الرمزية والإسقاط الاجتماعي بقصة -الحمار الشرس- للكاتب د.بسام الحاج


محمود سلامة محمود الهايشة
2023 / 12 / 25 - 11:26     

من منا لا يحب القصص التي يتشارك فيه أحد الحيوانات البطولة مع الإنسان، وخاصة الأليفة منها؟!، فهذا مع حدث في قصة "الحمار الشرس" للكاتب الفلسطيني الدكتور بسام الحاج، وهي القصة الثالثة بترتيب مجموعته القصصية "حرّاس البيادر" والصادرة عن المكتبة العربية للنشر والتوزيع بالقاهرة، ط1، 2019، ص21-25.
تعد القرية القريبة من مدينة نابلس، هي مسرح أحداث تلك القصة، وسالم وحماره الشرس وأولاده هما أبطالها، أما بقية أهالي القرية شخوص متفاعلين مع الأبطال ومشاهدين لهم. ولأن "سالم" مدخن شره، لذا فقد أهداه أحد أصدقائه من يعبد دخان نخب أول وقطفة أولي، حيث أن (أهل يعبد مشهورين بالدخان العربي، هم بزرعوه عندهم في شهلهم الواسع).
وقد اهتم الكاتب بوصف البُعد الشكلي والجسدي للبطل "سالم" صاحب (الشوارب المعقوفة للأعلي، يلبس قمبازه المخطط بالبيض والأسود، وكوفيته التي يثنيها على رأسه، ويسمك علبة (الهيشة) ويبرم سيجارته التي ينفث دخانها إلى الأعلى)؛ الهيشة: نوع من السجائر.
يعاني بطل القصة "سالم" من جنون العظمة، وهو اضطراب الوسواس القهري، والذي يصف حالة من الاعتقاد يبالغ فيها الشخص بوصف نفسه بطريقة مخالفة للواقع، فيدعي أن لديه قدرات خارقة وقدرات كبيرة، موهبة بارزة، مبالغ طائلة من المال، أو علاقات مهمة. يستخدم الخبراء مصطلح جنون العظمة لوصف البارانويا كحالة مرضية عابرة، كما هو الحال مع بعض الأمراض العقلية؛ فهو (يحب دائماً أن يظهر بمظهر الزعامة؛ فالزعامة في عالمهمهوى الفؤاد، لتزداد رفعته بين الناس، وهو لا يملك ثقافة أو علماً ولم يقرأ يوماً كتاباً، رغم أنه كان يضع جريدة القدس تحت إبطه عندما يزور مدينة نابلس؛ ليشتري (مونة الدار) ويأكل الكنافة النابلسية من البلدة القديمة)؛ والمقصود بـ "مونة الدار" ما تحتاجه العائلة من طعام وشراب بشكل أساسي.
ذهان (مرض عقلي) يتميز بهذيان ملحوظ ومستمر، أي سلسلة من نوبات الهذيان المنتظمة التي يتحكم فيها المريض بمجموعة ثابتة من المعتقدات. يتركز هذيان المريض المصاب بجنون العظمة على مشاعر السامي والمضطهد، ويعيش بأفكار سلطوية تؤدي إلى الهذيان، ولكن لا علاقة له بالهلوسة. بدت كلمات المريض منطقية؛ فـ "سالم" (لم يسمع عن حضارة، ولم يقدم لها امراً، ورغم ذلك فهو يشارك في كل حديث يدور أمامه). البارانويا هو إيمان راسخ بالأفكار الخاطئة. إنها حالة نفسية مرضية يكون فيها للمريض نظام معتقد معقد ومفصل يحيط بأوهام الواقع. قادته هذه الأوهام إلى الاعتقاد بأنه يتعرض للاضطهاد من قبل الآخرين والسبب الرئيسي لتعرضه للاضطهاد من قبلهم هو أنه إنسان عظيم ومهم للغاية؛ أنه ذهب (ليهنىء جاره العائد من البلاد الأجنبية بعد دراسته للفيزياء، ناقشه في الذرة وحجمها، وكاد يجادله في نظرية اينشاين، فهو يرغب أن يُنظر إليه انه ذو شأنٍ وقيمة).
وهناك جاء دور حمار "سالم" القوي الشرس جداً كما وصفه الناس، كان يملك (حماراً قوياً، كأحد الثروات التي لا يستغني عنها أي أحد في القرية، فهو بالنسبة له إيده ورجلوه؛ ليتناسب مع طبيعة الحياة التي يحياها)، فهنا وصف الكاتب طبيعية المكان الذي تدور به أحداث القصة وبطلها "سالم" أن من أهم وسائل المواصل بها هي الحمير، واستكمل وصفه لحمير القرية (فالحمير كثيرة جداً، ولكن الأقوياء منها قليلة، وعادة الحمير أن تساق بكل يسر وسهولة، ولكنّ حماره شرش جداً)، وأظن هنا بأن المؤلف لا يقصد الحمير في الظاهر، بل هو يرمز لشخصيات تتصف بتلك الصفات.
