تأثيل في جدل القبيلة والدولة والعمال


المنصور جعفر
2024 / 1 / 3 - 16:47     

يحاول هذا النص الإشارة إلى إمكان تأثير بعض العمال في تثقيف أوضاع القبيلة في حال السلم أو في حالة الحرب.


1 . جزء من علاقات القبيلة والحداثة:
تفاوتت قوة القبائل في أرياف ومدن السودان حسب عوامل كثيرة لعل من أهمها مستوى الحياة الحديثة، فإن كانت حياة منظومة الإسكان والخدمات كثيرة التعليم والأعمال والتجارة والأنشطة الثقافية ضعف تأثير شياخة القبيلة على حؤاة أبناء القبيلة وانحصر في أمور فولكلورية محدودة ومتفرقة. وإن كان مستوى الحياة الحديثة ضعيفاً زاد نشاط وتأثير شياخة القبيلة على أمور سكن ومعيشة وأمن وحماية وتجارة أفرادها وحتى على الحياة الشخصية لأفراد القبيلة.


2 . ضعف الدولة:
في فترة (1978 1988) زاد إطلاق حرية التملك والإستثمار التجارة بفعل خضوع الحكام لشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتوجيهات دول غرب أوروبا وأمريكا الشمالية وهي دول متكاملة الحداثة ليبرالية وامبريالية تعيش على الاستعمار الحديث والمضاربة بخيراته. وباجتماع إرتفاع اسعار النفط وهذه الشروط تضعضعت إمكانات المجتمع وضعف دور الدولة في تنمية الحياة والخدمات والأعمال وبار كلامها عن المساواة وعن التنمية وتآكل الباقي من فوائدها خاصة وانها منذ فترة 1924 قد فارقت أسس العدل بتزكيتها أوضاع نخب الطائفية والأفندية والعسكرية حيث جعلتها مديرة لأمور الدولة على حساب الغالبية الشعبية الكادحة،

ولأن العدل أساس مشروعية الملك فقد أدى تغييب العدل منذ فترة 1924 بتزكية دولة الاستعمار الأجنبي للنخب وتفضيل مصالحها على وجود وحقوق مصالح الشعب أدى إلى نهاية مشروعية الدولة ودخولها حالة موت وتفسخ بنموء مختلف أشكال الظلم والتفاوت الظالم فيها وانعكاس هذا الظلم والتفاوت المواشج له على أوضاع وحياة ومعيشة كل مجتمع من مجتمعات الدولة الميتة.


3. نموء قوة بعض القبائل:
بانخفاض أداء الدولة وضعف مقومات ومستوى الحياة الحديثة ارتفع مستوى تأثير بعض شياخات القبائل على حياة ابناءها، خاصة القبائل التي بقيت متماسكة ولم تصلها أو تشتتها الحياة الحديثة.

في المناطق المهمشة أو في فترات ضعف الدولة أصبح أو صار نفوذ الشيوخ القبيلة يوفر لكثير من أبناءها قدراً من أمور المعيشة والحماية وحتى فرص عمل في بعض المدن والمناطق البعيدة عن المركز الجغرافي أو المجتمعي للقبيلة.


4. القبيلة والمدينة:
القبيلية في المدينة سكين بدون مقبض أو سلاح ذو حدين بدون مقبض الإمساك العفوي به جارح فتبع ظروف كثيرة قد يكون تمركز قبيلة في مدينة ما باباً لتحديث القبيلة وقد يكون باباً لتريف المدينة وتحولها إلى حكر قبيلي يتلاشى فيه بتأثير واحدية الشياخة وجبروت مصالحها دور حركية الأفراد بالتعليم والعمل والتجارة وينعطب اسهامهم في تنمية الحياة وامكان خروجهم من (سجن) القبيلة من ثم بضعف التجديد المعيشي السياسي تدخل القبيلية حياة المدينة إلى حالة ركود وموات.

عموماً تقوى أو تضعف الرابطة القبيلية حسب قوة أنشطة الدولة التنموية وقوة عوامل الحداثة والمدينية فإن كانت أمور الدولة والمدينية أموراً ضعيفة قويت كلمة شيوخ القبيلة وتأثير نفوذهم الاحتكاري في حياة أبناءها المواشجين لهذه الشياخة بسكنهم أو معيشتهم لشياخة القبيلة وذلك بحكم تأثير الشيوخ على توفير فرص معيشة أو تجارة لهم أو بإسهام الشيوخ في تخليصهم من مشكلات أو تذليل بعض العقبات التي تواجه مسيرة حياة بعضهم.

