مستقبل أطفال دور الأيتام وأصول التربية.. بقصة -سوسن وبيت الحمد- للكاتب خليل الزيني


محمود سلامة محمود الهايشة
2023 / 12 / 28 - 16:56     

نشرت قصة "سوسن وبيت الحمد" للقاص "خليل الزيني"، للمرة الأولى بجريدة أخبار الأدب، القاهرة، سبتمبر 2017؛ بينما قرأتها لكتابة السطور التالية كإحدى قصص المجموعة القصصة "النميمة الحلال" لنفس المؤلف، والتي صدر طبعتها الاولى 2020 عن المكتبة العربية للنشر والتوزيع، ص61-66. تناقش القصة عدة قضايا وإشكاليات مجتمعية في صورة سردية واقعية من الممكن أن تتكرر في كافة ربوع مصر، مسألة التسرب من التعليم وعدم رغبة بعض الأبناء في استكمال المشوار الدراسي، والامتهان بمهنة الأب (فاروق) والذي يتمني أن يحصل ابنه على أعلى الشهادات الجامعية، وبالفعل ينجح الابن بطل القصة بمساعدة جدته أم أبيه (صفية)، فيشتد عود ذاك الابن ويتعلم بالفعل صنعت والده، ليصبح قادر على كسب المال، فيبدأ بالبحث عن عروس تشاركه حياته القادمة، فيعجب بسوسن إحدى الفتيات التي تربت في دار اليتيمات تحت رعاية الحاج جلال حمدلله صديق الأب، وبالطبع كانت جدته التي اقنعت والدته في المرة الاولى بترك الدراسة، ترك الدنيا إلى الآخرة، فكان رفضه كالبركان بل أشد، وتنتهى القصة نهاية مأساوية للغاية.
يجب تدريب الطفل على الشعور بالآخرين، وتقليد شخصياتهم، واكتساب المهارات اللازمة والمهمة والتي تساعده على حل مشكلات الآخرين؛ فيقول الابن بالقصة عن أبيه: (يا ابني أبوك يفهم الفولة قبل حتى ما تترمي في أرضها، إنت فكرك إيه؟ الشعر الأبيض ده متكلف بالغالي قوي"... هكذا تكون تعليقاته عندما يتماكر عليه أحد الأبناء أو نطلب منه بنعومة ما لا يتوافق مع هواه)؛ لتنمية وزيادة الذكاء العاطفي عند الأبناء.
لكل أم وأب عليكم أن تنشئوا أبناءكم على الاتقان منذ الصغر والحرص عليه وعلى التأكيد على معناه في كل عمل؛ ازرع في ابنك أن العمل المتقن عبادة تقربنا من الله (أبي أحد المشاهير في مجال صنعته، ارتقى بها سلَّم الحياة، سكن منطقة الستر الدافىء حامدا ربه على ما وهب)؛ ازرع في طفلك حب الله ومراقبته في كل قول وعمل ، كونوا لأبناءكم خير قدوة فالأطفال تتعلم بالقدوة والمحاكاة (أبي دوما يُسلم الزمام للقدر، لا يندم على ما فات، لكنه حاسب لموضع قدمه، فإذا ما تجاوز الفكر لا يهاب المغامرة والمخاطرة)؛ إذا أخطأ ابنك فلاتسارع في التوبيخ وعليك بالإرشاد والنصح بالحب فهو طريقة فعالة للتعلم (ذاك الرجل الصعب-طيب القلب- الحنون الحاضن لأسرته، إنه أبي، لا يلين بالرفض أو القبول، عارك الحياة فشاب شعره وسقط سنه، لكن لم يفتر عزمه أو يبرد حلمه).
زرع حب العمل وأن الأنبياء جميعهم كانوا يعملون بأيديهم ولايوجد مهنة أفضل من مهنة فنحن نحتاج في حياتنا جميع المهن؛ (أبي يراني قادرا على تحقيق حلم الجامعة، بخاصة دراسة الهندسة، كيف لي أن أعدّله عن رأيه؟ أبي لا مدخل له إلا أمه (ستى صفية): - الواد طالع لأبوه راسه ناشفة، وربنا وهبه في إيده وراسه كلها شغل وصنعة مش غاوي علام، ارحمه يا واد يا فاروق). بالطبع كان لابد وأن يكون مستوى اللغة في الحوار متناسباً مع شخصيات القصة، وهذا ما فعله المؤلف "خليل الزيني"، لأنه من غير المنطقي أن تتحدث سيدة كبيرة في السن وجدة في إحدى القرى أو الأحياء الشعبية المصرية بلغة عربية فصحى، وتتحاور مع ابنها الذي يمتهن إحدى الحرف اليدوية في مجال المعمار ويمتلك ورشة.
