قفزة جديدة في حرب التحرير الوطني الفلسطيني


حزب الكادحين
2023 / 12 / 20 - 00:14     

‎ ‎هذا ليس الهجوم الأول الذي يشنه ‏الشعب الفلسطيني ضد الدولة الصهيونية، ‏لكنّ الهجوم الحالي له بعض السمات ‏المميزة، وهذه الميزات تميزه عن سابقاته‎.‎‏ ‏فجميع المنظمات التي تدافع عن تحرير ‏فلسطين وتخوض الكفاح المسلّح ضد ‏الاحتلال الصهيوني هي مشاركة في هذه ‏الحرب، وتقدّم مراكز العمليات المشتركة ‏التعليمات للمقاتلين. ‏‎ ‎بدأت هذه الوحدة ‏تتشكل خلال انتفاضة 2021، وقد ظهرت ‏على إثر ذلك مجموعات مسلحة ضمّت ‏مشاركين من تنظيمات مختلفة مثل عرين ‏الأسد ولواء جنين. وتنظّم هذه الجماعات ‏باستمرار هجمات ضد المحتلين، وهي ‏هجمات آخذة في الازدياد‎.‎
‏ تسترشد حماس بأيديولوجية إسلامية، ‏وتدافع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن ‏الماركسية اللينينية، القوى الماركسية ‏اللينينية الأخرى، حزب الله في لبنان، ‏ومختلف قوى التحرير الوطني الأخرى ‏في فلسطين، بما في ذلك اللاجئين ‏الفلسطينيين في البلدان المحيطة، جميعهم ‏يشاركون بشكل مباشر أو غير مباشر في ‏هذه الحرب. ولذلك فمن الخطأ وصف هذه ‏الحرب بأنها حرب بين إسرائيل وحماس ‏أو بين إسرائيل وغزة، هذا فصل جديد ‏ومرحلة جديدة في حرب التحرير الوطني ‏للشعب الفلسطيني ضد الحكم الاستعماري ‏الصهيوني‎.‎
‏ تختلف المنظمات المشاركة في وجهات ‏نظرها الأيديولوجية، ومع ذلك، هناك ‏موقف مشترك يوحدها، فجميعها ترفض ‏الحلّ الثنائي القومية. وبحسب هذه الخطة، ‏التي تدعمها الولايات المتحدة، ستكون ‏هناك دولة يحكمها الصهاينة ودولة أخرى ‏تمنح بعض الأراضي للفلسطينيين، وهو ‏وضع غير مقبول بالنسبة للمنظمات ‏الفلسطينية المحاربة. لقد قبلت منظمة ‏التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات ‏هذه الخطة الإمبريالية، وكخطوة في هذا ‏الاتجاه، مُنح الفلسطينيون بعض الحكم ‏الذاتي تحت سيطرة الدولة الصهيونية. ‏ورغم أنّ الإدارة الفلسطينية لها علمها ‏الخاص وعضويتها في الأمم المتحدة، إلا ‏أنها في الواقع ليست أكثر من حكومة ‏بلدية، وكثيراً ما استُخدمت الشرطة ‏لمهاجمة المنظمات المسلّحة وسجن قادتها ‏وناشطيها، وهذا ما تواصل فعله حتى ‏الآن‎.‎
‏ وفي المقابل، تدعو المنظمات المنخرطة ‏في الانتفاضة الحالية إلى التحرير الكامل ‏لفلسطين، وهذا ما جاء بوضوح في ‏شعارها: "حرروا الوطن من النهر إلى ‏البحر ‏‎!‎‏" ويعني ذلك من الحدود الشرقية ‏بمحاذاة نهر الأردن غرباً حتى البحر ‏الأبيض المتوسط، وهذا يعني التدمير ‏الكامل للدولة الاستعمارية الاستيطانية ‏المعروفة باسم إسرائيل‎.‎‏ وهذا هو الموقف ‏الذي أعلنته هذه المنظمات‎.‎
