كتاب علم الاقتصاد والمذاهب الاقتصادية، مقارناً بالاقتصاد الإسلامي


مصطفى العبد الله الكفري
2023 / 12 / 29 - 19:21     

بسم الله الرحمن الرحيم
المقـــدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وفقهاً في الدين. وبعد:
لقد أدرك المفكرون منذ أقدم العصور الدور المهم للاقتصاد والعمران . ثم درسوا العوامل الاقتصادية في سلوك الإنسان ، وأثرها في التنظيم الاجتماعي والتطور التاريخي للمجتمع . وظهرت الأفكار الاقتصادية منذ أن شعر الإنسان بحاجاته ، وبدأ يبحث عن طريقةٍ لتلبية هذه الحاجات بصورة عفوية . ثم تطورت مع تطور الاقتصاد وازدهار الدولة وزيادة حجمها وانتظام قوانينها وظهور الحكومة (السلطة) التي لا بد من توفرها للقيام على شؤون الناس، وتلبية حاجاتهم ، وتأمين متطلباتهم . إن الحالة الاقتصادية التي تؤمّن تلبية حاجات الناس ، أمر ضروري لبقاء المجتمع والنظام الاجتماعي واستمرارها .
وعرف الإنسان النشاط الاقتصادي " الإنتاج – التوزيع  –الاستهلاك " منذ زمن بعيد جداً . وكان يحاول تنظيم النشاط الاقتصادي من خلال السيطرة على الطبيعة وتسخيرها لخدمته وتلبية حاجاته من مأكل وملبس ومأوى. ولا يمكننا فصل تاريخ الفكر الاقتصادي "المذاهب الاقتصادية" عن تاريخ الأحداث والوقائع الاقتصادية، أي النشاط الاقتصادي ، لأن الفكر الاقتصادي يؤثر في النشاط الاقتصادي ويتأثر به. فالأحداث هي التي تزود المفكر بالمادة لوضع أساس الفكرة أو المذهب، ثم تصبح هي نفسها إطاراً له. بيد أنه لا وجود لفكر اقتصادي جدير بهذه التسمية، منعزل تمام الانعزال عن تطور الفعالية الاقتصادية لأنها هي التي توجهه وتقوده إلى النتائج المطلوبة. كما أن الفكر الاقتصادي يفعل ويؤثر في الأحداث والوقائع الاقتصادية(1).
وعلم الاقتصاد هو المعرفة الاقتصادية المنظمة التي تحاول الوصول ، من خلال مجموعة الحوادث والظواهر الاقتصادية المتشابهة والمتكررة ، (إلى مجموعة من الحقائق الثابتة التي تربط بين هذه الحوادث والظواهر بروابط منطقية ، بحيث تكون في مجموعها بناء كلياً متناسقاً . وهذه الحقائق أو الروابط المنطقية يطلق عليها اسم "القوانين Laws"، وإن شاعت تسميتها في الوقت الحاضر ـ بخاصة في ميدان العلوم الاجتماعية ـ باسم "التصورات النظرية أو الفروض Hypothese")(1).
لم يعد العلم الحديث يقتنع عن طيبة خاطر، بأن التطور الاقتصادي والاجتماعي ناجم عن القدر المحتوم أو القوانين الطبيعية . فالشعوب ترغب في أن تقرر مصيرها بيدها، وتقوّم الظروف الاجتماعية والاقتصادية تقويماً يعجل في التقدم ، وتحقيق مطمحها في ميادين الرفاهية، والعدل، والتحصيل الثقافي. والمطلوب من علم الاقتصاد أن يهيئ الوسائل لتحقيق هذه الغاية …وهذا هو الدور الاجتماعي لهذا العلم(2).
لقد جربت البشرية أنظمة عدة؛ الرأسمالية، والاشتراكية... حاولت تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية من أجل سعادة الإنسان، ولكنها فشلت نسبياً في تحقيق تلك الأهداف... وأفرز تطبيقها في المجتمعات مشكلاتٍ اجتماعيةً واقتصاديةً، كالتضخم بالبطالة، لم تستطع حلها حتى وقتنا الراهن.
من هنا تأتي أهمية الاقتصاد الإسلامي الذي يختلف عن الأنظمة المعاصرة، من حيث مبادئُه التي يقوم عليها، وخصائصه التي تميزه، وطريقة معالجته للمشكلات الاقتصادية وسبل حلها، ويستطيع الاقتصاد الإسلامي تحقيق ما عجزت عنه النظم الاقتصادية الأخرى، وتقديم الوسائل المادية والمعنوية من أجل سعادة الإنسان، وذلك من خلال اعتماده على مصادر الشريعة ومقاصدها، وربطه المسائل الاقتصادية بالقيم الخلقية، وارتكازه على العقيدة الإسلامية التي تعد مصدراً وموجهاً له في الحياة.
إن تلك المبادئ والمقومات والخصائص التي تتسم بالثبات، والتي يرتكز عليها الاقتصاد الإسلامي، هي التي دعت المفكرين المسلمين والمستشرقين إلى أن ينادوا بضرورة أخذ هذا الاقتصاد دوره في المجتمع، ودخوله مرحلة التطبيق في الحياة العملية، فقد ذكر (جاك أوستروي) المستشرق الفرنسي في كتابه الإسلام والتنمية الاقتصادية أن الاقتصاد الإسلامي يتفوق على النظم الاقتصادية المعاصرة، وسيسود العالم في المستقبل، إذا ما أتيح له التطبيق في مختلف البلدان.
ونظراً لأهمية الاقتصاد الإسلامي، ونظامه الفريد في حل المشكلات الاقتصادية فلا بد من بيان أسسه، ومصادره، ومقوماته، وتزويد الطالب بها، ليواكب العصر الذي يعيش فيه، فقد كان ذلك هو المقصد المهم من التوسع في مفردات الاقتصاد الإسلامي التي ضمها هذا الكتاب.

