الطاقات السلبية / كلام سريع


أمين أحمد ثابت
2024 / 1 / 19 - 00:14     

لم تعد تسمع هذا الاصطلاح المعاصر من واحد واحد من النخب المثقفة ، بل صرت تسمعه طريق . . طريق حتى من العامة و . . اهل بيتك وبشكل متكرر مرات عدة حتى خلال الأسبوع الواحد - وكأنه اخر موضة من موصفات العصرية للمرء في المعرفة والثقافة الإعلامية الفضائية المدولة سطحيا وبصورة قشرية حكمية وليست كمعرفة علمية .

وكان الاستهلاك الثقافي المعرفي ( المجوف ) عربيا قبل هذا الاصطلاح ، ويعشق استخدامه بدء افراد النخب المجتمعية العربية ومن ثم عمم مجتمعيا كلفظ مستحب عند العامة - طالما وأن شيوع المعرفة اخباريا وتعريف مقتضب سهل عبر الفضائيات والنت . . وهم انسان المجتمع العربي تساوي المعرفة والثقافة بين الجاهل والمتعلم ، بين المتثقف بالمعرفة منهجا وتتبعا وممارسة مجالية او تعلما وبين العامي الكاره للفكر والتفكير والعلم ، والعقل بالنسبة له تلقى الموجهات له وترديدها ببغائيا بسطحية مختزلة مطلقا ، وفي السير في نسقه الآلي لممارسة حياته وعلاقاته - كإملاءات الواقع والظروف والتقاليد والاملاء السلطوي والخداع المعرفي العقلي السطحي الموجه إعلاميا او سياسيا او حتى مجتمعيا - كان اللفظ الاصطلاحي افتراضا مثل ( التشاؤم ، السوداوية ) . . الخ - كون استخدامها المشترك محببة استهلاكيا لتظاهر بعض ( المجوفين ) باتصافهم بالحكمة والمعرفة ، لينظروا خواء توصيف غيرهم ب ( المتشائمين او السوداويين ) حينما يكشفون حقائق موجعة او تعرية ما لا يجرأ احد على الخوض في تلك الأمور او يخاف التحدث عنها .
فالتشاؤم والسوداوية او اليأس - ( الاتهامية ) - هي نتيجة بذات الحكم . . أن تضع او تعمم ( اقوالا او احكاما او أفكارا او تصورات . . الخ ) تشيع تأثيرها المحبط وفقد الثقة - بالواقع ، الحياة ، الامل او الاحلام - ويكون هذا التأثير المشاع على الاخرين . . كما لو انه نشر وتعميم او تسييد حالة من ( الطاقات السلبية ) - او التشاؤم او اليأس او السوداوية - التي تفقد انسان المجتمع المتلقي انقيادا نوعا من انعدام الثقة بأي شيء او امر ، وسجنه في واقع وحياة ومشاعر وتصورات ( جمودية الحياة ) وثبات الواقع والحال والعيش بما هو قائم كمتكرر ثابت - ماضيا وراهنا ومستقبلا - حتى لم تترك هذه الاصطلاحات - المستخدمة بمحبب عشقي في الاتهام - حتى على النطاق الديني المجتمعي ، حيث يصبح مفهوم هذه الاصطلاحات الافتراضية كما لو انها مخلف شيطاني يوبئ المكان ويدمر حياة من يوجد في ذلك المحيط المكاني - داخل البيت والاسرة الواحدة ، او في محيط العمل او المجتمع او الثقافة او العمل الحزبي - وأن هذا المخلف التأثيري يمثل شرا يجب علاجه . . حتى على الصعيد النفسي ، فإن مدعيي الدين يجدون كذبة نفعية بيع تدينهم بمحاربة هذا الشر كحال كحرب على الشيطان ووجوده - داخل المنزل وخارجه - بالقرآن وخطابات الدين المغالية باتهام ( قائلي الحقائق المحرم كشفها والخوض فيها ) بأنهم صوت الشيطان ممسوسين ينفذون مشيئته بتدمير المجتمع والقيم ويعادي الدين ويسعى نحو محو ايمان المرء بالله وقدرته على تغيير الاحوال - حتى اصبح تعبئة المنزل بالبخور وتلاوة القرآن كحرب على الطاقات السلبية المشبع بها المنزل ، تطهيرا للبيت ولنفسية ساكنيه .

إذا ، فليس هناك فرق بين الالفاظ الاصطلاحية ( السابقة والمعاصرة الحالية ) ، فهي يقصد بها ذات مخلف التصور او الاعتقاد او الاحكام او الحالة النفسية المتلبسة على المرء - الفرد او الجماعة - ولذا فبطبيعتنا الاستهلاكية الناقلة واللوك للفظ كنوع من الموضة لا اكثر ، فحين جاء لفظ التشاؤم ليحل محل لفظة اليأس تم شيوع تداول استخدامه ، ومثله لاحقا حين جاء لفظ السوداوية او الظلامية لتحل محل اللفظ السابق - اي التشاؤمية - تم ترويجه كسلعة لفظية معرفية محبب اقتنائها واستخدامها بدلا عن السلعة اللفظية السابقة ، وحتى وصلنا راهنا للفظ الطاقات السلبية لتحل تحبيبا واقتنائها كسلعة لفظية بادعاء المعرفة لتحل محلل سابقه من اللفظ - بينما مستبدل هذا الاحلال اللفظي على الصعيد الفكري او الاكاديمي المعرفي . . لا يعني سوى ( التوقيع الزمني ) لمستخدم الاصطلاح في تداوله المعرفي ، خاصة ونحن في زمن وحدة الإرث البشري المخزون والتطوري للمعرفة والمعلومات - في العلوم والتكنولوجيا والانسانيات - وتلاشي الحدود الفاصلة فيما بينها باختلاف المجتمعات وثقافاتها وفوارق التاريخ الزمني من عمر تطور المجتمع الانساني - حيث تحكم احدى القواعد العلمية المنهاجية لتداول المعرفة ونشرها ، أن تتحرك مفرزات المعرفة بكل الوانها بما فيها البحثية على اخر ماوصلت اليه المعرفة - المجالية والعامة - بما فيها الألفاظ الاصطلاحية او المصطلحية التي وصل اليها ويتم التعامل بها ومن خلالها .