في مواجهة سيول المشاريع الدولية والإقليمية على العرب أن يحذروا من الغرق في مطباتها


حسن خليل غريب
2024 / 1 / 12 - 00:05     

الصراع الدائر الآن، بعد عملية (طوفان الأقصى) منحصر بين طرفين -أميركي وتابعيه الصهيوني والإيراني من جهة، وعربي من جهة أخرى- لأن هذا الصراع يتهدد الأمن القومي العربي من دون غيره، فعلى الساحة العربية تحديداً تتسابق الدول الأخرى لاقتطاع حصتها من ثرواته.
أميركا تتدخل الآن، وكما قبله وما بعده، في كل شاردة وواردة فيما يجري في المنطقة العربية انطلاقاً من قطاع غزة في فلسطين المحتلة، بينما دول العالم قاطبة -الكبرى منها والصغرى- تعزف على الوتر الأميركي في إسهام منها لإطفاء الحريق الذي اشتعل في المنطقة منذ السابع من اكتوبر، وعلى وقع الزلزال الذي هزَّت فيه عملية (طوفان الأقصى) العالم من أقصاه إلى أقصاه.
بداية، وقبل البحث عن إمكانية وقوع العرب في أفخاخ تنصبها الإدارات الأميركية فيما تسعى إليه من حلول، لا بُدَّ من الإشارة إلى أن تلك الإدارة لها شركاء في دول الإقليم تتشاركان معاً المصالح. واحدة من أهم أولوياتها تأتي مصالح الرأسمالية الأميركية من جهة، وإذا اعتبرنا أن المصالح الصهيونية ترتبط ارتباطاً عضوياً مع مصالح الرأسمالية الأمريكي، فمن جهة أخرى نعتبر أن ثانية تلك المصالح يعمل نظام ولاية الفقيه على ضمانها لنفسه كشريك أساسي للولايات المتحدة الأميركية. وهذا العامل أصبح أكثر وضوحاً من خلال مشاركة ذلك النظام باحتلال العراق في العام 2003، وناب عن أميركا باستلام مسؤولية إدارة شؤون العراق في العام 2011، وتمكَّن من ترسيخ وجوده في العام 2015، خاصة بعد أن سوَّقت إدارة أوباما -الرئيس الأسبق لأميركا- في تحصيل الموافقة الدولية على المشروع النووي الإيراني.
إننا من دون معرفة ما أثبتناه في الفقرة السابقة لن نستطيع الوصول إلى تحليل أقرب إلى الواقعية لتحديد ما يتم التخطيط له في اليوم التالي الذي تنتهي فيه العملية العسكرية الصهيونية في قطاع غزة.
القضايا العربية سلَّة واحدة لا يجوز تجزئتها:
من الثوابت التي لا يجوز للعرب، أنظمة رسمية وحركات وأحزاب سياسية، أممية وقطرية ودون القطرية، أن تعتبر أن القضايا القطرية الملتهبة تندرج تحت سقف مصير واحد، لا يجوز العمل على توفير حلول مجتزأة. وهذا سقف لايجوز التنازل عنه. وذلك لأن اختراق أمن أية بقعة جغرافية عربية أم أية شريحة بشرية هو بمثابة اختراق لأمن الجميع. ولأن هذا الاختراق الجزئي سوف يتمدد كما يتمدد سطح الماء الهادئ إذا قذفته بحصاة واحدة.
واستناداً إليه، كما أكدت التجارب التاريخية، أن اختراق الأرض العربية بزرع الكيان الصهيوني في قلبها، وكما أكَّدت تجربة احتلال العراق على أطراف الحدود الجغرافية للوطن العربي، بتحالف أميركا مع نظام ولاية الفقيه، وبقراءة لنتيجة التجربتين، عمل الكيان الصهبوني على الحفر في الأمن القومي العربي مهدداً ليس اغتصاب أرض فلسطين فحسب، بل انطلق الاستعمار منها للتمدد على مقاييس المشروع الصهيوني بملخصه (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل).
