نوال السعداوي


شروق أحمد
2024 / 1 / 15 - 18:53     

كم أشتاق أن أكون في زمن والدي نعم إني أشتاق لزمن لم اعشه ولم أحيا فيه، زمن طه حسين، نجيب محفوظ وآخرين منهم كانوا رموز التحرر الحقيقي وليس اليسار العربي الذي تارة يتخندق مع الإسلام السياسي والثورات الظلامية وتارة تراه مع الثورات الظلامية فقط للأنتقام من النظام الحالي، بل أشتاق إلى زمن لم أعشه بل عشت معه على صفحات الورق وصفحات الروايات أو مقتطفات من الزمن الجميل الراقي على اليوتيوب. كم أتمنى أن أكون في عصر نوال السعداوي وسماع صوتها الذي يصدح ويصرخ بالحرية والمساواة وركل الدين من حيث لا يعجب رجال الدين والمجتمع الذكوري، كم أشعر بالفخر لسماعها وهي تتحدث بدون خوف عن حبها للحياة وعن دور المرأة خارج أسوار غرفة نوم الرجل ومطبخ الرجل والجلوس تحت قدمي الرجل كما كانت المرأة في الثلاثية للعظيم نجيب محفوظ، نوال السعداوي هي نجيب محفوظ بشكل آخر، كانت صوت عظيم بين عصابات الظلام، لم تخف يوماً من أفكارها بل عاشت وماتت وهي فخورة ومعتزة بكل نضالها كامرأة حرة. في حياتي من علمني أن أحارب من أجل حقوقي الكاملة وضرب كل الجهل والخداع عرض الحائط هو والدي الذي بالمناسبة هو من عرفني على نوال السعداوي، أوبرا وينفري، مارغرت تشاتر، قولدا مائيير وغيرهم من النساء القويات.
لماذا أخترت نوال السعدواي؟ ... ربما لأنها هي فقط في كل تاريخ حركات تحررالمرأة من الدين ومخالفه الدين من معتقدات ظلامية في حق المرأة أولاً وفي حق المجتمع ثانيا، هي امرأة حاربت كل الأفكار بالعلم و المعرفة و لم تخشى أو تهرب من قناعاتها في اي مرحلة من مراحل حياتها، و عندما أنطفأت شمعتها أصبح الفضاء الشاسع بلا نجمة، صحيح انها لن تموت او تختفي من حياتنا لأنها تركت ارث عظيم ستتوارثه جميع الأجيال، و لكنها عندما رحلت تركت فراغ كبير في حياة كل إمرأة تعاني من هذا المجتمع الذي يحارب كل ما هو مستنير ويقتل كل ما هو مختلف، لقد رحلت من كانت منارة و صوت قوي لاذع حاد لكل عقل رجعي و دواء لكل روح بشرية تريد الحرية، ولكنها باقية في الضمير الانساني و من المؤسف أنها حُربت من قبل النساء قبل الرجال في هذا الوطن العربي الغريب العجيب عندما تحارب امرأة من هي امرأة مثلها تدافع عن حقوقها و تدافع عن حقها في الوجود جنبا إلى جنب مع الرجل، فإذ تقوم المرأة نفسها بمحاربة تلك الأفكار بإصرار حتى تبقى خلف الرجل في كل شيء بدأً من الصلاة حتى الزواج و التعليم و الحرية الشخصية.
لو التفتنا هذه الأيام لن نجد صوت إمرأة واحدة أو صوت في الوطن العربي عالي النبرة ومن داخل الوطن العربي، صوت يصرخ مثل نوال السعداوي و هي تضرب كل الأعراف و التقاليد و الموروثات عرض الحائط، يوماً بعد يوم تختفي هذه الأصوات والحريات و لو رأيت صورة للعائلة في سبعينيات القرن الماضي وقارنتها باليوم سترى أن معظم من في الصورة تغير وأصبح الدين طاغٍ على صورنا وحرياتنا، حرم عيلنا أن نجلس مع زميل في العمل أو صديق و حتى حرم على البنت مجالسة ابن خالها مجرد نزول الدورة عليها، أصبح محرم الحب و الفكر و العلم، طغت نظريات المؤامرة مجدداً، أصبح الجيل العربي يحرم الصداقة و جيل الشباب اليوم لن يقبل على زوجته أو لن تقبل على زوجها أن تبتسم أو تسلم باليد على أحد افراد العائلة، أصبح حتى أختلاط العائلة حرام، النساء في مجلس والرجال في مجلس آخر، لو عادت نوال السعداوي اليوم لكانت ستحزن كثيراً لأن كل ماكانت تحارب من أجله أصبح واقع، كيف لمجتمعات كانت مستنيرة وحرة، حين كان العلماء والكتاب العظماء و المفكرين يخرجون من هذه الأمم و اليوم نعود إلى العصور الوسطى إذا كانت هناك معجزة فالوطن العربي هو تلك المعجزة، عندما كانت الجامعات العربية تخرج أفضل الأطباء والعلماء والكتاب والمفكرين من بيروت و بغداد و مصر أصبحت تخرج الدين والتطرف والطائفية والتحريمات. لذلك أصبحت الهجرة شيء لا مفر منه ليس هربا من الواقع لا بل لنعيش أحلامنا ونحقق طموحتنا كما فعل العديد من العرب العظماء من قبل، حين تتحول الحياة اليومية إلى حياة الحرام والعيب (حرام أن نترحم على مسيحي أو يهودي أو هندوسي فقد حياته، حرام الأحتفال بعيد الحب وعيد القديسين والكريسماس، حرام علينا الحب و حتى المطالبة بالمساواة في حقوق أساسية) اذا فهي حياة أولاد و بنات (سي السيد) .

لماذا أكتب هذه المقال بهذا التوقيت؟ لأني فتحت عيناي فجأة رأيت هذا الوطن العربي يعود ادراجه إلى حقبة الأقتصاد الإسلامي، مقاطعة فرضتها جماعة إيران والأخوان المسلمين المتشددة على عقول الشعوب المغيبة، فجأة نرى حقوق المرأة تداس من جديد وعودة الفكر الضال من الحرام و الحلال و حرم كل شيء على المرأة و حلل كل شيء للرجل من الزواج إلى العلم والحب و حتى الفن، أصبحت وللأسف الشديد المرأة نفسها تهرول وراء هذه الموجة الرجعية، موجة الحجاب وغيرة الرجل على المرأة و أصبحت تقبل أن تجري وراء الرجل في كل شيء وترضى فقط بالفتات فقط من أجل تقبل مجتمعها لها وعدم إغضاب الرجل في المجتمع سواء كان رب الأسرة، الزوج ، الأخ أو حتى الحاكم.

لذاك أشتاق لصوت نوال السعداوي لأنها كانت المرأة الوحيدة التي كانت تعطي النساء مثلي أمل بيوم جديد ومستقبل مشرق وصدى صوتها كان يخيف كل رجل أو امرأة تريد أن تعيش في الظلام، اشتقت لابتسامتها وإصرارها على كسر قوالب الجهل والظلام والدين، لذلك أحتفل جميع حراس الظلام وحراس الرجعية وأصحاب نظرية الرجال قوامون على النساء عندما رحلت هذه المرأة العظيمة والمفارقة عندما احتفت بها جميع الصحف والشخصيات العالمية ليكشف لنا في النهاية أن نوال السعدواي كانت آخرنبي للنساء في عالمنا العربي.