أزمات يصنعها الأفراد ويتحملها المجتمع بالكامل بقصة -فاوي- للكاتب د.عاصم خشبه


محمود سلامة محمود الهايشة
2023 / 12 / 26 - 22:57     

نشرت قصة "فاوي" للكاتب الدكتور عاصم خشبه، بصفحات 71-80، بمجموعته القصصية "مولود في الأول من توشكى"، الصادرة بمصر عام 1999؛ وقصة "فاوي" هي القصة الأخيرة من قصص المجموعة الأثنى عشر، بدأت بإهداء وتحية المؤلف، ثم تقديم بقلم الأستاذ عصام الغازي، وانتهت بدراسة نقدية بقلم الأديب الأستاذ أمين مرسي- رحمه الله.
تناول الكاتب عدة إشكاليات اجتماعية عاشتها الأسرة المصرية خلال الربع الأخير من القرن العشرين، من خلال رحلة بطل القصة "فاوي" صاحب (وجهاً مصرياً صميماً خمري اللون عريض الجبهة أسود الشعر)؛ بدأت رحلة "فاوي" مع (بشائر الفجر الأولى) لذلك اليوم (قبل ذهابه إلى التجنيد)، وبعد نهاية فترة التدريب بدأ فاوي وأقرانه (يخرجون في مجموعات للحراسة-أو الخدمة-على بعض المنشآت والفنادق في شارع الهرم بجوار المعسكر وفي أحياء القاهرة الأخرى حيث كانت السيارات تنقلهم إلى مكان الخدمة وتأتي بعد ساعات معلومة لتلتقطهم وتعود أدراجها إلى المعسكر)، تعرض "فاوي" للكثير من الصدمات النفسية لما رأها وشاهده خلال سنوات تجنيده، مما جعله يسأل نفسه (هل قريته جزء من مصر؟ هل القاهرة لها أي علاقة بباقي البلد؟).
وبسبب قلة ذات اليد، فلا تستطيع الأسر ان تعلم أولادهم (والأسرة لا تملك طيناً ولكن الأب يستأجر قطعة أرض ويزرعها مقابل الحصول على حصة من الأرز والقمح كغذاء رئيسي للأسرة؛ والبرسيم وخلافة كغذاء رئيسي للجاموسة الوحيدة والحمار اللذان يشاركا هم سكني المنزل)، وهو رصد لواقع الأسر بالقرى المصرية، وهي أنها تتكون أفراد يزرعون الأرض للحصول على محاصيل الحبوب لتغذية الإنسان ومحاصيل أعلاف ومراعي لتغذية الحيوانات التي تشاركهم حياتهم، باستخدامها لإنتاج الألبان واللحوم للأكل والشرب، والفصيلة الخيلية للعمل بالحقل والركوب والنقل.
كان ومازال يسعى سُكان الريف المصري إنجاب عدد كبير من الأبناء على الرغم من كبرهم بالسن (فالأب في السبعين من عمره ومع ذلك يبدو وكأنه في التسعين)، مما يعني أنه أنجب ابنه الأكبر "فاوي" وهو في الخمسين أي تزوج في سن متأخر، ومريض هو أمه (طبعا البهارسيا تشاركه حياته مشاركة كاملة وحتى الأم لم تنج منها بسبب معاونتها لزوجها في أعمال الحقل أضف إلى ذلك غسيل الملابس والأواني على شاطىء الترعة)، مما يعني أنهم يعيشون كأسرة فقيرة لا تمتلك مياه شرب وصرف صحي بمنزلهم، مما جعل "فاوي" يتسرب من التعليم ويترك المدرسة لصبح أمُيّ (ترك فاوي التعليم في سنينه الأولى رغما عنه كي يساعد أباه في العمل وفي رعاية إخوته)، وبالتالي قضى "فاوي" ثلاثة سنوات بالتجنيد الإجباري (مرت الأيام كأنها شهور، والشهور كأنها سنين، وقاربت دفعة فاوي على الخروج). وقد أقام الكاتب مقارنة بين شوارع وطرقات القرية المصرية آنذاك وشوارع القاهرة والجيزة، خاصة شارع الهرم وما يحتويه من ملاهي ليلية، وكيف حدث للبطل "فاوي" صدمة حضارية كبيرة!!
وقد وصف الكاتب د.عاصم خشبه بطل قصته "فاوي" شكلياً خارجياً "البعد الجسدي" (وجها مصرياً صميماً خمري اللون عريض الجبهة أسود الشعر)، كما وصفه نفسياً داخليا "البعد النفسي" قبل التجنيد (رأس مال أسرة فاوي الوحيد كان هو القناعة والرضا بالقليل زمعروف عنهم حُسن الجيرة والأدب؛ أحبهم كل أهل القرية)، وبعد الانتهاء من التجنيد والخروج من السجن بالقاهرة وعاد إلى (قريته ولكنه لم يكن فاوي البشوش المهذب القوي الرجل بمعنى الكلمة، ولكنه كان بقايا إنسان بائس صامت هزيل)!!.