تشمل أوهام الاعتقاد أيضًا ما يسمى ب "البارانويا" ، وهو الإيمان بوهم العظمة ، بحيث يعتقد المرضى بشكل قاطع أنهم حالة خاصة ومتفوقة من كونهم مختلفين عن الآخرين ، وأن لديهم قدرات ومواهب قد تختلف عن الآخرين... على سبيل المثال ، قد يتخيل نفسه ، على سبيل المثال لا الحصر ، مسؤول سياسي مهم أو زعيم حزب، أو أنه قريب أو قريب من رئيس الوزراء، أو أنه رجل أعمال ثري لديه الكثير من الثروة والمال (رغم أنه يأكل الكثير من التبن والشعير ولا ينقصه شيئاً، وإطعامه يرهقه كثيراً رغم الغني الذي يدّعيه ويفاخر به بين الناس)، أو أنه فلاسفة حكماء وكتّاب عصره (ورغم نصيحة العقلاء ببيعه، لأنه لا خير فيه والخطر منه قريب، رفض يبيعه أو يتخلى عنه، فهو يراه أقوى حمار في البلد). كان لا يُضاهى، شاعر أمير، عالم كونيات ، منظّر أو رجل دين ، لذلك قد تدفعه الهلاوس والأوهام أحيانًا إلى الادعاء بأنه نبي أو إمام، وجاء سبب تمسك "سالم" الكبير بالحمار بأنه (يعطيه جزءاً من المهابة، والكثير من الناس يتمسك بالرقم الأول مهما كانت دلالته، حتى وإن كان حماراً)، ياله من تشبيه غاية في الروعة، فقوة سالم من قوة حماره الشرس الذي يأكل كثيراً.
ثم جاء صراع جديد بين سالم وحماره بعد أن هجم على أحد ابنها أثناء إطعامه، ولولا تدخل الجيران لقتله، فقررا بعد أن جاهد نفسه بأن يتخلص منه بأن يقتله حيث لن يجد من يشتريه منه، فهو حمار سيء السمعة، بسبب سلوكه الشرس العدواني تجاه الآخرين، أول محاولة قلت كانت باستخدام (بلطة)، فعايره الناس بقولهم (ارجع يا قاروط.. بدك الناس يقولوا سالم قتل جحشو بالبلطة.. فش عندوا باروى)، والقاروط هو الطفل الذي مات أبوه؛ وفي المحاولة الثانية كان باستخدام بندقية أحد الثوار، وجاءت المعايرة مرة أخرى لأن البنادق إذا وجدت توجه إلى صدور العدو، وليس إلى رأس الحمار، ولكنه بالفعل استطاع الحصول على البندقية و (ساق الحمار إلى منطقة الإعدام التي تطلّ على هاوية سحيقة امسك بندقيته وصوب جيدا على الحمار، وأطلق الرصاصة الأول، مرّت من جانبه الأيمن، أطلق الرصاصة الثانية مرّت من جانبه الأيسر، أطلق الثالثة، طارت إلى السماء عالياً لقد فشل في المحاولات الثلاثة). وهنا الصدمة، القيم والمثل الفردية المهتزة بعمق، الإحباط، حالات الفشل، الصراع النفسي بين رغبة الفرد في تحقيق رغباته والخوف من عدم القدرة على تحقيقها. تشير النظرية السلوكية إلى أن جنون العظمة يؤدي إلى التعلم الخاطئ من بعض العادات السلوكية الخاطئة.
وحتى لا يظهر "سالم" أمام أهل القرية بأن قد فشل في إصابة حماره بطلقة رصاص واحدة من البندقية، بعد أن سمعوا صوت دوي الرصاص، وعرفوا أنه قد اعدام الحمار؟!، فقال لابنه: (يظهر أن الحمير أعمارها طويلة.. ادفع معي الحمار إلى الوادي)، أي قتله ولكن ليس بالرصاص، الرجل المهووس يتحدث كثيرًا ويتحدث باستمرار وينتقل من موضوع إلى آخر دون أي صلة بين المواضيع التي يقولها. علاوة على ذلك ، قد تؤدي كمية التمارين وقلة النوم إلى أيام قليلة بدون نوم ، مما قد يسبب الكثير من الضغط النفسي للمريض ، وفي بعض الحالات يستمر المريض في ممارسة الرياضة دون راحة ، وقد يتسبب في الوفاة. او النوم. عاد "سالم" إلى بيته وهو (يشعر بنصر كفتح القدس).
قال له جاره الحكيم بعد عودته: (راح حمارك يا سالم، وظل في هالبلد ألف حمار... البلد مليانة حمير، خلصنا من واحد، وشو بدنا نعمل في إلى ظايلات؟؟؟)؛ وغالبًا ما يتم الكشف عن الشخص المصاب بجنون العظمة الذي يدعي أنه صاحب اكتشاف علمي مهم، أو طبيب محترف معقد له تاريخ طويل، وقد يخدع البعض الجمهور، خاصة في الريف والمناطق الريفية، بسبب هويته الحقيقية. ومكانه الصحيح هو مستشفى الأمراض العقلية. بالرغم من وجود الحمير بكثرة بالقرية، إلا أن القاص الدكتور بسام الحاج، احد على وجود العقلاء والحكماء بالقرية أيضا، فقد كان لهم صوت العقل والحكمة في الكثير من المواقف.
===========.
# عناوين أخرى مقترحة لنفس الدراسة:
 الناس يتمسكون بالرقم الأول بقصة "الحمار الشرس" للكاتب د.بسام الحاج
 جنون العظمة بقصة "الحمار الشرس" للكاتب د.بسام الحاج