أما إن كانت أنشطة الدولة قوية وأمور المدينية والحداثة مزدهرة فإن هذا الحال يخفض تأثير ونفوذ شيوخ القبيلة على حياة أبناءها ويضعف حاجة ابناء القبيلة نفسهم إلى التمسك بالوضع القبيلي ويخفض اهتمامهم بأمور مركزها ويحول القبيلة وسيرتها في حياتهم إلى تذكار أو تحفة، من ثم بازدهار المدينية يضعف تماسك القبيلة المواشجة لها بينما تزداد الأسئلة الأليمة وحتى الضغائن في القبائل البعيدة أو المحرومة من ثمرات هذا الإزدهار.

تتكون آلام كثير من أبناء المهمشين في بعض المناطق القبيلية بسبب من تجاهل تضحية اجدادهم لتأسيس الوطن ولتحاهل إسهام جهدهم فيه بخامات حيوانية أو زراعية أو قيام كثير منهم بحماية دولته أو حكوماتها أو بمعاناتهم من ضرائبه ورسومه التي لا يجدون في معيشتهم مقابلاً عادلاً لها أو لتجاهل السلطات نموء آمالهم في نيل بعض خيرات الإزدهار أو ألمهم من تجاهل مركز الدولة الحديثة حاجة منطقة القبيلة إلى التنمية وتكر. إهماله مطالبتها ببعض أسس التحديث (= الطريق المياه المدرسة المصحة والمشروع) .


5. جدل القوة والضعف في الدولة والقبيلة:
ضعف تماسك كثير من القبائل وانخفض نفوذ شيوخها على أبناءها بفعل عدد من العوامل أهمها:

(أ) التكاثر البشري وترهل الصلة القبيلية الرأسية والصلة الأفقية،

(ب) الإنتشار والبعد الجغرافي لكثير من أبناء القبيلة عن حياة وتأثير مركز القبيلة،

(ج) زيادة التزاوج مع مجتمعات أخرى،

(د) زيادة الاعتداد والتميز الفردي والعائلي والعشائري بالتعليم والعمل والمال والصلات المدينية والسياسية،

(هـ) موت الحاجة إلى القبيلة ببعد كثير من أبناءها وإكتفاءهم بنشاطهم وإمكاناتهم، وبامكانات المجتمعات التي يعيشون فيها،

(و) التأثير السلبي لخدمات الدولة والمدينية على وجود وتماسك القبيلةونفوذ شيوخها.

في سياق تأثير الحداثة على القبيلية حدثت في تاريخ السودان ثلاثة فترات تحديث، قامت بتحديد وتقسيم وتغيير (اضعاف) الدور والنشاط المألوف لشيوخ القيائل وإن سمحت بتقوية نشاط ونفوذ بعضهم: كانت الأولى هي فترة حكم الخلافة الاسلامية العثمانية (1821 1885 ) والثانية فترة الإستعمار البريطاني (1899 1956) أما الثالثة فكانت ذات الحكومات السودانية (1956 1978) ثم جاءت الفترة الحاضرة (1978 2028) وقد تكونت معالمها مع زيادة حرية التملك والتجارة الهبتلي ذات المحزوبيات والمضاربات التي زادت في الدولة والمجتمع أمور التجارة والتفاوت والإغتراب والنزوح والهجرة والإنفراد والتكالب والمنافسة على كسب الإمازات كما زادت أمور النزاعات والتسويات الشكلانية والإشكالية.


6. تحليلان لقوة وضعف المجتمع والدولة:
نشأت زيادة في الكلام الشائع عن المعالم القبيلية والإثنوثقافية لهذه الحياة والمعيشة الليبرالية المتدهورة في جهة والمتحسنة في جهة أخرى بفعل فصل متفاقم في أسس ومحاولات الاصلاح بين الأوضاع الاقتصادية والنظام الطبقي وذلك بإرجاع سبب تفاوت التنمية والمعيشة إلى إنفراد مجموعة إثنية معينة بالتحكم في أمور الدولة والاقتصاد، بينما الواقع ان التنظيم الرأسمالي للموارد هو مولد ومغذي وجود الطبقات وتقسيم الموارد بظلم بين مجتمعات كل طبقة. ومن السهل الإشارة إلى نسقين يوكدان ان الوضع الرأسمالي وليس الوضع الإثني هو المولد لفروق التنمية والمعيشة في حياة المجتمعات وهذين النسقين هما:

(أ) ان فروق التنمية والمعيشة توجد حتى في الدول ذات الإثنية الواحدة.