وكذلك أكدت التجارب (أن مشروع إيران الخمينية ينص على تكليف نفسه بالدفاع عن المستضعفين في الأرض)، وهذا يؤكد مطامعه في الأرض العربية. وقد ظهرت نواياه الحقيقية بعد أن أوكل إليه (الشيطان الأكبر) مهمة حكم العراق في العام 2011، وإذا به بعد أن اخترق أمن العراق واستباحه، تمدد بسرعة قياسية للاستيلاء على أربع عواصم عربية، استكملها في الفترة الراهنة بالتدخل في الشأن الفلسطيني حتى ولو كان بشكل محدود انطلاقاً من قطاع غزة.
وإننا بقراءة متأنية لما حدث بعد زلزال عملية (طوفان الأقصى)، وخلافاً لكل التحليلات المتشائمة، نستنتج أن العرب، أنظمة رسمية وأحزاباً سياسية، نبتت لها أنياب مكنَّتها، أو هي على مسارات التمكين، وعلى العرب جميعاً أن يستفيدوا منها في لحظة ضعف شديد راحت تصيب بمقتل كل القوى المعادية للأمة العربية، وراح كل منها يعمل على درء الخطر عن نفسه، ولا نستثني أحداً منهم حتى أولئك الذين يعملون على إبراز أنفسهم من الرابحين.
في المرحلة التالية من بعد انتهاء تداعيات (طوفان الأقصى) الزلزالية لن يعود كما قبلها:
عندما نحسم بالقول باستخدام كلمة (لن يعود) بدلاً من كلمة (ليس كما)، يعني أن المتغيرات القادمة لن تنتظر أحداً لأنها سوف تحصل بالتأكيد، ومن يتخلَّف عن وضع تصور لقضيته فلومه على نفسه.
ولأن المتغيرات سوف تكون حتمية، راحت كل القوى المعادية للأمة العربية ترسم خططها لكي لا يفوتها قطار المتغيرات. وهل للأمة العربية لأنها الآن في مركز الاهتمام من جهة، وفي مركز القوة بسبب الضعف الذي يدبُّ في أوصال أولئك الأعداء، أن تضع خططها لفرضها على الطاولات التي ترسم في الخفاء مستقبل الشرق الأوسط الجديد، وفي القلب منه يحتل الوطن العربي الأولوية المطلقة؟
بداية لمحاولة الجواب على السؤال كيف نرى موازين القوى الدولية والإقليمية؟
إن التغيير في النظر إلى القضية الفلسطينية، خاصة بعد العدوان الهمجي الصهيوني على غزة، لفَّ العالم، شعبياً ورسمياً ومنظمات إنسانية، بشكل غير مسبوق. والحدث الأكثر إثارة كان في التغيير الذي برز واضحاً في الأوساط الصهيونية، حصاراً رسمياً وشعبياً عالمياً، وخلافاً استراتيجياً داخلياً بين مكونات حكومة نتنياهو من جهة، والتغيير الذي برز واضحاً في الأوساط الشعبية والرسمية في دول الغرب عامة، وفي الولايات المتحدة الأميركية خاصة، والدليل على ذلك كان الإرباك الذي نال من مواقف الإدارة الأميركية التي أخذت تسابق الزمن من أجل الترويج لحل القضية الفلسطينية على قاعدة الدولتين بحيث يتوفر عامل الاستقرار عند الشعب الفلسطيني، بعيداً عن إرهاب الآلة الصهيونية التي تستبيح أراضي سلطة أوسلو وشعبها كلما لاح في الأفق حالة تململ جماهيري فلسطيني.
هذا ناهيك على أن الخرق الكبير الذي حصل عليه النظام الإيراني في الكيان العربي، أصبح مهدداً بالتآكل لأنه يقوم على أسس خلق أوضاع أمنية مهتزة حيثما طالت يداه، وهذا الأمر يتنافى مع استراتيجية إطفاء النار في المنطقة العربية التي تعمل دول العالم، وخاصة الدول الكبرى المتنافسة على اقتسام المصالح في المنطقة العربية، على توفير ملاذات آمنة للرساميل التي سيتم توظيفها في المرحلة القادمة.