إعطاء الابن مجال كبير للتعبير عن كافة أحاسيسه وآرائه، والإنصات لكل ما يقوله، وعدم إهمال ما يقول مهما كان تافهاً، مع الحرص التام على فهم كل ما يقول لأن حرية التعبير تضمن تنمية الذكاء العاطفي؛ (هكذا نزل أبي على رجاء أمه التي لم تتدخل إلا عندما أحست مدى خوفي على غضب أبي أو كسر خاطره. دعتْ جدتي صفية لأبي بأن تبقى ذرية فاروق يدا واحدة (قلوبنا على بعض)، وفارقت جدتي البيت وهي في تمام الرضا عن أبي)؛ فلا بد من إعطاء مساحة كافية للطفل للتعبير عن ما بداخله من مشاعر، مع الحرص على إظهار اهتمام الوالدين بتلك المشاعر.
إذا أحسن طفلك في عمل مكلف به عليك بمكافئته بالصور المختلفة والمتاحة لتشجعه على اتقان العمل، وهذا ما فعله فعلا "المعلم فاروق" مع ابنه: (دخلتُ غمار العمل مع والدي، أحبني- رضي عن جهدي- ينظر إلىَّ وإلى كدي كأنه يراجع الأيام في شبابي، باسما في الغالب)؛ لا تقتصر التربية على السنوات الأولى فقط من عمر الطفل، ولكنها تستمرّ إلى فترة المراهقة، فالرعاية والإشراف المستمرّ يوفّر شعوراً بالأمان العقلي والجسدي للأبناء (أبي له من الأسرار الخفية ما لا يعلمه إلا ربه، تعلمتها منه، حب الصدقة الجارية، لا يرد سائل على بابه)؛ توفير الدعم والتوجيه المستمرّ للصبي في سنواته الأولى يساعده على التطوّر في الجانبين العاطفي والسلوكي على أكمل وجه، ويُشعره بالطمأنينة والأمان، ممّا يساعد على بناء شخصيته وتطوير ثقته بنفسه وبالآخرين.
هناك بقصة "سوسن وبيت الحمد" للقاص خليل الزيني، 14 جملة، أو قل فقرة بالقصة تبدأبكلمة (أبي)، وقد جاءت على لسان البطل الراوي للقصة، فهذا الشاب يعيش حياته متمركز حوله أبيه، الرمز والقدوة والمثل الأعلى له، وعليه فقد أحبتت أن أنقل لك عزيزي القارىء الكريم، تلك البدايات حتى تتأكد بأن المعلم "فاروق" كان أباً تربويا من طراز فريد: (أبي أحد المشاهير في مجال صنعته)؛ (أبي دوما يُسلم الزمام للقدر)؛ (أبي أحلامه بسيطة ومنطقية)؛ (أبي يراني قادرا على تحقيق حلم الجامعة)؛ (أبي له من الأسرار الخفية ما لا يعلمه إلا ربه)؛ (أبي يسمع عن مشروع الحاج جلال حمد الله)؛ (أبي يشارك الحاج جلال بقدر ما يستطيع بكل شكل على مدار عشر سنوات أنفقها في العمل)؛ (أبي يهب لي فرصة لأستقل بالعمل عنه وأرتقي من صانع إلى معلم)؛ (أبي لم يتركني، عاد ليرى ما تم في ساعة الراحة)؛ (أبي لاحظ شرودي)؛ (أبي حارس التقاليد راعي الحرمات طموح الفكر)؛ (أي هدأ وجلس يفكر ثم عاد يقول من جديد)؛ (أبي حسم أمر زواجي)؛ و(أبي واجم شارد النظر كمن قُطع لسانه أو شُل فلا حراك). ومن تلك الجمل نستشف الصفات الحميدة التي كان يتميز بها ذاك الأب، الإخلاص والمهارة في عمله وصنعته، الإيمان الشديد بالله وبقضاء الله وقدره، الثقة بالله وبالنفس وثقته بابنه، الرضا بالقليل وعدم النظر لما في يد غيره من البشر، حصره على العمل الخيري والتبرع سواء بالمال أو الجهد أو العمل، والمساعدة في كفالة الأيتام، وقفه بجوار ابنه ليشتد عوده في مجال الصنعة ويستقل عنه، كان نعم الأب المعلم والمرشد والمطور والموجه دائما لابنه، قوي الملاحظة لكل من حوله خاصة الناحية النفسية، كان إنسان متفتح الفكر محافظا على العادات والتقاليد والأعراف، يثور غاضبا وما لبس أن يهدأ ويفكر من جديد ثم يتكلم معبرا عن وجهت نظره من الأمر الذي آثار غضبه، وعندما يصل إلى قرار يصر عليه ويبلغه لم حوله بحسم شديد، وبالنهاية حزن هذا الأب بشدة بسبب الفاجعة التي انتهت بها قصة وحياة "سوسن"، بسبب رفضه القاطع بالسماح لابنه بالزواج منها.
