أرونداتي روي


فهد المضحكي
2023 / 12 / 30 - 11:41     

سوزانا أرونداتي روي هي كاتبة وروائية هندية وناشطة سياسية. ولدت عام 1961 لأب بنغالي من طائفة الهندوس يعمل في مزارع الشاي، وأم مسيحية من ولاية كيرالا، وجدت نفسها ضائعة بين ثقافتين، وقالت فيما بعد إنها لم تجد نفسها في واحدة منهما. الأب مدمن على الخمر ما أدى إلى أفلاس الأسرة، وطلاق الأم التي عادت بعائلتها المكونة من الصغيرة سوزانا التي كانت في الثانية من عمرها مع شقيقتها الأكبر منها بعام إلى منزل العائلة جنوب الهند، لكن العائلة لم تسمح لابنتها المطلقة أن تعيش معها، فقررت الأم أن تأخذ ابنتيها للسكن مع جدها في كوخ بولاية تاميل. تتذكر المآسي التي حصلت لعائلتها، أصيبت أمها بمرض الربو، لكن الأم ماري قررت أن تتحدى قوانين الميراث التي لا تمنح للمرأة حقوقًا، فقدمت شكوى في المحكمة العليا، لتحصل على نصيبها من ميراث أبيها. وننقل عن الكاتب علي حسين قول روي: «إن معظم آرائي نشأت من إصرار أمي على العيش بكرامة متحدية المجتمع». في السادسة عشرة من عمرها تترك أسرتها لتسافر إلى دلهي، وتختار دراسة الهندسة المعمارية لأنها ستمكنها من الحصول على المال، لكنها سرعان ما أدركت أن الجامعة لا تُعلم الهندسة، وإنما المقاولات، ظلت تطرح على الأساتذة الأسئلة من نوعية: لمن ندرس الهندسة؟ هل نصمم بيوتًا للفقراء؟ ما علاقة الإنسان بالمنزل؟ هذه الأسئلة قادتها لأن تضع أطروحة بعنوان «التنمية الحضرية في دلهي أثناء الاستعمار». في أثناء الدراسة عاشت في كوخ أحد زملائها، حيث كانت في أوقات الفراغ تجمع القناني الفارغة لتبيعها، قضت سنوات الجامعة تعيش في حي فقير، أقامت علاقة صداقة مع الشحاذين والمهمشين. تقول إن والدتها أورثتها نظرة غاضبة إزاء هذا العالم غير العادل: «قررت في سن مبكرة ألا أكون ضحية وأن أسيطر على حياتي فور استطاعتي ذلك». ظلت لخمس سنوات تبحث عن عمل بعد تخرجها من الجامعة. كتبت مقالات نُشر القليل منها والكثير كان مصيره سلة المهملات، جربت العمل بائعة متجوّلة تدور بين القرى على دراجة هوائية، وسيشاهدها المخرج براديب كريشين ليعرض عليها أن تمثل في فيلمه دور فتاة قروية، وفيما بعد سترتبط بهذا المخرج بعلاقة حياة وعمل. عام 1990 قالت لشقيقتها إنها قررت أن تكتب سيرة عائلتها، صُدمت الأم واعتبرت الأمر فضيحة، لكن الابنة طمأنتها أن الخيال يمكن أن يساعدها في مهمتها، بدأت بكتابة روايتها «إله الأشياء الصغيرة» عام 1992، وانتهت منها عام 1997، واجهت صعوبة في نشرها، فمن يتورّط بنشر رواية لكاتبة مجهولة؟! ولم تدرِ أن هذه الرواية ستظل لأشهر تحتل قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في الهند قبل أن تنال جائزة البوكر البريطانية، كان الأمر بالنسبة لها أشبه بهزة أرضية ضربتها، استغربت ترجمة الرواية إلى أكثر من 40 لغة: «لماذا يريد الناس في مختلف بلدان العالم معرفة ما يدور في قرية صغيرة في جنوب الهند؟». قالت إنها اختارت عنوان روايتها «إله الأشياء الصغيرة» تعبيرًا عن المنبوذين، فإله الأشياء الصغيرة هو الذي: لم يترك أي تموّجات في الماء ولا آثار أقدام على الشاطئ، إله الأشياء الصغيرة الذي لا يترك أثرًا على الرمال، ولا صورة في المرايا. إنه موجود وغير موجود، لا أثر له، ولا انعكاس لصورته، إنه لا شيء، كائن بلا كيان، إنه المنبوذ الذي يجسد الضياع.
