رد على المعترضين على مقالاتي عن المسيحية


نافع شابو
2024 / 1 / 28 - 21:53     

في مقالة لي بعنوان"اللاهوت المعاصر بين الأيمان والعلم “المنشور في موقع الحوار المتمدن (راجع الموقع التالي)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=782122
ردّ احد ألأخوة وعلّق على المقالة مشكورا وفي الحقيقة كان التعليق رائعا وفكّرت منذ ذلك الوقت أن اكتب مقالة كجواب لهذا الأخ وغيره من المعترضين على المسيحية . وفيما يلي
تعليق الأخ -- (candle ) وهو باسم مستعار:

"تحية طيبة : من يقرأ للسيد شابو يصاب بالدوار
فمعظم مقالاته تبشيرية ودعوة لمسيرة الخلاص للانسان الذي احبه الله وافتداه.
ويدعم دعوته هذه بمقولات او استنتاجات بعض العلماء المؤمنين بوجود خالق ومصمّم ذكي .
ان ما تروج له الاديان هو ببساطة:
الخلاص.. مكافأة الابرار بحياة ابدية... معاقبة الاشرار بالجحيم
هل للمؤمن ان يضيف اكثر من غاية الاله هذه؟ طيب انا واحد من الملاين اسأل هذا الاله
اين العدالة بأن تخلقني بغير ارادتي اذا كنت تحبني وافتديتني؟ ثم اذا كنت تحبنا وتفدينا لماذا خلقتنا في الحياة الارضية بمعاناتها والامها ومصائبها ؟
أليست الغاية هي حياة ابدية؟ لماذا لم تختصر الحياة الابدية لمن تحبهم دون الحاجة للحياة الارضية وعملية الخلاص والفداء والالم والمعاناة وحرق البعض ؟
قبل ولادتي لم اشعر بأي معاناة وألم ، فما الفرق قبل الظهور للحياة عن جنتك ؟" انتهى الأقتباس"

تعليقي
أولا: نعم معظم مقالاتي عن المسيحية هي تبشيرية وكلمة التبشير في المسيحية يعني الخبر السار أو البشارة السارّة (الأنجيل باليوناي). والخبر السار هو بشرى خلاص الأنسان الذي اتى به يسوع الذي يشير اسمه (ايشوع) أي المخلّص. فالمسيحية ليست ديانة بالمعنى المتعارف عليه حيث هناك قوانين وشرائع وطقوس بل المسيحية الحقيقية هي علاقة خاصة بيسوع المسيح الذي كشف لنا حقيقة الله الخالق، وهناك مثل يقول :" قُل لي من هو القدوة لك أقول لك من أنت" .
يقول يوحنا الرسول: "ونحنُ رأينا ونشهد (شهود عيان) أنّ الآب أرسل إبنه (يسوع المسيح) مُخلِّصا للعالم"(راجع 1يوحنا 4 :14)
"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يو 3: 16).
خطة الله هي تقديم الخلاص لجميع الناس وتجلّت في قيامة ربنا يسوع المسيح من الأموات. هذه القيامة اثبتت أنّ يسوع المسيح له سلطانا على الخطيئة والموت. ورغم ذلك فما زالت خطة الله خافية على غير المؤمنين لانَّهم يأبون قبولها أو يفضّلون تجاهلها، أو لأنهم لم يسمعوا بها "1كورنثوس 2 :7"
إنّ حُب الله الآب دفعه الى أن يرسل الأبن (يسوع المسيح) ليخلّص، لا ليدين، فالبشر هم الذين يُدينون أنفسهم بموقفهم تجاه هذا الحب، وهذا النور اللذين عرضا عليهم
ثانيا: الأخ أدّعى اني أروّج بان الله يعاقب الأشرار بالجحيم. هذا ليس صحيحا فمن أنا حتى أُدين الناس مهما كانت عقيدتهم او ديانتهم أو مذهبهم؟ . المسيح يقول لنا "«لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا،" (مت 7: 1". وكذلك يسوع لا يعادي حتى من يُعاديه عندما يقول: "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،" (مت 5: 44". عندما يسيء إلينا أحد، كثيرا ما يكون أول رد فعل هو أن نأخذ بثأرنا كاملا، ولكن الرب يسوع قال إنّنا يجب ان نحسن الى من يسيئون إلينا! لا أن نتّجه الى الرغبة في التصرف بالمثل، بل أن نحب ونغفر ، وهذا ليس امرا طبيعيا ، ولكنه فوق الطبيعة ، والله وحده هو الذي يمنحنا القوة لنحب كما يحبُّ هو ، وبدلا من التخطيط للأنتقام ، صلِّ من أجل الذين اساءوا إليك . ويسوع نفسه صلى من اجل ان يغفر ابيه السماوي للذين صلبوه، لرؤساء اليهود والحكام الرومان والجنود، وجمهور المشاهدين. واستجاب الله لهذه الصلاة إذ فتح طريق الخلاص حتى لقتلة المسيح وصالبيه" يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ "لو 23: 34" . وقد قال قائد المئة والجنود الرومان الذين شهدوا الصلب: " حقا كان هذا ابن الله " متى 27 :54"