تعتبر رعاية اليتيم من أفضل وأعظم الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله، وإن إنشاء دار لرعاية اليتيم تعد عملاً صالحاً، وباقياً كصدقة جارية ينتفع بها المسلمون بعد موت من أنشأها، (مشروع الحاج جلال حمد الله، سجل الفيلا التي باسمه كدار لرعاية اليتيمات من المهد وحتى الزفاف، كان يحاول أن يصرف عن زوجته همها ويقرب منها حبها)؛ تعد دار الأيتام المكان الآمن لرعاية الأطفال اليتامى، والفئات الاجتماعية الأخرى ذات الظروف الخاصة من مجهولي الأبوين، حيث تهتم بهم، وتحرص على توفير متطلباتهم وتربيتهم، فمن الواضح أن زوجة الحاج حمد الله لا تنجب، ولديها شغف كبير للأولاد، وطالما قرر تحويل فيلا يملكها لإقامة دارا لليتيمات، فهو من الأثرياء، وكانت الفيلا (أو الدار) تحت إلى ترميم، فأسند الحاج جلال الأمر للمعلم فاروق، الذي قرر أن يعطي المقاولة كاملة لابنه لكي يستقل بالعمل ويرتقي بنفسه، فكان الأب يتابع العمل بشكل يومي خصوصا وأنه الممول؛ (أقام صاحب الدار مائدة للغداء في الحديقة، بالتأكيد احتفالاً بقدوم أبي...... لقد سلبت الفتاة واضعة الأواني عيني، وأشعلت النار في صدري. ناداها جلال "سوسن"، ما أجمل الاسم! وصاحبة الاسم أشد من الزهر جمالاً، لكن لكل جمال نقيصة)؛ عند الشعور بالحب من أول نظرة يحدث تفاعل كيميائي في الدماغ وينتج عنه مادة الدوبامين والتي تعطي إحساسًا بالسعادة والنشوة وعندها تنجذب لأحد الأشخاص ويعمل ارتفاعه في الجسم على فقدان الشهية وقلة النوم، إلى جانب ذلك يتم إفراز مادة السيروتونين بالإنجليزية:( Serotonin) وتعمل هذه المادة على تشتيت العقل حيث يمكن أن يسيطر التفكير في ذلك الشخص على العقل لدرجة تصل إلى 65% خلال اليوم؛ فيقول هذا الابن الذي وقع في حب "سوسن" من أول نظرة (تابعت العمل في الدار أترقب ظهورها، أتشمم رائحتها.)؛ لقد وجد الباحثون بإحدى الدراسات التي تمت في هولندا عام 2017 باستطلاع رأي أكثر من 400 رجل وامرأة عن تجربة الحب من النظرة الأولى "بأنّ الانجذاب الجسدي يلعب دورًا كبيرًا وراء هذا الشعور حيث يلتفت الشخص بالدرجة الأولى للجسم والشكل الخارجي أكثر من أي شيء آخر".
هناك عدة علامات تصاحب هذا الشعور والتي تؤكد على وقوعك في الحب من النظرة الأولى؛ منها
التفكير الدائم به: حيث يسيطر ذلك الشخص على أفكارك وعقلك الباطن وقد تكون هذه بداية حب حقيقياً من أول نظرة؛ (سألت عنها مباشرة! تبسم الحاج جلال وتألقت عينها متمنياً وداعياً وراجياً. أجسلها الحاج جلال ذات مرة معنا على مائدة الغداء وأخذ يحاورها أمامي). ومن علامات الحب من النظرة الأولى في علم النفس أيضاً، أن تستمع بقضاء الوقت معه: شعورك بالجاذبية تجاه ذلك الشخص يجعلك تشعر بالسعادة وأنت بجانبه ويدفعك لقضاء وقت أكثر معه؛ (سألني الحاج جلال: - هل استطعتً أن أربي؟؛ - نِعم الأدب يا حاج جلال. – هي كبناتي، الأدب والمكانة. نعم، هي كأحسن البنات، إذا علا صوتي مجادلاً أعواني أو سابا استغفرت، وإذا صحتُ بهم لاعناً تشهدت، لقد سلبتني أمري)؛ وتشمل الرعاية المقدمة بدار الأيتام توفير محيط اجتماعي صحي ومريح، بحيث يسد بقدر المستطاع النقص الحاصل نتيجة غياب الأسرة الحقيقية للطفل؛ وتنشئة الأطفال على القيم الصالحة وفق أصول التربية.
