قراءة في مجموعة - أنفاس مستعملة - للقاصة : غادة صلاح الدين


محمود حمدون
2024 / 1 / 23 - 10:20     

" أنفاس مستعملة"
إعادة قراءة
===
القص سمة لصيقة بالبشر, فكلنا يملك قدرة على القص, غير أننا لا نملك جميعًا مهارة الغزل والنسج, أقصد غزل المعاني والمفردات ونسجها في شكل قصصي يسيطر على عقل القارئ ويدفعه دفعًا لقراءة النص مرة وراء أخرى.
أزعم أن الدهشة هي الأداة التي إن امتلكها القاص مع الخيال, فإننا نكون أمام قصص قادرة على البقاء, أقصد أن تنير في نفس القارء مع كل قراءة زاوية معتمة أو تلفت نظره إلى ما لم يره من قبل.
ذلك حالي مع مجموعة قصص "أنفاس مستعملة", قرأتها في بدايات خروجها من المطبعة, كتبت عنها, تأثرت بفكرة أن الكاتبة حين تكب فإنها تتفاعل مع الحدث الجاري وتراه بعين المرأة , أن الأدب النِسوي لا يمكن حصره في صراع تقليدي للمرأة مع الرجل, لكن أومن أن هذا النوع من الأدب له منظور أشمل في التفكير, في طرح الرؤى المغايرة للقضايا الموجودة.
هكذا فعلت غادة صلاح الدين, في مؤلفها "أنفاس مستعملة", مزجت بين الرؤية النسوية في تشريح بعض قضايا المجتمع, وبين تفعيل مفهوم المثقف النوعي, ذلك الذي لا ينفصل بوعيه عن قضايا ومشكلات مجتمعه.. يتفاعل معها بقوة لكن لا ينبغي أن يطرح حلولًا, فتلك ليست مهمته, ولا يملك أدوات الحل.
وحتى لا أقع في فخ تكرار ما قلته عن " أنفاس مستعملة", أعدت قراءتها من جديد, للوقوف على الفكرة الرئيسة وراء العمل بكامله, أيقنت أن " أنفاس مستعملة", مجموعة قصص تثير بين صفحاتها قضايا جريئة بعضها يندرج تحت باب المسكوت عنه, بعضها عن التديّن الشكلي, التناقض بين الفعل والقول. منها عن قضايا المُتْعَبين في المجتمع, هؤلاء الذين أراهم الآن كالمنبت لا أرضًا قطعوا ولا ظهرًا تمكنوا من البقاء عليه.
لكي تقرأ " أنفاس مستعملة", عليك أن تتحرر من تصوراتك الذهنية المسبقة, سواء عن القضايا المثارة بداخل المجموعة, تخفف قليلًا من تحيّزك للنوع, ولا تبخس القص النسوي حقه في التناول السردي الفريد للتابوهات الموجودة.
وأخيرًا تحضّر لقراءة "أنفاس مستعملة", وأنت على يقين بأنك أمام عمل قصصي مميّز. ربما تثير " أنفاس مستعملة" أعصابك, لعلك ترفض بعض ما جاء بها, بتأثير قناعات دينية أو غيرها, لكنك لا تملك إلّا أن تتفق معي أنك أمام مجموعة قصص تمثل نقلة نوعية للكاتبة.