لقد وظَّف نظام ولاية الفقيه كل أدواته، التي بناها من ميلشيات مسلَّحة واختراقات واضحة للبنية الاجتماعية في الأقطار العربية التي وصل نفوذه إليها، من أجل الضغط العسكري المسرحي على أميركا في كل من العراق ولبنان واليمن، للمحافظة على ما راكمه من أرباح ومصالح سابقة. وهو يعمل الآن على الاستثمار بالقضية الفلسطينية، وكذلك بالقضية اللبنانية، للمحافظة على نفوذ أنصاره فيهما في تشكيل الأنظمة السياسية الجديدة في كل منهما.
ومن أجل كل ذلك، فإنه يُظهر نفسه بأن مفاتيح السلم والحرب في المنطقة يحتكرها في يده. يمارس تلك اللعبة تحت دخان أنشطة سياسية وعسكرية ومن أهمها في الوقت الراهن استخدامه لأكذوبة (وحدة الساحات). وإذا كانت الدول الكبرى راغبة في تهدئة الأوضاع في المنطقة العربية لأسباب إيجاد منطقة عربية خالية من الصراعات العسكرية لتوفير الأمان لـ(إسرائيل)، ولمصالحها الاقتصادية وبالأخص منها الثروة النفطية، فإن للولايات المتحدة حاجة قصوى لإبقاء العلاقة سليمة مع النظام الإيراني للمحافظة على دوره كـ(فزَّاعة) لدول الخليج لاستثمارها في ممارسة دورها في (الحماية بالإيجار) من جهة، واستثمار دوره الأيديولوجي في إبقاء جذوة تفتيت المجتمع العربي إلى شلل طائفية متناحرة كما رسمها مشروع برنار لويس النظري من جهة أخرى.
واستناداً إلى هذه الحقيقة، كان عنوان مقالنا منطلقاً من التحذير من أن تكون الولايات المتحدة الأميركية، سواءٌ أكانت جمهورية أم كانت ديموقراطية، إما أن تكون غبية في الرهان على دور لنظام ولاية الفقيه، وإما أن تقوم باستغباء الأنظمة العربية، بالتعتيم على حقيقة ذلك الدور. وعن ذلك وخلافاً لما هو معلن من مواقف أميركا في التشدد مع كل من حليفيها –(إسرائيل) وإيران- علينا أن نقرأ في الباطن عما يدور بينهما من تبادل للأدوار.
1-تكامل الأدوار بين أميركا و(إسرائيل):
من الحقائق التي لا يدحضها تصريح من هنا أو هناك، فإن ما يربط الطرفين، إذا لم يكن طرفاً واحداً، هي علاقة عضوية يعملان على هدف واحد مع اختلاف الوسائل. ولهذا ولأن حقيقة الأمر هي أن المتغيرات التي فرضتها عملية (طوفان الأقصى) على المستوى الدولي، والتي كان أكثرها إيلاماً هو انعكاساتها السلبية على المواقف الداخلية في كل من الساحتين (الإسرائيلية) والأميركية، الأمر الذي اتفقا فيه ضمنياً على مواجهة انعكاس تلك المتغيرات باتخاذ وجهة جديدة في وضع الحلول التي تعيد المنطقة إلى دائرة الهدوء الطويل نسبياً. ولذلك راحا يتبادلان الأدوار، بحيث تتخذ المواقف الأميركية جانب التهدئة، وتتخذ مواقف (إسرائيل) جانب التصعيد.
ومن أجل ذلك، تكثَّفت حركة المسؤولين الأميركيين إلى المنطقة حاملين (العصا الصهيونية والجزرة الأميركية). وبين هذه وتلك مما يمكن أن تتمخض عنه الحركة الأميركية من نتائج، سوف يبقى احتمال تفخيخ المشاريع بعوامل الاحتيال والخداع، الذي قد يدفع في المستقبل إلى تسويف وتلاعب في تلك الخطط لكي تصب في مصالح العدو الصهيوني.