وهنا يبدأ الصراع النفسي والاجتماعي والعائلي، بسبب إقدام الابن على الشروع في طلب الزواج من إحدى الفتيات التي نشأت وتربت في إحدى دور الأيتام برغم من حُسنها الخارجي والداخلي، وتربيتها على الأخلاق الكريمة؛ وهنا طرح الابن السؤال على نفسه قبل أن يواجه به والده "فاروق" ويتذكر كيف ساعدته جدته الراحلة "صفية" عندما كان يرغب في عدم إكمال مستريته التعليمية والدخول للجامعة كما كانت أمنية أبيه، فإن إذا سيقنعه اليوم بهذه الزيجة؛ (أبي حارس التقاليد راعي الحرمات طموح الفكر، أيرضى بهذا نسباً!. ورحم الله جدتي، تذكرت دعوتها "يارب ما تفرق بين فاروق وأولاده...!"؛ أين أنت يا جدتي، من يجرؤ على فتح باب الحوار معه! لا، لن أعصي أوامره أو أفر من طاعته، سأطلب، سأرجو، سأتمسك)؛ كان حريص على إرضاء والده، وهذا أمر هام جداً وينم على حُسن التربية، قرر طلب الارتباط منه بأدب وإصرار دون مخالفة رأيه بالنهاية، فالعبرة بتدين الفتاة -هذا بالدرجة الأولى- وبأخلاقها.
نرى أن الزواج الناجح هو أن يجد الإنسان امرأة صالحة ترضاها الأسرة (الأب والأم)؛ لأن في ذلك عونا له على أداء كافة الواجبات، فإذا رضي الأب عن الزوجة، فإن الابن يُعان في الوفاء للزوجة والبر للوالدين، أما إذا بدأ الابن هذا المشوار بخلاف رغبة الأب وهو معاند ورافض فإن هذا سيتسبب بتعب وإرهاق في مستقبل الأيام، فقد يجد نفسه أمام خيارات أحلاها مر، وكلاهما صعب؛ لأن هذا الشرع يريد منا أن نُحسن للزوجة وأن نبر الأم والتي رأيها من رأي الأب الرافض، فإذا قصر الإنسان في حق الأم فويل له، وإذا ظلم زوجته فويل له (أبي حسم أمر زواجي من سوسن في ثلاثة حلول: إما أن أقتله، وإما أن يموت قضاء وقدرا، وإما أن يقتل هو سوسن ثم يقتلني. حُسم الأمر، ومرت الزوبعة، نسيت أمر زواجي انتظاراً لفرج الله، وهل أملك غير هذا، سافرت لبعض الوقت مع أعمامي في نزهة لأسبوع)؛ صحيح أنه خضع ونزل لرأي والده "فاروق" إلا أن هذا القرار قد كسر لخاطر الفتاة، فماذا سيكون تأثير ذاك القرار على نفسية "سوسن"؟!.
ورد سؤال على صفحة دار الإفتاء المصرية، وذلك عبر صفحتهم الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مضمون السؤال (ما حكم الزواج من فتاة مجهولة النسب ؟). وأوضحت دار الإفتاء، قائلة: أنه لا مانع من الزواج بهذه الفتاة، لا سيما إذا كانت صاحبةَ دينٍ وخُلُقٍ كريم، وهو ما قرره أكثر الفقهاء معيارًا لاختيار المرأة في النكاح، ولا يضرُّ كونها لقيطةً أو مجهولة النسب. وأشار إلى أنه يشترط الكفاءة في النسب إنما يكون في الرجل لا المرأة؛ لأنه هو الذي يبتدئ التوجُّه إلى مَن يريد الزواج بها، فموافقته على عدم الكفاءة متحقق، أما المرأة فهي التي تحتاج للنظر في حال مَن يتقدم لخطبتها هل هو كفء لها أو لا؛ والمقصود هنا بالآتين برأي الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي في حكم الزواج من فتاة مجهولة النسب من فتيات دور الأيتام، هو دراسة ومناقشة هل أتخذ الاب "فاروق" قراره بعدم السماح لابنه بالارتباط بـ "سوسن" استند إلى حكم الدين أم كانت العادات والتقاليد السائرة في المجتمع، والتي تأخذ قوة أحكام الفقة، فكانت ردت فعله (أبي عندما يثور فهو كالبركان بل اشد، أخرج من قلبه كل هفواتي السابقة دفعة واحدة. – صحيح يا واد، إياك صدقت إنك معلم وتقدر تساوي الروس ببعضها)؛ بل وبدأ يهدده في لقمة عيشه بأنه إذا خرج عن طوعه فلن يجد عمل وبالتالي لن يستطيع توفير المال اللازم لكي يفتح بيتا جديداً (أبي هدأ وجلس يفكر ثم عاد يقول من جديد: - فاكر إنك تقدر تشتغل بره؟ كلمة واحدة للمعلمين الكبار تنام على الرصيف).
