الإغواء الديني


طلعت خيري
2023 / 12 / 21 - 00:39     

اعتذر المكيون لمحمد عن الإيمان بالله واليوم الأخر، خوفا من محاولات الاغتيال التي قد يتعرضون لها على يد زعماء وسادة قريش ، وقالوا ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ، نتخطف نغتال ، الاغتيال عذر لرفض الإيمان ، وذريعة غير واقعي لان المجتمع المكي بكل طوائفه الدينية متفقون على الحرمة المكانية للبيت ، داخليا بما يسمى الحرم المكي ، وخارجيا بما يسمى أشهر الحرم ، رد الله عليهم ، أولم نمكن لهم حرما أمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ، رغم الحماية الجغرافية سواء ان كانت باتفاق مجتمعي سياسي بين الطوائف ، أو بتوصيات من الله ، إلا ان ذلك لا يحمي أهل مكة من العذاب الدنيوي ، فلا حرمة عند الله لا لمكة ولا لبيته ، ان لم يستجيبوا لقول الحق ، فضرب لهم مثلا عن كم هائل من القرى المدمرة معظمها كانت تتمتع برفاهية معيشية عالية ، لا يختلف بطرها عن بطر أهل مكة ، وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم ، إلا قليلا وكنا نحن الوارثين

وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{57} وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ{58}

آلية العذاب الدنيوي التي اتبعها الله مع القرى السابقة ، استوفت شروطها على أهل مكة ، بعد بعثة النبي فيهم ، لكن الله حرم على نفسه تدمير القرى دون إنذار سابق ، وما كان ربك مهلك القرى ، حتى يبعث في أمها رسول ، يتلوا عليهم آياتنا ، وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ، وهذا بمثابة تهديد على ان مكة استوفت لشروط العذاب ، نبهه الله المجتمع المكي على ان الدنيا وزينتها ، متاع وقتي للكائن البشري يستثمره لصالحه ، وما عند الله من متاع في الآخرة خير وأبقى ، وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها ، وما عند الله خير ابقى أفلا تعقلون ، ترك الله للإنسان حرية الاختيار بين متاع الدنيا ومتاع الآخرة ، متاع الآخرة ، أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه ، متاع الدنيا كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم يوم القيامة من المحضرين ، استغل الفكر الوثني الشركي لأهل مكة متاع الحياة الدنيا في إغواء أصحاب الأهواء والملذات وفق آلية عقائدية مفادها ، ان الله ابلغ شركائه الملائكة بان لا حرمة على الملذات ، ثم يناديهم – ينادي الذين تم إغوائهم تحت عقيدة الشريك مع الله ، فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ، قال الذين حق عليهم القول أي العذاب ، ربنا هؤلاء مشيرين الى منظري الإغواء ، ربنا هؤلاء الذين اغوينا ، أغويناهم ، بمعنى اعترفوا بإغوائهم لغيرهم ، كما غوينا ، كما غيرنا غوانا ، تبرانا إليك وما كانوا إيانا يعبدون ، استدعى الله الذين ادعوا الملائكة بناته ، وقيل ادعوا شركاءكم ، فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ، وراو العذاب لو أنهم كانوا يهتدون

وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ{59} وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ{60} أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ{61} وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ{62} قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ{63} وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ{64}

معظم منظري الإغواء السياسي الطائفي ينسبون أقولهم الى الأنبياء ، في أحاديث يشتق لها أسماء رواة من العمق التاريخي لمبعث الرسل ، فنية اختيار الأسماء ، توحي اعتقادا على أنهم ينتمون الى تلك الفترة ، فأي طرح فكري سياسي إغوائي يراد تمريره في فكر القاعدة الجماهيرية ، ينسب الى الأنبياء وعلى لسان أسماء الرواة لتلك الفترة ، فيدخل الأنبياء في شراكة إلهية مع الله عن طريق الرواة ، ويوم يناديهم ، ينادي منظري الأفكار الطائفية المنسوبة الى الأنبياء والرواة ، فيقول ماذا أجبتم الرسل ، لم يجبوا الرسل ، لأن الأسماء تاريخية انتقائية منسوبة الى فترة الرسل ، فعميت عليهم الأنباء ، بمعنى لا يعلمون أي شيء عن أقول الرسل ، يومئذ فهم لا يسمعون ، فأما من تاب عن شركه وامن وعمل صالحا فعسى ان يكون من المفلحين ، وربك يخلق ما يشاء ويختار ، ما كان لهم الخيرة، فالدين من اختيار الله وليس من اختيار أصحاب الرغبات والأهواء ، سبحان الله تعالي عما يشركون ، وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ، وهو الله لا اله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم واليه ترجعون ، قل ارايتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا أبديا الى يوم القيامة ، من اله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون ، قل ارايتم ان جعل عليكم النهار سرمدا أبديا الى يوم القيامة من اله يأتيكم بليل تسكنوا فيه أفلا تبصرون ، ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ، ويوم يناديهم ، ينادي الذين اتبعوا الرواة ، فيقول أين شركائي ، الأنبياء ، ونزعنا من كل امة شهيدا ، أي استخرجنا من كل امة شهيدا ، يشهد على الذين زعموا ان الأنبياء شركاء الله ، فقلنا هاتوا برهانكم ، ليس لديهم دليل على مزاعمهم ، فعلموا ان الحق لله ، وضل عنهم ما كانوا يفترون ، غاب عنهم شركائهم مع الله ، ولم يبقى إلا هو الحق

وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ{65} فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ{66} فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ{67} وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{68} وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ{69} وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{70} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ{71} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ{72} وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{73} وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ{74} وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ{75}