قسم هذا الكتاب إلى قسمين:
القسم الأول: يبحث في علم الاقتصاد ومفاهيمه الأساسية، وذلك من خلال بابين؛ الباب الأول: ضم التعريف بعلم الاقتصاد ومفاهيمه الأساسية؛ كالمشكلة الاقتصادية، والقوانين الاقتصادية، ومنهج البحث في علم الاقتصاد، ونظريات القيمة، وتفسيراتها، وأشكالها، والنقود والمصارف، والتضخم.
والباب الثاني: شمل الحديث عن الأنظمة الاقتصادية، والعلاقة بينهما، وتصنيفها، وتركز الحديث فيه على النظام الاشتراكي، وسماته، وقوانينه، وعيوبه، وأزماته، وأسباب فشله. وتطرق إلى النظام الرأسمالي، فبين قوانينه، وسماته، وعيوبه، وعناصر الإنتاج فيه، وتوزيع الدخل القومي، وقوانين العرض والطلب في الرأسمالية. واهتم هذا الباب في الحديث أيضاً عن النظام العالمي الجديد، وبعض المنظمات الاقتصادية العالمية.
أما القسم الثاني: فقد خصص للحديث عن الاقتصاد الإسلامي، وذلك من خلال ثلاثة أبواب. في الباب الثالث تم الحديث عن نشأة الاقتصاد الإسلامي، وتعريفه ومصادره، وخصائصه. و جاء الحديث فيه عن أهم الأفكار الاقتصادية عند         بعض المفكرين المسلمين .
وشمل الباب الرابع الحديث عن مبادئ الاقتصاد الإسلامي ومقوماته وأسسه؛ كالملكية، والحرية الاقتصادية المقيدة، والتكافل الاجتماعي الاقتصادي.
وضم الباب الخامس عناصر الاقتصاد الإسلامي وموضوعاته؛ كالإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك، والاستثمار، والتبادل. وقد قام الأستاذ الدكتور
مصطفى العبد الله الكفري بكتابة القسم الأول من هذا الكتاب؛ الباب الأول و الباب الثاني بالإضافة إلى الأفكار الاقتصادية عند بعض علماء المسلمين؛ كابن خلدون، والمقريزي. وقام الدكتور صالح العلي بكتابة القسم الثاني من هذا الكتاب؛ الباب الثالث والرابع والخامس.
ونسأل الله عز وجل أن ينفع بهذا الكتاب طلابنا الأعزاء، ويحقق الغاية المرجوة منه، ويتقبل عملنا هذا، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم، وفي ميزان حسناتنا يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، إنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
15 جمادى الآخرة 1424هـ - 13 / 8 / 2003م

المصدر: http://almustshar.sy/archives/11188

كلية الشريعة - جامعة دمشق
المـؤلفــــــان
د. مصطفى العبد الله الكفري           د. صالح حميد العلي