الحق في التظاهر


محمود حمدون
2024 / 1 / 14 - 22:48     

" الحق في التظاهر"

====
علا صوت الرتبة الأمنية الكبيرة في جهاز اللاسلكي يخاطب رئيسه: يا أفندم, التظاهرة كبيرة بالفعل, لكنها....
-لكنها ماذا؟
لكنها صامتة, الموتى لا حصر لهم, يلوحون بأكفانهم, يقبضون على الهواء بأصابعهم العظمية, تطق محاجرهم الخاوية في جماجمهم بشرر غريب يبعث الخوف في أنفسنا, شيء لم أر مثله من قبل, ماذا نفعل؟
-أتاه الرد في صورة حشرجة في الموجة اللاسلكية, بضعة حروف متناثرة لم يملك الضابط مهارة غزلها في عبارة مفهومة يهتدي بها.
حاول مرة ثانية ثم أخرى, غير أن الرد لم يخرج عن سابقه. أغلق جهازه, تغافل عمّا يحدث, تجاهل ما لا يقدر على معرفته, شخص ببصره إلى مئذنة مسجد" خوند أصلباي" تشاغل برؤية الأثر القديم, همس لنفسه: يكفي أن أقاوم الأحياء, لكن هؤلاء لا أعرفهم! هذه مهمة ثقيلة كهاوية ُدفعت إليها دفعًا.. بينما يقف أعوانه حوله على أهبة الاستعداد ينتظرون التعليمات.
اقتربت جحافل المتظاهرين من بوابة المقابر الرئيسة من جهة " المطافي " انتزعت الباب الحديدي الحديث الذي أقامته الحكومة منذ سنوات بحجة حماية حُرمة الموتى, ووقايتهم من عبث المخربين واللصوص, ثم اندفعوا يثيرون خلفهم وأمامهم غبارًا هو بقايا أسلافنا وجدودنا. فعلوا فعلتهم مع البوابة الأخرى المنتصبة في مدخل المقابر من جهة "البارودية". في ثورتهم أزالوا كل عائق مستحدث, حتى عاد الطريق بين المدخلين كما كان.
لم ينسوا أن يحطموا كافة الكاميرات الرقمية, أجهزة التنصّت التي زرعها الأمن في الزوايا والأزقة, على شواهد القبور, أعلى صهريج المياه القديم, على الأشجار العتيقة.
لم يرتفع أذان المغرب إلّا وقد عاد "باب الوداع" لسابق عهده, مقبرة كبيرة هادئة, لا تترصد المقيمين فيها أعين العسس, طاردة للمخبرين, حاضنة للهواء وكل باحث عن حياة.