‏ ويدّعي المعسكر الذي تقوده الإمبريالية ‏الأمريكية أنّ هذا يعني تكرار المحرقة ‏التي ارتكبها النازيون، فحماس هي أهمّ ‏مشارك في هذا النضال الموحّد، وهناك ‏من يرى أن هذه المحرقة ستكون نتيجة ‏حتمية لأنّ حماس ذات أيديولوجيا ‏إسلامية. فماذا تقول حماس؟
‏ توضّح وثيقة المبادئ والسياسات العامّة ‏التي تبنّتها حماس عام 2018 أنّ ‏صراعاتها هي ضدّ المشروع الصهيوني، ‏وليس ضدّ اليهود بسبب دينهم، وتَذكر أنّ ‏حماس تحارب اليهود ليس لأنّهم يهود، بل ‏تحارب الصهاينة الذين يحتلون فلسطين. ‏وتشير الوثيقة إلى أنّ الصهاينة هم الذين ‏يربطون باستمرار اليهودية واليهود ‏بمشاريعهم الاستعمارية واحتلالاتهم غير ‏القانونية. كما تُذكّرنا بأن المسألة اليهودية ‏ومعاداة السامية واضطهاد اليهود هي ‏ظواهر مرتبطة بشكل أساسي بالتاريخ ‏الأوروبي، وليس بتاريخ أو تراث العرب ‏والمسلمين، وتعلن أن فلسطين ستظل دائماً ‏نموذجاً للتعايش والتسامح والإبداع ‏الحضاري‎.‎
‏ أمّا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فهي ‏لا تقبل بدولة إسرائيل، كما تعتقد أن الدولة ‏الفلسطينية الواحدة هي الحل الوحيد، ‏وتعلن أنّ هدفها هو إنشاء شعب فلسطيني ‏ديمقراطي يعيش فيه العرب واليهود دون ‏تمييز، دون طبقات واضطهاد قومي، مما ‏يسمح للعرب واليهود بتطوير ثقافتهم ‏الوطنية. ولدى المنظمات الأخرى في هذا ‏الاتحاد أيضًا وجهات نظر مشابهة لتلك ‏التي تدافع عنها هاتان المنظمتان ‏الرائدتان، ولا يرى أحد منها ضرورة ‏إبادة اليهود بالجملة أو طردهم من هذه ‏الأراضي، إلّا أنّها تصرّ جميعاً على ‏التدمير الكامل للدولة الصهيونية ‏الاستعمارية‎.‎
‏ ومن ناحية أخرى، بذلت الطبقة الحاكمة ‏قصارى جهدها لتنفير كل العرب منذ قيام ‏الدّولة الصّهيونيّة. لقد اتبعت دائمًا سياسة ‏التمييز ضد الفلسطينيين، سواءً كان ذلك ‏في ما يتعلق بحقوق الإنسان أو الموارد ‏مثل الأراضي الزراعية والمياه‎.‎‏ لقد ‏انتهكت مرارا وتكرارا الاتفاقيات الدولية ‏وقامت باستمرار بتوسيع المستوطنات ‏الصهيونية. لقد داست على ممارسات ‏الفلسطينيين الثقافية ومعتقداتهم الدينية، وقد ‏طبقت باستمرار سياسات عنصرية ‏وتمييزية. ويستمر هذا الوضع منذ عقود، ‏بغض النظر عن الحزب السياسي الموجود ‏في الحكومة، فدستور هذه الدّولة ينصّ ‏بوضوح على أن إسرائيل هي الدولة ‏القومية للشعب اليهودي، بالإضافة إلى ‏ذلك، يُذكر أن حق تقرير المصير في ‏إسرائيل خاص بالشعب اليهودي فقط. ‏
