منعطف. تظهر على الشاشة رسالة خاطفة وسريعة تقول (هذه حالة طارئة) وهناك حالة طوارئ في عموم الولايات المتحدة تعلن حالة الطوارئ ، لا أحد يفهم ما الذي يحصل، لكن جورج لديه رواية أخرى ومعلومات من (صديق ذي منصب مرموق في وزارة الدفاع) كان قد فهم منه أن شيئاً خطيراً سوف يحدث . ويذكرهم بالفايروس الذي سبب توقف الانترنيت و المنظومات الالكترونية قبل سنوات والذي عرف بأسم ( فايروس الحب ) .وتدرك العائلات حينها أن التعتيم قد يكون تهديدا خارجياً أكبر مما كانوا يعتقدون في الأصل . توقفت خدمة الوأي فأي وخدمة الهاتف وانقطاع التيار الكهربائي ، مما أثار استياء روزي الشابة مهووسة بمتابعة مسلسل "الأصدقاء" وكانت على وشك مشاهدة خاتمة المسلسل وتموت لمعرفة النهاية للمسلسل . يكشف الضيف جورج المشكلة الناجمة على ما يبدو عن هجوم إلكتروني التي سببت كل هذه الفوضى بما في ذلك حوادث الطائرات . يقدم الفيلم في نهاية المطاف بعض المظاهر على تفسير ما يحدث تماما بعد المواجهة مع شخصية الممثل الأمريكي "كيفن بيكون" الذي يظهر كشخصٍ مهووسٍ بنظرية المؤامرة، ويحذرهم من الكارثة التي ستدمر البشرية. بتحدث مخرج العمل الأمريكي ذو الأصول المصرية "سام إسماعيل" عن من فيلمه بالقول : "بعد تفشي جائحة كورونا، ظهرت العديد من الأحداث والكوارث مثل تغير المناخ، وموجة الزلازل و الحر التي شهدناها للتو خلال الصيف، فإن هذا هو المجهول - والخوف منه و نحاول تصويرها في هذا الفيلم ". في أحد المشاهد التي تظهر خروج السيارات ألذاتية القيادة " تسلا " الكهربائية من السيطرة بعد انفصال الأقمار الصناعية المشغلة لخدمة الإنترنت عنها والتي ينتهي بها الأمر بالاصطدام بعضها ببعض، ما يتسبب في تكدس هائل على الطريق وتؤدي في غلقه مما يثير الرعب للزوجين أماندا وكلاي في محاولتهم في الفرار من الجزيرة ، هاجم الملياردير الأمريكي إيلون ماسك مالك شركة " تسلا " الفيلم وهذه المشهد بالتحديد عبر ما نشره على موقع "إكس" (تويتر سابقا) الذي يملكه، ووصفه بـ"عدم دقة الحبكة . يجاول المخرج أن يغلف السيناريو بأكمله بغطاء من الغموض الذي يسمح ببعض التفاصيل الغير طبيعية ، مثل قطيع من الغزلان التي تتجمع في الغابة خلف المنزل التي تحدق بشكل تهديدي في البشر ، الطفلة روز ترى الغزلان متجمعة حول الفيلا و تحاول اللحاق بها، تخبر شقيقها الذي يتجول معها في تلك الغابة فتلسعه حشرة في ساقه . أصوات تصمّ الأذن، طائرات درون توزّع منشورات مكتوبة بالعربية عنوانها (الموت لأمريكا) . ينتهي الفيلم بعثور روز على مخبأ الجار - والأهم من ذلك - قرص فيديو رقمي يحتوي على الموسم الأخير من "الأصدقاء". بينما تضع خاتمة المسلسل، نسمع أغنية رامبرانت، "سأكون هناك من أجلك"، على خاتمة الفيلم. يقول الكاتب "رومان علم" الذي أستند الفيلم على روايته " الشيء الأساسي الذي يجب النظر إليه… هو أن الكتاب ينتهي بعلامة استفهام" .

الخطر قادم من المنطقة العربية !!

خلاصة فيلم الإثارة والخيال للكاتب والمنتج والمخرج سام إسماعيل "اترك العالم خلفك "، والذي يتضمن تعليق حاد ودقيق حول نظريات المؤامرة التي قد لا تكون نظريات، أوانقسامات عرقية خفية وغير خفية، وربما تعرية حقيقة الجيل الجديد ة وإعتماده شبه الكامل على التكنولوجيا والسوشيال ميديا وبالتالي أصبح أسيراً لها . يستعرض المخرج الحكاية في خمسة أجزاء كل منها مشار إليه بعنوان يظهر على الشاشة: الجزء الأول: البيت، الثاني: المنحنى، الثالث: الضجيج، الرابع: الطوفان، والخامس: النهاية. العناوين تلك تشير إلى الأحداث في كل جزء، والرسالة الأهم التي نصل إليها مع ظهور داني مرة أخرى، هي نظرة الأمريكي للعالم، و لكون الفيلم من أنتاج االامريكي السئ الصيت ( باراك أوباما) وزوجته هذا وحده يثير الريبة والأستفهام ؟ ، فلا عجب من رئيس زرع الارهاب والتنظيمات الأرهابية في البلدان العربية وخلق الفوضى والخراب فيها أن يلمح في فيلمه بان التهديد المباشر لأمريكا والعالم قادم من المنطقة العربية ويشحن الرأي العام ضدها عند ترويج تلك النظرية ، رغم أن الرجل الامريكي المتمثل بشخصية الممثل " كيفن بيكون " الذي يرفع علم أمريكا على شرفته يعلن عن حقيقة ( لدينا أعداء كثر حول العالم ربما اتحدوا ضدنا) لكن المخرج المصري الاصول وبضغط من شركة اوباما وأعمالها المشبوهة يشير ومن خلال المنشورات التي تقذفها الطائرات والمكتوبة باللغة العربية ( الموت لأمريكا) الى مصدر الخطر ، وهذه اشارة لها اكثر من دلا لالة في جعل الرأي العام الامربكي يتقبل تلك الخديعة في أن الخطر قادم من الشرق الأوسط وهم اعداءنا . وكان الرئيس السابق "باراك أوباما " قد وضع رواية الكاتب رمان علام، ضمن قائمة القراءة الصيفية لعام 2021، قبل أن يقرر تحويلها إلى فيلم سينمائي. وفي هذا الشأن، قال مخرج الفيلم سام إسماعيل، إن أوباما، قدم ملاحظات على السيناريو، مشيراً إلى أن تلك الملاحظات أخافته بشدة . وكان الرئيس الرئيس أوباما قادراً على إقناعي بشأن كيفية تطور الأمور في الواقع .