لم يقتصر نضال روي على بلادها. عارضت الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق وكانت عضوًا في المحكمة الدولية الخاصة بجرائم الحرب الأمريكية في العراق. مارست جميع أشكال التضامن مع الشعب الفلسطيني، وإبان العدوان الأسرائيلي على لبنان عام 2006، وقعت مع نعوم تشومسكي وهاوارد زين وجون برجر وهارولد بنتر ومثقفين عالميين آخرين عريضة تتهم إسرائيل بارتكاب «جرائم حرب» في لبنان وبممارسة «إرهاب دولة»، بحسب ما ذكره موقع «bidayat». خصصت الكثير من كتاباتها ومقالاتها لنقد العولمة والليبرالية الجديدة، وصفت قوى عولمة الشركات على هذا النحو: «قويّ لا يرحم، مدجج بالسلاح. إنه طراز من الملوك لم يعرفه العالم من قبل. مملكته رأس المال الخام، فتوحاته الأسواق الصاعدة، صلواته الأرباح، حدوده بلا حدود، وأسلحته نووية». كرّست روى الكثير من وقتها في السنوات الأخيرة للتصدي لصعود اليمين الشوفيني المتطرف إلى السلطة في بلادها. صدر لها عدة مجموعات أبرزها «نهاية الخيال» (1998) و«ثمن العيش» عام (1999)، و«علم جبر العدالة اللانهائية» (2001) و«دليل الإنسان العادي إلى الإمبراطورية» عام (2004)، وفي عام 2010 كتبت «مسيرة مع الرفاق» عن حركة مسلحة يخوضها من سمّتهم «أفقر فقراء الهند؛ فلاحون بلا أرض وقبائل مهملة يعيشون على أرض غنية من الغابات والمعادن». ومن كتبها «الرأسمالية حكاية أشباح» صدر عام (2014)، وهو عبارة عن مجموعة مقالات حول الاضطرابات والطريقة التي تعمل بها منظمات المجتمع المدني، ومؤسسات الإحسان، والمنح الدراسية أو الخطابات الملطّفة حول التنوع والفن، كوسائط للاستحواذ على الأراضي وتدمير المخيّلات في بلاد يتوافق نموها الاقتصادي متسارع الوتيرة مع حقيقة أن «أكثر من 80 بالمئة من السكان يعيشون على أقل من نصف دولار باليوم». في حوار معها أجراه جوزيف كونفافرو نُشر بموقع «ميديا بارت»، تقول فيه: «في بلادنا صار الخطاب القومي مروعًا، وقد بدأ ذلك مع بدء التجارب النووية، جميع الذين رفضوا الاحتفال بها بما هي علامة على عظمة الأمة اتهموا بالخيانة، الفارق أن جميع الذين اتهموا الأشخاص النادرين الذين لم يتعبدوا لطقس القوة النووية العظمى هم الآن في مقاعد السلطة، متخندقون في معتقداتهم اليمينية المتطرفة، يأججون الخلاف مع دول الجوار وهو ما يدعو إلى القلق لأننا نتحدث عن قوى تمتلك قنابل نووية». تعتبر روي من المدافعين بحرارة وقدر عالٍ من الالتزام عن القضايا العامة.
وعن النمو المتسارع لبلادها الذي أدى إلى حالة نلقى فيها أغنى مئة رجل يملكون ما يوازي ربع الدخل الأهلي، تقول: «يحدث هذا في كل أنحاء العالم وأسمه (الرأسمالية) ولا حاجة إلى أن يمتلك المرء شهادة عليا في الاقتصاد لفهم ذلك، لكن في بلادنا هذه الظاهرة مضاعفة لأن النمو على عكس النمو الصيني الذي تم عن طريق الإنتاج وتصدير السلع المصنعة، قائم كليًا على الموارد والمعادن. تاريخيًا استعمر البريطانيون والفرنسيون العالم من أجل استخراج الموارد الثمينة. اليوم في بلادنا توجد نخبة تستعمر بلدها ذاته، فالرأسمالية في الهند هي ذات خصوصية، وهي أن الشركات الكبرى تغطي كل مناحي الحياة من التنجيم إلى الصحافة وصولاً إلى التعليم ومستحضرات التجميل! النظام لا يلفظ الفقراء وحدهم، يهمش التجار والمزارعين الصغار، وهم الفئة التي تشهد أعلى معدلات انتحار، في حين أن بلادنا باتت تتمتع باقتصاد قوي جدًا». وهنا تستشهد روي بنص لماركس قيّم فيه الرأسمالية على أنها «أطلقت وسائل إنتاج وتبادل جبارة إلى درجة أنها باتت تشبه الساحر الذي لم يعد السيطرة على القوى الجهنمية التي استدعاها». وتقول مستعرضة الواقع في بلادها: «المصانع مقفلة، الوظائف أختفت، النقابات تبخرت، جرى تحريض الأشخاص الذين كانوا يشكلون البروليتاريا بعضهم على بعض: طائفة ضد طائفة، منبوذين ضد منبوذين، مناطق ضد مناطق.. الخ. لكن الرأسمالية تحولت إلى ديانة لا منطق لها، لقد أطلقت هيستريا جماعية، لكننا ندري أن الاستمرار بالعيش على هذا النحو يجرّ العالم والإنسانية إلى نهايتها. إننا ندرك ذلك. لكن الإدراك لا يكفي لتغيير مجرى الأمور. بلادنا مضت فترة خمسين سنة بين تصفية الاستعمار واعتماد النيوليبرالية الرأسمالية، التي هي شكل من أشكال استعمار النخب لبلدانها ذاته، في أفريقيا لم يكن من مرحلة انتقال بين شكلي السيطرة. لا يمكن أن تقوم الثورة بتمويل من المنظمات غير الحكومية أو مؤسسات صاحبة مصلحة في الحفاظ على الأمر الواقع». بعد الشهرة والمال قررت روي أن تبتعد عن عالم الخيال، إذ قالت إن النجاح حررها من أشباح الماضي: «لم أكن أهتم يومًا بأن أكون مجرد كاتبة محترفة تكتب كتابًا ناجحًا ثم تنتقل لتأليف كتاب آخر وهكذا دواليك. ينتابني خوف من أن يرغب الجميع في أن أتابع القيام بالأمر نفسه وأن أكون الشخص نفسه وأن أتجمّد في الزمن لمجرد أنني مشهورة أو قمت بعمل ناجح». وزعت أموال الجوائز التي حصلت عليها على الفقراء، أسست صندوقًا تضع فيه جميع إيرادات كتبها وخصصته لدعم قضايا الحرية والدفاع عن المنبوذين في الهند.