الكاتب والبطل في رواية -امرأة تجهل أنها امرأة- حنا مينه


رائد الحواري
2024 / 1 / 22 - 01:16     

الكاتب والبطل في رواية
"امرأة تجهل أنها امرأة"
حنا مينه
الحرب موجعة ومرهقة ومتعبة، لمن يخوضها ولمن يُعنى بها، فما يتعرض له أهلنا في غزة يتبعنا ويؤلمنا، لهذا لا بد من استراحة للمقاتل ولأهله، من هنا جاءت هذه رواية، فالسارد استطاع إمتاعنا من خلال سلاسة السرد واستخدامه لغة بسيطة تأخذنا إلى شخصيات روائية قديمة، فهناك بطل مطلق ونبيل "نمر" وهناك امرأة عاهرة "رئيفة" يعطيها عطاءً غير محدود، رغم معرفته بأنها تستغله وتتعامل معه من باب (النهب) وأخذ أكثر من حاجتها بكثير، ومع هذا يبقى يعطيها ويكرمها.
اللافت في الرواية أن الكاتب "حنا مينة" يعطني نفسه صفات البطل "نمر" الصحفي المشهور والمعروف للكل، والذي يُعامل بطريقة استثنائية من قبل الكل، حتى من هم خارج وطنه سورية، وتم الإشارة إلى هذا الأمر بطريقة غير مباشرة: "يكفي أن يكون البحر هنا... لتكون هنا، أنت، كما تقول: من اللجة الزرقاء خرجت، لتكون سفير الماء إلى اليابسة" ص162، وبطريقة مباشرة وواضحة: " ـ أنا نمر الصاحب، صحفي سوري.. أسكن دمشق العاصمة، لكنني ابن اللاذقية في الأصل، هاجرت مع عائلتي من اسكندرونة عام 1939، في نهاية شهر أيلول، وعملت أجيرا في مهن مختلفة، ومنها الحلاقة، بحار، حمال في المرفأ" ص170، فكل هذه المعلومات حقيقية ومتعلقة بحنا مينه، وإذا علمنا أن الرواية صادرة في عام 2009، نعلم أن الكاتب كان يستعيد ذاته ككاتب، ويستعيد الأبطال في رواياته من هنا وجدنا "نمر" البطل المطلق، الكريم/ النبيل الذي يعامل عاهرة مثل "رئيفة" بكرم ونبيل ويعطيها كل ما تريده وتحتاجه من مال، وهو بهذا يؤكد أنه شخص يكرم المرأة حتى لو كانت غير سوية، فما بالنا بالمرأة السوية!
لواء الإسكندرونة
رغم أن أحداث الرواية متعلقة بعلاقة "نمر برئيفة" إلا أن السارد أشار إلى سورية الإسكندرون وسكانه، فهم مواطنون سوريون: "ـ نحن عرب، رغم أننا نعيش في تركيا... ولم ننسى عاداتنا العربية في إكرام الضيف" ص47، بهذا اللغة تحدث "سامي" قريب "نمر" عن وضعه كسوري وكإسكندروني، فهو يعتبر نفسه سوريا وينتمي لها، لهذا أشار إلى العادات العربية.
كل احتلال استيطاني يعمل على محو تركيبة الشعب الأصلي، ووضع لغة وأفكار وتسميات وثقافة جديدة للسكان وللمكان ليزيل كل المعرفة والثقافة الأصلية، هذا الأمر تمارسه دولة الاحتلال في فلسطين، وإيران في الأحواز، وتركية في الإسكندرون، وإسبانيا في سبتة ومليلية، نتيجة هذه التغييرات نجدها في هذا المقطع: "لاحظ نمر أن أهله يتكلمون التركية بأسهل مما يتكلون العربية، ولغتهم العربية فيها لكنه.. أما أولادهم فإنهم يفضلون التركية، وليس في مقاطعة هاناي ولو مدرسة واحدة تعلم اللغة العربية، فهذا ممنوع أصولا" ص50، هذه التغييرات متعلقة بالسكان ولغتهم، لكن هنا تغريب/تغييرات متعلقة بالمكان أيضا من خلال تغيير الأسماء والمعالم: "سأزور عائلتي في السويدية، وهي عائلة كبيرة جدا.. إلا أن السويدية، أو "سمان داغ" كما تسمى الآن، ليس فيها فندق واحد، هل يعقل هذا!؟" ص86، وبهذا تكون المناطق/الجغرافيا العربية المحتلة بمجملها تعامل بالطريقة عينها من قبل المحتلين، بصرف النظر عن الفكر الديني الذي يتبنوه، فالهدف عندهم واحد: الاستيلاء على الأرض وتغريب السكان وسلخهم من جذورهم ليكونوا "إسرائيليون، إيرانيون، أتراك، إسبان" وبهذا يكون السارد قد نوه إلى وجود شعوب وأراضي عربية محتلة وعلى الدول العربية استعادتها بالطريق المناسبة.