تناول الكاتب عدة إشكاليات لأزمات تواجهة المجتمع المصري منذ عقود، يتسبب فيها أفراداً وليس مؤسسات، فرد يقوم بتصرف غير مسئول بسبب انعدام الضمير أو الأخلاق وتنتهي بكارثة مالية اقتصادية (تجذر الفقر وازدياد أعداد من هم تحت خطه)، صحية مرضية (انتشار الأمراض والأوبئة)، فكرية سياسية (الاستقطاب السياسي للجماعات المحظورة).
صحيح أن انتشار مرض البلهارسيا، جزء منها بسبب عدم مكافحة القواقع العائلة لهذا الوباء، وعدم توفر شبكات للمياه والصرف الصحي كبنية تحتية للكثير من القرى المصرية في تلك الحقبة الزمنية التي تناولتها القصة، وفقر الأسر وعدم قدرتها على العيش في مساكن يتوفر بها الاشتراطات الصحية الكافية، ولكن قامت الدولة المتسببة فيما سبق بتوفير مؤسسات للرعاية الصحية وبها الأدوية العلاجية لهذا المرض، فقام أفراد موظفين بتلك الأماكن الصحية أما بعدم الحضور إليها (آخر ما رأته عيناه هو الوحدة الصحية على أطراف القرية حيث تشغل مبنى هو أقرب إلى المخزن المهجور) أو بسرقة الدواء المجاني لإعادة بيعه بالسوق السوداء (إذا كان الدكتور بيجي يوم ويغيب شهر يبقى (حنفي) الممرض له الحق يعمل اللي هوه عاوزه...... أنه الطبيب الفعلي والممرض والصيدلي بالإضافة إلى عمله الأساسي وهو سرقة أدوية البلهارسيا على قلتها وبيعها للمرضي خارج الوحدة)، وبالتالي قلة مندسة من معدومي الضمير من المتفرض أنهم أمناء على تقديم الخدمية المجانية التي وفرتها الدولة.
تحارب الدولة المصرية الإرهاب والتطرف الديني منذ عقود، وقعد حدثت العديد من العمليات الإرهابية التي اثرت على حركة السياحة والاقتصاد المصري في تسعينيات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، وقد تطرق الكاتب الدكتور عاصم خشبه، لتلك الإشكالية في قصته "فاوي" لترك الشباب للاستقطاب من تلك الأطراف، لأسباب تم مناقشتها طوال القصة كالفقر والجهل والمرض، وبالإضافة إلى الظلم الذي قد يزج به الشباب للسجن، كما حدث مع "فاوي" والمتسبب فرد في موقع المسئولية منعدم الضمير فيضر مجموعة من الشباب، فبدلا من أن ننمي فيهم قيم الولاء والانتماء الوطني، فيتحولون إلى شوكة في ظهر الوطن تضر بمصالحه، وتصبح معول هدم وتخريب، حيث (كان فاوي يرتاد المسجد خاصة بعد عودته من الحقل وحاول (شلبي) صديق عمره أن يضمه إلى "جماعته" ولكن فاوي رفض وابتعد عنه)؛ وعندما اقترب "فاوي" الانتهاء من فترة تجنيده (طلب أحد البهوات جمع مبلغ من المال لعمل حفلة لبيه منقول وبالطبع تمنع الشباب)؛ وبعد شد وجذب (صبر الشباب كان قد نفذ فانطلقوا محطمين المعسكر ومشعلين النار فيه.... ليفرغوا غيظهم وتعب السنين في كل شيء متحرك وثابت)، وبالطبع كانت النتيجة الحتمية أن (دخل فاوي السجن ولا يعرف كم أمضى فيه هل هي أيام أم شهور؟!)؛ وعندما عاد فاوي للقرية كان أكثر الناس سعادة بعودته (فقد كان "شلبي" صديقه لأن فاوي في حالته هذه سيكون لقمة سائغة "للجماعة")؛ وكانت هذه هي نهاية وخاتمة مدهشة للقصة.
=======
# عناوين أخرى مقترحة لنفس الدراسة:
 مثلث الفقر والجهل والمرض بقصة "فاوي" للكاتب د.عاصم خشبه
 لابد من القضاء على منابع التطرف بقصة "فاوي" للكاتب د.عاصم خشبه
 علم الاجتماع السياسي بقصة "فاوي" للكاتب د.عاصم خشبه
 لمحة من حياة الأسرة المصرية في تسعينيات القرن العشرين للكاتب د.عاصم خشبه