العنصرية والتميز ونظرية المؤامرة

حاول صناع الفيلم التطرق الى قضايا العنصرية والتمييز، لكنها لا تطرح بشكل مباشر، وإن بدت واضحة في الصورة، فالأسرة بيضاء والضيوف من االملونين ، والمرأة التي استغاثت بالأب كلاي"ملونة" تتحدث الإسبانية، كما تنفصل الأسرة عن بعضها، ينفصل الأب الضيف جورج (ماهرشالا علي) عن ابنته روث (ميهالا)، فهو رجل هادئ مسالم، أقرب إلى شخصية إصلاحية ( تماثل شخصية باراك أوباما حين اقترب من سدة الحكم في البيت الابيض )، بينما تملك الابنة شخصية ثائرة على كل ما يحيط بها، وترغب في طرد المستأجرين وإعادة أموالهم التي دفعوها، يثبت الضيف جورج ( الملون) أنه شخص جيد ، حين يصاب الابن (آرشي) وتتساقط أسنانه نتيجة الأصوات الحادة التي تنطلق بين الحين والآخر، يسعى مع الأب (كلاي ) في البحث عن علاج لدى الجيران، لكن الجار يتحول إلى شخص عدواني تماما ويهدد الجميع بالقتل إن لم يبتعدوا.

الأزمات تكشف الناس علي حقيقتها

معظم أحداث الفيلم تدور داخل المنزل الفاخر الذي ستتحول الحياة فيه إلى كابوس. في لحظة تنقلب كل مشاهد الراحة إلى توجس وخوف . خلال الأزمات تتكشف حقيقة العلاقات الأنسانية بين البشر وتنكشف
الناس على حقيقتها . مجموعة تتعاون وتمد يد العون الى الاخرين من أجل تجاوز المحنة . وأفراد تملؤهم الأنانية والروح الإنسانية شبه معدومة ولايفكرون ألا بخلاصهم ونجاتهم وحدهم وليذهب الآخرون الى جهنم . لا شيء يجمع بينهم لا كارثة ولا خوف ولا محبة. حتى هذا النفور والتناقض موجود داخل أفراد العائلة الأم مشغولة بشكها وقلقها دون أن تثق أو ترحم. الأب أو الزوج أكثر إيجابية لكنه لا يتفق مع آراء زوجته. الإبن يعيش في عالمه الخاص الفارغ التافه والإبنة لها عالمها الخاص البعيد كل البعد عن عالم عائلتها ولكنها قادرة أن تستشعر الخطأ والخوف قبل غيرها. وكأن هذه الطفلة أكثر الهاما وأكثر يقظة من غيرها . حتى المصيبة لا تكون حافزاً للجمع والتوحد وألرحمة بين البشر . حين تبدأ الأحداث بالاحتدام والعالم يقترب من الفناء. تنهار القيم وتبدأ النفوس بالتغير رغم ما يجمعهم من مصير واحد الذي يبدو أقرب إلى الفناء. وبالتحديد حين يأتي صاحب البيت المؤجر مع ابنته ليشاركهم المبيت، لأن الرحلة إلى المدينة مستحيلة بسبب انقطاع التيار الكهربائي .وتبدأ احداث الانهيار تظهر: تعطل في الانترنت وأقنية التلفزيون والهواتف. الطرقات تعج بالسيارات المتصادمة حركة الطيران تنهار وتسقط الطائرات حتى الحيوانات تبدأ بالهجرة. يبدأ العالم من حولهم بالانهيار وكل شخص يظهر على حقيقته.

في الختام :

الفيلم انتقاد قوي للمجتمع الامريكي والمراهقين، وكذالك نقد لمجتمع استهلاكي ونشوء جيل متبلد المشاعر واناني منفصل عن الواقع .. السوشيال ميديا والمسلسلات والفاست فود هما حياته .. فيلم يدق جرس الانذار لمستقبل العالم ، كونه متصدع تسوده الكراهية والأنانية وتحُكّم فئة معينة بمصير هذا العالم وهي قادرة على السيطرة وتقويضه ساعة تشاء . أنه نظرة سوداوية للمستقبل العالم .