البطل المطلق "نم" والمرأة "رئيفة"
يمكن أن تكون شخصيات الرواية من أقل الشخصيات الروائية في أدب حنا مينه، وذلك لتحديدها لتمحورها حول "نمر ورئيفة" ورغم التناقض في طبيعتهما، فهو صحفي معروف وله مكانته في المجتمع، وبينما "رئيفة" بائعة هوى، وتتعامل مع "نمر" (كزبون مريش).
بداية العلاقة بينهما كانت واضحة "رئيفة" تتعامل معه على أنه رجل: "سأعرف ما إذا كان القلم الذي أريده جاهزا، أو صالحا لكتابة رسالة من النوع الذي يشفي غليلي!" ص88، بهذا الوضوح أشارت إلى ما تريده من "نمر" فهو بالنسبة لها ليس أكثير من (زبون) لهذا نجدها صريحة في حوارها معه، حتى أنها تخاطبه بلغة المرأة المحترفة والعارفة لمهنتها:
"ـ تنور أحمر!
ـ أحمر كالجحيم
ـ قلت لك خلصيني منها
، وبعد الخلاص منها؟
ـ تستمتع برؤية شيء صغير.. كالخاتم السحري" ص90، إذن هي تكشف طبيعتها رغم أن "نمر" أرادها أن تكون مديرة لأعماله وليس لجسده، ففارق العمر بينهما كبير، فهي في الأربعين وهو تجاوز الثمانين، كما أنه يعاني من الاحتقان الذي يحول دون قيامه بدوره كرجل، من هنا كان اللقاء بينهما غير كامل: "قفز من الفراش واتجه غلى حمامه.. تمطت، تأوهت، سمع صوت آهاتها، أدرك أنها لجأت إلى عادتها السرية" ص138، هكذا كانت العلاقة بينهما، رجل يستمع بجمال جسد امرأة، لكنه لا يقيم معها لقاء جسدي كامل.
البطل عليه أن يتجاوز ذاته وقدراته، لهذا يستعين "نمر" بالإرادة والمقويات ليكون رجلا كاملا فيقوم بواجبه كرجل معها، حتى أن اللقاء استمر ست ساعات متواصلة، فكان بهذا اللقاء يُكمل دوره كرجل نبيل وكريم وشهم: "وضع باسم رئيفة وجدان: ألف دولار أمريكي، و500 ليرة سورية" ص169، وعندما سألته عن هذا الكرم أجابها:
"إنما بعد يوم، يومين، ثلاثة أيام قد لا تعجبك الوظيفية، أو لا ترتاحين إلى الإقامة معي وتريدين العودة إلى تركيا، فكيف تعودين؟" ص169، بهذا الصورة نكون أمام بطل مطلق، نبيل وشهم وكريم، وقادر على تجاوز عجزه، وأمام امرأة مومس، تستخدم جسدها للحصول على المال، فالمال غايتها، لهذا استغلت كرم وطيبة ونبيل "نمر" حتى أنها أخذت منه مبالغ تكفيها لسنتين، ورغم معرفته بها، إلا أنه كان يواجه طمعها بكرمه، حتى بدا وكأنه يريد أن يقضي على جشعها المادي بالكرم والمزيد من النبل.
الرواية من منشورات دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2009.