(ب) تكون الطبقة الرأسمالية في عموم العالم وفي كل الدول المتعددة الإثنيات من بضعة إثنيات،

والسبب في لزوم تنوع اثنية الطبقة الراسمالية وحلفاءها تعلم الرأسماليون من فشل أسلوب الاستعباد ومن فشل الأسلوب الإستعماري القديم ان إستمرار أنشطة البنية الإستغلالية وسيطرتها يحتاج قدراً كبيراً من التعاون بين نخب الإثنيات ومعه قدر آخر (تلقائي) من التعاون أو من التنازع بين نخب القبائل المكونة أو المنسوبة لهذه الإثنيات.

أي إن الطبيعة الطبقية للإقتصاد هي التي تحدد وضع أبناء ومجتمعات القبيلة وتوزع أفراد كل مجتمع من هذه المجتمعات حسب بيئتهم وحظوظ نشاطهم وظروفه إما إلى كادحين فقراء أو مستغلين أثرياء كما تضع بعض أبناء نفس القبيلة طبقة وسطى بين هذا وذاك.


7. القوى الحديثة في القبيلة:

(أ) من هم؟
تتشكل القوى الحديثة من فئات شتى أهمها في مجال القبيلة: منتسبوها الذين تلقوا تعليماً حديثاً أو يمارسون لكسب معيشتهم أعمالاً مرتبطة بأدوات ونظم وأهداف الحياة الحديثة القائمة على التكاتف الإجتماعي السياسي الواسع لضبط المعيشة أكثر من الانحصار القبيلي في عنل واحد أو أسلوب معيشة معين.

(ب) تأثير المصالح:
أحياناً تحتاج بعض العناصر الحديثة النشاط كعمال التعدين والصناعة وحرف التقنية والكتابة وبعض أنواع التجار إلى تخفيض أو إلى زيادة صلتهم بالقبيلة عامة أو زيادة صلتهم بنخبتها وتتراوح هذه الحاجة زيادة ونقصاً مع إختلاف معيشة ومصالح كل فئة منهم ومستوى حاجة جزءهم في القبيلة أو حاجة نخبة القبيلة إلى قوتهم. وعموما يتأثر نشاطهم داخل وخارج القبيلة بميزان المتطلبات أو الاشباعات الآنية أو المستقبلية لوضعهم المعيشي المزدوج.

كذلك بحكم مصالحها تحتاج نخبة القبيلة أو قاعدتها إلى زيادة دور أبناءها في المؤسسات الحديثة تقبل باننقالهم إليها وعملهم فيها لخدمة مصالح غرباء مقابل الأجور أو الدخل الذي يساعد جزءهم في القبيلة على العيش، لكن في أحيان أخرى تتحالف نخبة القبيلة مع الخصوم الحكوميين أو الرأسماليين للعمال المنتمين للقبيلة.

(ج) تبادل التأثيرات:
من خلال كثرة أو كفاءة وجود المنتسبين إلى تشكيلة إثنية أو قبيلية وفعالية نشاطهم في بعض قطاعات التعدين أو الصناعة أو الزراعة أو في القطاعات العسكرية يؤثر الوضع القبيلي على وضع المجتمع والدولة كما يتأثر جزء أو أجزاء من وضع القبيلة أو نخبتها بأنشطة هذه القطاعات.

يزيد تبادل التأثير بين الدولة والقبيلة وقواها البشرية الحديثة الأعمال ان كانت لابناء إثنيات وقبائل معينة كثرة أو غالبية وسط عمال قطاعات تعدين الذهب أو استخراج وتكرير ونقل البترول أو أنشطة الزراعة أو الشحن والتفريغ أو أعمال المياه والكهرباء أو التنظيف أو الأنشطة العسكرية للشرطة والجيش والميليشيا.

(د) تنوع التأثيرات:
بتداخل التشكيلات المجتمعية والإجتماعية والنظم الإقتصادية والسياسية وتظهر تأثيرات متنوعة متبادلة بين أوضاع الدولة والإقتصاد والتجارة وأوضاع نخبة القبيلة، بقدر متفاوت حسب قوة كل منهما إزاء الآخر وحسب إكتفاء كل منهما من الآخر أو حاجته إليه، وما يواشج ذلك الوضع من نزاعات أو توافقات بين نخب القبيلة/ بعض القبائل وبعض نخب إدارة الدولة.


8 . الرأسمالية والقبيلية:
ضمن التوزيع الرأسمالي لموارد المجتمعات وتأثيره على الدولة تنمو حالات من التعاون أو من التنازع القبيلي والإثني الاقتصادي اللب وضمن أي منهما تزيد أو تضعف قوة أو كفاءة الدولة حسب حكمة وميزان المصالح الرأسمالية سواء كان الميزان الداخلي بين الرأسمالين الرأسمال المديني والرأسمال الريفي -على مختلف تنوعاتهما- وكذلك حسب حكمة وميزان المصالح الرأسمالية العالمي بشكليه الشكل الإمبريالي والشكل الإقليمي.