2-تكامل الأدوار بين أميركا وإيران:
وكبداية للكلام عن هذا الجانب، لا بُدَّ من الإشارة إلى أن الموقف الإيراني من العلاقة مع أميركا استخدم فيه النظام المذكور كل ما هبَّ ودبَّ من الأكاذيب ووسائل الاحتيال والتقية لإخفاء حقيقة العلاقة العضوية بين الدولتين.
وبناء على ذلك، يُخشى، وقد تكون الخشية على مستوى اليقين، بأن المساومات بين أميركا وإيران ستؤدي خلف ستار المسرحية إلى اتفاقات تُبقى على عوامل التهديد للأمن القومي العربي.

كيف على العرب أن يواجهوا تلك الاحتمالات؟
1-ردَّاً على تكتيكات النظام الإيراني بشعار (وحدة الساحات)، التي صاغها من أجل فرض نفسه مقرراً في خرائط المنطقة، على العرب أن يتَّخذوا هدفاً استراتيجياً تحت شعار (وحدة المصير) الذي تتم ترجمته بالوقوف بكل صلابة في معالجة كل الخروقات التي حفرها النظام الإيراني في جدران الأمن القومي العربي. وذلك بالإصرار على إعادة وحدة الأقطار العربية التي قضى عليها نظام ولاية الفقيه عن سابق إصرار وتصميم. ومن أهم مظاهرها الخطيرة القضاء على كل مظاهر الميليشيات التي زرعها النظام الإيراني. علماً أنه ما دامت تلك الأقطار تعاني من تلك الميليشيات فإن أمن الأقطار العربية التي لم يطلها مقص الشرق الأوسط الجديد فإنها سوف تخضع لعمليات ذلك المقص إذا لم تُؤخذ استراتيجة (وحدة المصير العربي) بعين الاهتمام.

2-رفض العودة إلى تجربة اتفاقية أوسلو كحل لمشروع الدولتين:
ولأن المشروع طرحته السعودية في العام 2002، وهو يحوز الآن على إجماع دولي، طبعاً مع رفض إيراني مضمر لأنه يحول دون تدخل إيراني إذا تمَّ تنفيذه بطريقة سليمة، يبقى على الأنظمة العربية الرسمية من جهة، والفصائل الفلسطينية من جهة أخرى، أدوار في الوصول إلى الهدف بشكل سليم.
وكما سبق واقترحنا وسائل وعوامل تحت سقف (وحدة المصير العربي) الذي يقتضي اعتبار الحل القادم كسلة واحدة من دون تجزئة وذلك للحيلولة دون أي تدخل خارجي أياً كان شكله أو لونه، فإننا نعتبر أن القضية الفلسطينية -كقضية عربية مركزية- من القضايا المهمة التي على العرب جميعاً أن يدققوا في أي حل سترسو عليه، لأن الخطأ قد يؤجج الصراع من جديد، وقد لا تسنح للظروف المؤاتية الحالية أن تتكرر في المستقبل.
-ما يتعلَّق بالعرب أنظمة رسمية وجماهير شعبية وأحزاب سياسية:
فرض ترتيبات من أهمها تشكيل دولة فلسطينية ذات سيادة اقتصادية وأمنية بحضانة عربية وبضمانات دولية. واعتبار العرب معنيين بالضغط لتوفير تلك القواعد التي لا يجوز التلاعب فيها من قبل العدو الصهيوني.
-فيما يتعلق بالفصائل الفلسطينية:
ولأن ما بعد (طوفان الأقصى) لا يمكن أن يكون كما كان قبلها، اعتبار الدولة الفسطينية شأن لكل الفسطينيين وليس لفصيل من دون آخر، وهذا ما تقرره انتخابات ديموقراطية تختار القوى التي سيقع على عاتقها قيادة تلك الدولة.