وبسبب ما حدث، وكسر خاطر سوسن، فقد أدى ذلك بها للإصابة بالاكتئاب الحاد الذي أدى بها لطعن نفسها، للتخلص من حياتها (لقد انتحرت سوسن وخلفت لأبي خطاباً)، بالفعل تركت خطاباً للأب "فاروق" موجهه كلامها له في عبارات مؤثرة ومعاتبه أيه، وتناديه فيها (يا شيخ فاروق،... ويا عم فاروق،.... ويا حاج فاروق).
لم تظهر شخصية الأم، إلا في نهاية القصة، كأن المؤلف يريد أن يقول لنا بأن الأم تظهر عند اشتداد الأزمة، لاحتواء كل من حولها لتهدئة الموقف، فبعد أن قطع هذا الابن رحلته مع أعمامه للنزهة ونسيان حبه لسوسن، عاد مسرعا للبيت كأنه يشعر بحدوث شيءً ما (لم أستطع فراق البيت وحيداً! عدت على عجل، وجدت البيت في ترقب مشحون، مذا في البيت!... أشارت أمي إلى أسفل، نزلتُ جرياً، صدمتني دموع الحاج جلال، لا يبكي، إنما هو في نشيج طويل بلل لحيته!)؛ وكان رد فعل الأب "فاروق" بعد قرأته الخطاب التي كتبته "سوسن"؛ (أبي واجم شارد النظر كمن قُطع لسانه أو شُل فلا حراك!)، ولم يستطع هذا الابن استكمال قراءة خطاب سوسن، ليسمع ناد أمه (لم أكمل خطابها، نادت أمي جلال، البنت خرجت من العمليات وهي في غرفة الإنعاش الآن... لقطتً اسم المستشفى، أسرعت نحوها، لألقى نظرة عليها لعلها تكون تظرة الوداع، فالطعنة بالجنب الأيمن لسوسن، أما طعنتي فكانت بعقل أبي! أبي يلزم الدعاء والابتهال؛ لهيب لها ثم لنا جميعاً الحياة).
أصبحت قصص الانتحار في حياتنا مُتكررة مُعادة يوميا، وذلك بعد أن زادت الضغوط المادية والنفسية على الجميع، والتي يضعف امام أمواجها المُتلاطمة الكثير، فيدخل بعضهم في نوبة مزاج سيئ تدوم طويلاً، ويُقدم البعض على الحل الأسهل بترك السفينة بما تحمل مُفضلاً أن ينتهي عمره عند هذا الحد، بعدما يكون اليأس والأحباط قد تملكا منه. وها هو القاص "خليل الزيني" يرصد لنا كم الضغوط النفسية التي تعرض لها الفتاة الجميلة خُلقاً وخَلقاً، في قصة "سوسن وبيت الحمد"، فقامت بطعن نفسها محاولة الانتحار، وانتهت القصة وبعدما دخلت المستشفى وخرجت من غرفة العمليات بعد إجراء جراحة كبيرة جدا، واختتم قصته بمشهد هذا الشاب الذي احببها وهو ينظر لها بإعدى غرف العناية المركزة، ولم يذكر المؤلف هل هي بالفعل ماتت أم مازالت على قيد الحياة؟!، وسيتقبل الله دعوات المعلم "فاروق" لها بإن يطيل الله في عمرها حتى يصحح ما قام به ويزوجها بابنه، نهاية حزينة تبدو مفتوحة، حتى يفكر القارىء، وقد كان في خاطر الكاتب أنه سيكتب قصة ثانية، كجزء ثاني لتلك القصة ويبدأ من حيث انتهت الأولى بغرفة الانعاش بالمستشفى.