ضمن التنوعات والصراعات الإقتصادية الإجتماعية العالمية تبدو أهمية نسبية كبيرة لأفكار ال Nationalism القومية/الوطنية رغم ان مفردة "القومية" Nation القديمة في اوروبا (استعملت منذ حوالى عام 1300) كانت مفردة ضرورية لصوغ تاريخ بعض الصراعات الدولية لصد عدوان وتغول متكرر لنخب مجتمعات معينة إثنياً ضد مجتمعات إثنية أخرى. -

مفردة "القومية" مفردة لها تاريخ مجيد مرتبط بالصراعات التي دارت وتدور بين نخب المجتمعات اشهرها الصراعات بين نخب مجتمعات غرب أوروبا القديمة ومجتمعاتها الحديثة ثم بين نخب الدول الحديثة وكذلك ابان تامر وعدوان نخب دول غرب أوروبا الحديثة ضد الفلسطينيين وكل الجمهوريات العربية لكن مع إخراج هذه الكلمة "القومية" من سياق الاعتداد ازاء الآخر والتفرد في العالم والتصدي للإستعمار ثم استعمال منظارها لفحص الشؤون الداخلية في أي دولة فإن نفس المفردة التي كانت علامة عزة ومضادة للإستعمار القديم تصير في الحيز الوطني مدخلاً لاوضاع استبدادية وباباً لتدخلات استعمارية بدعوى حماية اقلية أو أقليات إثنية مضطهدة.

صار من المألوف عند استعمال المنظار القومي لفحص أوضاع المجتمعات ان يؤدي إلى فرز الأمور داخل الدولة على أساس إثني يبدو كاستعمار داخلي لكن التعميم الإثني لا ينسب هذا الاستعمار إلى نظام ونخبة وموالي الطبقة الرأسمالية بل يرجع مظالم الوضع الرأسمالي والانفراد الأناني بأرباحه إلى كل أثنية كبراء الطبقة الرأسمالية حتى لو كان تسعون المائة من أفراد هذه الإثنية من الكادحين البؤساء!

ضد هذا التعميم الإثني -المائل نوعاً ما إلى العنصرية بتجريمه معالم منتقاة من ثقافة اثنية النخبة الرأسمالية بدلاً لتجريمه النظام الرأسمالي- نجد ان مفردة "الوطنية" وهي حديثة في أوروبا (١٨٣٣) تأخذ اتجاهاً لتجميع القوميات خلاف ما يواشج مفردة "القومية" من فرز وتمييز.
فمفردة "الوطنية" لها منحى جامع للإثنيات والقبائل في نطاق الوطن والصيغ والأهداف العامة لدولته الناحية بقدر كبير إلى السواء بين مجتمعات الوطن دون تمييز سلبي ضد مجموعة إثنية فيه.


9. تنوع الاهتمام بالعناصر البشرية الحديثة وتأثيراتها:
تبدو أهميات متنوعة لتوجيه أو إستثمار علاقات أو نفوذ القبيلة أو شكل الثقافة الإثنية توجيهاً أو إستثماراً معيناً بواسطة العناصر البشرية الحديثة التكوين والنشاط المنتمية أو المناصرة لوجود أو لطموح قبيلة معينة. فهذه العناصر وفق تأثيرات معينة أو ترتيب مصالح معينة قد:

(أ) تزيد أو تخفض مستوى الإنتاج في قطاع معين،

(ب) قد تقوي أو تضعف بعض أنشطة الدولة،

(ج) قد تؤثر على الوجود والنشاط العسكري للدولة،

(د) حسب الحهة ال ك بقية التي تتولى تنظيم تجميع وتنظيم جهودها قد تقوي أو تقسم أو تهدم التنظيم النخبوي لأمور الدولة.


.10 المنفعة:
في تبيين أهمية الحالة القبيلية وسط بعض العمال والحال العمالية وسط بعض القبائل تبدو اهمية امكانات وأهداف تنظيمهم إما وفق مصلحة النخب المتحكمة في معيشة قبائلهم أو وفق مصلحة غالبية الكادحين معهم بمختلف قبائلهم. وبين نوعي التنظيم في ظروف الحرب الحاضرة في السودان ببدو أن للعمال القبيليين دور مهم ضمن محافظتهم على معاشهم في تأمين بعض الأنشطة والأعمال العامة في مجالات الذهب والتفريغ والزراعة والشحن والتفريغ وبعض الإمدادات وكذلك أصبح لهم دور غير ملحوظ إعلامياً في قيام الطرفين العسكريين المتحاربين بتوفير أو حماية بعض الخدمات الإنسانية للمجتمعات المتضررة وهو دور بالإمكان تطويره.

.إنتهى.