يقول الراحل بولس فغالي، وهو عالم في الكتاب المقدس: إنّ إلهنا اله العائلة ، ( مثل األأب والأم ) فهو خلقنا ونحن نحمل صورته أي أبنائه فكيف يريد ان يهلك أبنائه؟ هل يوجد أب أو أم يريد أو تريد هلاك حتى أبنائها المتمردين ؟ للأجابة على هذا السؤال نرجع الى المثل الذي قاله المسيح عن الأبن الظال الذي رجع الى أبيه بعد أن تمرّد على ابيه وعانى من الام الغربة ، كما جاء في انجيل لوقا "15 : 11 – 342" .وبينما الأبن راجع وكان بعيدا عن بيت ابيه، رأه ابوه. فخفق قلبه بقوة وركض وحضنه وقبّله. فبدأ الابن يتكلم " يا ابي لقد اخطأت ضد الله وامامك ولا استحق ان ادعى لك ابنا بعد ". لكن الأب لم يكن يسمع لكلامه لانه كان يدعو خدامه قائلا " أسرعوا، احضروا له ملابس جديدة ونظيفة والبسوه. ووضعوا خاتما في يده وألبسوه حذاء جديدا واحضروا العجل المسمن واطبخوه لاننا سنحتفل وسيكون لنا وقتا ممتعا لان ابني هنا، كان ميتا والآن حي كان ضالا والآن وجد "، وبدأوا يحتفلون.
نعرف أن الله يحبنا من خلال الصليب: "وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا" (رو8:5).
" لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا" روميا5: 5". يلاحظ القديس أغسطينس أن "كل الكتاب المقدس لا يفعل شيئا سوى أن يخبرنا عن محبة الله". يكتب رانييرو كانتالاميسا: "هذه هي الرسالة التي تدعم وتفسر كل الرسائل الأخرى.
محبة الله هي الرد على كل "الاستفسارات" في الكتاب المقدس: لماذا الخليقة، لماذا التجسد، لماذا الفداء. إن كان يمكن تحويل كلمة الكتاب المقدس المكتوبة إلى كلمة منطوقة وأن تصبح صوتا واحدا منفردا، فإن هذا الصوت، الأقوى من كل هدير البحار سوف يصرخ قائلا: "الآب يحبكم!" (يو27:16). كل ما يصنعه الله ويقوله في الكتاب المقدس هو الحب، حتى غضب الله ليس سوى محبة. فالله محبة!"
يقول كوستي بندلي في كتابه الله والشر والمصير عن الصلاة من اجل الآخر:
جهادنا وجهاد كُلّ إنسان في هذه الأرض هو أن يصلّي ويطلب من الرب خلاص كُلّ الناس. فالصلاة التي علّمها يسوع لتلاميذه هي "أبانا الذي في السماء" التي فيها يطلب الأنسان من الله أبيه وخالقه فيقول "لِتَكُن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض “. هذه الصلاة التي يصلّيها المؤمون للآب السماوي تختصر كُلِّ رجاء البشرية لأنَّ" الله يريد أن يخلص جميع الناس وأن يقبلوا الى معرفة الحق"راجع رسالة بولس الرسول الى تلميذه تيموثاوس الأولى الفصل الثاني الآية 4).
إذن عندما نقول "لتكن مشيئتك (يار ربي) كما في السماء كذلك على الأرض" فإنّنا نُصلّي: كما الذين في السماء ليخلص جميع الذين على الأرض، أيُّها الآب بمعرفة اسمك “.
يقول الرب يسوع في انجيل لوقا: فَمَنْ مِنْكُمْ، وَهُوَ أَبٌ، يَسْأَلُهُ ابْنُهُ خُبْزًا، أَفَيُعْطِيهِ حَجَرًا؟ أَوْ سَمَكَةً، أَفَيُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ السَّمَكَةِ؟ أَوْ إِذَا سَأَلَهُ بَيْضَةً، أَفَيُعْطِيهِ عَقْرَبًا؟ فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ، يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ؟» لوقا 11: 11 -13".
يشرح القديس اسحق السرياني (الذي عاش في قطر) ماهي الجحيم، اذ يقول: الجحيم شبيه، في هذه الدنيا، بمعاناة صديق يتألّم لكونه لم يستطع التجاوب مع مودَّة صديقهُ، ويقول إنّ المحبّة الإلهية اللامتناهية تصبح من جرّاء وضوحها الكُلّي، عذابا لا يُطاق للذين لا يستطيعون تلقّيها في دواخلهم للذين يرفضونها. ويقول يوحنا السُلّمي: “أن يبلغ الكلُّ الإنسلاخ الكامل، هذا مستحيل، أمّا أن يخلص الكُلّ ويُصالحوا مع الله فهذا ليس بمستحيل"
فلا حدود لرجاء الأنسان للخلاص، لأنّ ذلك يعني وضع حدود للقيامة، أي الحياة بعد الموت الجسدي. آبائُنا في الأيمان كانوا، (ولا زالت الكنيسة) يُصلّون في رجاء قيامة ونجاة من العذابات كلّ البشرية، ويطلبون الراحة في مكان انتعاش حيث يمحي الله كُلّ الم.
يقول أوليفيه كليمان:"كانت صلاة "الكنيسة القديمة " في يوم العنصرة (يوم نزول الروح القدس على التلاميذ )حيث كان المؤمنون يردّدون في صلاتهم :" أنت الذي تتنازل أن تستمع الى صلواتنا الأستغفارية من أجل المضبوطين في الجحيم، وتُعطينا الرجاء الكبير بأن نراك تمنحهم النجاة من العذابات التي تُرهقهم ...أعطهم الراحة في مكان انتعاش حيث يمحي كُلِّ ألم ".ويضيف اوليفيه كليمان : "أصبح الخلاص الشامل همّ أعظم القديسين ، الذين يعرفون أنّ المرء لا يخلص وحده بل بالشركة مع الأنسانية جمعاء المقامة من الموت بقيامة يسوع المسيح".
وجاء عن القديس سمعان هذه الصلاة:"بالنسبة اليّ فالآلام لاتُخيفني، إنّما ما يُخيفني حرمان الله للخطاة من نعمته ...إنّني مستعد للصلاة ليس من أجل كُلّ المسيحيين وحسب، ولكن من أجل الذين لم يُعمّدوا أيضا. فعليهم جميعا أشفق بهذا المقدار! وعلى المشنوقين والمنتحرين ...على كُلّ الأموات أُشفق.. “
بالصلاة نحمل الله الى الآخر، حيّأ كان ام راقدا. إنّما يعود لهذا الآخر أن يتقبّل بحريّته الله الذي نحمله إليه بالصلاة، كما أنّه يعود له أن يتقبَّل الله الذي ننقله اليه بالتعليم او القدرة او بمحبّتنا له. وقد يتقبّل الآخر الله الذي يأتيه عبرنا أو يرفضه. سرُّ الحرية لايزال قائما في الآخرة كما هو قائم في الحياة الحاضرة. فإذا تحجَّر إنسان ما في رفضه لله، فهذا، سواء في هذه الحياة أو بعد الموت، لايسعه أن يتقبّل الله الذي نحاول أن ننقله إليه بصلاتنا. هذا الموقف الرافض لله في العمق هو ما سمّاه الأنجيل "التجديف على الروح القدس “، وقال ان مرتكبه لايُغفر له لا في هذا الدهر ولا في الدهر الآتي (راجع متى 12: 31-32)(لايغفر له لا لشيء سوى لانه بالضبط غير منفتح الى الغفران ).
ولكن من هو المصرُّ على رفض الله؟ لا نعرف. وهل سوف يبقى إنسان ما رافضا لله الى الأبد؟ لا نعرف. من هنا إن صلاتنا إنّما تُرفع عن جميع الراقدين بدون استثناء وبغض النظر عن دينه ومعتقده لان الله خلق البشرية على صورته كمثاله وهو لن يتركنا أبدا.
من هنا إنّ الله، وإن كانت لا تطاله مصيبة. يعاني، حُبّا بشكل يستحيل علينا تصوّره (كون الله يفوق كلّ تصور)، من مصائب الكون، وبنوع أخَصّ، من مصائب الأنسان، الذي خصّه بصورته وأتّخذه بالتالي حبيبا بامتياز. لذا يتجرأ المطران كاليستوس وير فيقول:"إنّ دموع الله تنضم الى دموع الأنسان". لا بل يمكن أن نقول إنّه، لكونه يحبّنا أكثر مما نُحبُّ أنفسنا، الى حد أنّه، كما علّمنا يسوع، يهتم بكلِّ شعرة من شعرات رؤوسنا. " لابل شعر رؤوسكم نفسه معدود باجمعه" لوقا 12: 7" ومتى 10 :30". وبالتالي فإنّ الله يعاني من آلام كُلّ واحد منّأ اكثر مما نعاني نحن (راجع امثال المسيح في العهد الجديد عن مثل الأبن الظال والخروف الظال. الخ). هذا ما أخذ لاهوتيّو اليوم يعونه ويعبّرون عنه بشكل متعاظم. (راجع ص 321، 322).
فإلهنا ليس مصدر المصائب، (كما يعتقد الكثيرون ) ويعلمنا الرب يسوع المسيح أنّ الله ، بالحقيقة ، لايُعاقب أحدا . إنّ شرّ الأنسان يرتدُّ عليه ، بالطبع ، في الدنيا وفي الآخرة ، ولكن ما يبتلى به آنذاك ، ليس الله مصدرهُ بحال من ألأحوال ،إنّما هو ناتج عن إغترابه هو عن نبع الحياة ، وضياعه بالتالي في صحراء العدم " انتهى الأقتباس"