‏ إنّه لدينا، من جهة، طبقة حاكمة ‏استعمارية عنصرية ودولتها عنصرية ‏وكذلك جيشها الذي تدعمه القوى ‏الإمبريالية بكل الطرق (الإمبريالية ‏الأمريكية تساهم بـ 3 مليارات دولار ‏سنوياً لدولة إسرائيل). ومن جهة أخرى، ‏فإنّ القوى التي تناضل من أجل إقامة ‏فلسطين حرّة يستطيع جميع المواطنين، ‏بغض النظر عن معتقداتهم الدينية، أن ‏يعيشوا دون تمييز وقمع. هذا هو المحتوى ‏السياسي لهذه الحرب، فأيّ جانب يجب أن ‏يختاره من يقف إلى جانب الديمقراطية ‏والعدالة ويدافع عن تحرير الشعب ‏؟ الإجابة واضحة.‏
‏ السّمة الأخرى المميزة لهذه الحرب هي ‏هذه، إنّه تذكير قوي لشعوب العالم بأن ‏المظلومين يمكنهم التغلّب على وهزيمة ‏حتى التكنولوجيا وأنظمة المراقبة الأكثر ‏تقدمًا وحداثة. إنّ غزّة محاطة بالكامل ‏بأسوار "ذكيّة" تتكوّن من أسلاك شائكة ‏وأبراج مراقبة وأجهزة استشعار ترصد ‏النشاط تحت الأرض، فجميع الاتصالات ‏الهاتفية والإشارات الإلكترونية تحت ‏المراقبة الكاملة، وقد تغلّب مقاتلو التحرير ‏الفلسطينيون على كل واحدة منها، وعبروا ‏الحدود ووجّهوا ضربة قويّة‎.‎
‏ في التحليل النهائي، النصر لا يتمّ ‏تحديده عن طريق التكنولوجيا ولكن عن ‏طريق تصميم الشعوب على القتال والفوز. ‏‏"من يجرؤ على القتال، يجرؤ على ‏الفوز"، كلمات ماوتسي تونغ هذه تؤكّدها ‏مرّة أخرى الأعمال الشّجاعة التي قام بها ‏المقاتلون الفلسطينيون‎.‎
‏ لقد شهد العالم ذلك بالفعل خلال حرب ‏فيتنام والعديد من حروب التحرير ‏الأخرى، والآن يرى ذلك في حروب ‏الشعوب الجارية‎.‎‏ لا توجد تكنولوجيا في ‏العالم لا يمكن هزيمتها بتصميم وإبداع ‏الجماهير، وإذا اعتقد شخص ما أن الشعب ‏لا يستطيع مقاومة تكنولوجيا العدو ‏المتقدمة، فهذا مجرّد جبن وتفكير انهزامي. ‏وعلاوة على ذلك، فإن التكنولوجيا ليست ‏مستعصية على الحلّ أو بعيدة المنال في ‏يومنا هذا، حيث يمكن للناس السيطرة ‏عليها. إنّ اللقطات التلفزيونية لبعض ‏منصات إطلاق الصواريخ الفلسطينية التي ‏شوهدت في المراحل الأولى من هذا ‏الهجوم دليل على ذلك، هذه هي الأشياء ‏التي يمكن لأي شخص إنتاجها باستخدام ‏المواد المشتراة من متجر الأجهزة وآلة ‏اللحام. لقد تمّ التغلب على التكنولوجيا ‏الأكثر تقدمًا بمواد بسيطة جدًا، علاوة على ‏ذلك، فقد أصبح منتجًا بكميات كبيرة، لقد ‏تمّ التغلب على التخلف في الجودة انطلاقا ‏من الكمية‎.‎
‏ وكان الصهاينة يتفاخرون بـ "القبة ‏الحديدية" التي يمكنها مقاومة أيّ هجوم ‏صاروخي. فبكشف إطلاق أيّ صاروخ ‏يتجه نحو إسرائيل سيتم إطلاق صاروخ ‏مضادّ على الفور وسيتم تدمير الصاروخ ‏القادم في الجو‎.‎‏ نعم، لقد تمكّنوا من القيام ‏بذلك في الماضي. لكن هذه المرة كانوا ‏يواجهون آلاف الصواريخ، كان من ‏المستحيل إسقاطها جميعًا مرّة واحدة، ‏فالعديد منها اخترقت «القبة الحديدية» ‏وأصابت أهدافها. كيف تمكّنت قوات ‏التحرير الفلسطينية من جمع هذا المخزون ‏الصاروخي الضخم ؟ لم يكن لديها مصانع ‏أسلحة كبيرة ولم تتمكّن من تشغيلها ولم ‏يكن لديها الموارد أيضا، إنّ كلّ ما كان ‏لديها هو الجماهير‎.‎‏ لقد أصبح المستحيل ‏ممكنا بفضل مشاركة الجماهير وإبداعها، ‏وعندما تم تنظيم ومركزة هذه الإمكانات ‏المشتتة، تحوّلت إلى قوة هائلة قادرة على ‏تحطيم بنية العدوّ. تمكّن آلاف المقاتلين من ‏دخول الأراضي التي يسيطر عليها الغزاة ‏وشن هجمات ناجحة، واللافت أنهم تمكنوا ‏من البقاء هناك ومواصلة القتال لعدة أيام ‏وتم توفير الذخيرة وتعزيزات المحاربين ‏لتحل محلّ القتلى والجرحى في ‏الاشتباكات‎.‎
‏ وبعد يوم أو يومين، بدأت تقارير تظهر ‏في الصّحافة الغربية تزعم أن الصهاينة ‏كانوا على علم بهجوم وشيك لكنهم ظلوا ‏صامتين عمدا، وقيل إن ضابط مخابرات ‏مصري أبلغ الحكومة الإسرائيلية أن شيئا ‏كبيرا يحدث في غزة، وقيل إنهم سمحوا ‏بحدوث ذلك حتى يتمكنوا من استخدامه ‏كذريعة لشن هجوم شامل لتدمير حماس ‏بالكامل. تبدو هذه، للوهلة الأولى، محاولة ‏لحرمان المظلوم من أي إبداع أو ‏إمكانات؛ للتغطية على الفشل الذريع ‏لتكنولوجيا الظالم‎.‎‏ لكن لنفترض أن هذا ‏صحيح، وحتى ذلك الحين، هناك شيء ‏أساسي هنا، إنّ جميع الطبقات المستغِلّة ‏في كل مكان وفي كل الأوقات كانت لديها، ‏ولا تزال، فكرة متعجرفة مفادها أنّ ‏المضطهَدين غير قادرين على شن هجوم ‏كبير ضدها، لذلك، فحتى لو كان لديهم ‏‏(الصّهاينة) بعض المعرفة المسبقة، فإنهم ‏غالبًا ما يفشلون في منعها، وهذا ضعف ‏ناشئ عن شخصيتهم الطبقية‎.‎
‏ وأثارت القفزة الجديدة في حرب ‏التحرير الفلسطينية قلقاً كبيراً، خاصة بين ‏المستوطنين اليهود في المستوطنات ‏الجديدة، هذه هي السمة المميزة الثالثة ‏للحرب الحالية، وكان هذا واضحا لبعض ‏الوقت. الآن هناك زيادة كبيرة في هذا ‏القلق، فقد زاد عدد اليهود الذين غادروا ‏بشكل كبير، وقال الزعيم الصهيوني ‏نتنياهو إن هذه الحرب ستغير وجه غرب ‏آسيا إلى الأبد، سيحدث بالتأكيد، والصور ‏التي تم بثها من مطار تل أبيب تثبت ذلك ‏بوضوح. لقد جاء المستوطنون من بلدان ‏مختلفة ومعظمهم يحملون جنسية مزدوجة، ‏وبعد الهجوم الجديد لقوات التحرير ‏الفلسطينية، زاد الطلب على جوازات سفر ‏الدول الأخرى، أمّا أولئك الذين يحملون ‏جنسية مزدوجة فيعتمدون عليها بشدة ‏للخروج‎.‎
‏ ادّعت الدولة الصهيونية منذ البداية أن ‏إسرائيل تأسست لتكون ملجأ لليهود من ‏جميع أنحاء العالم. في الواقع، فإن تمييز ‏اليهود الأوروبيين والتمييز ضد اليهود ‏القادمين من الدول الآسيوية والأفريقية أمر ‏متأصل في الدولة الصهيونية. وقد بدأ ‏العديد من الذين هاجروا إلى هناك يدركون ‏أن البلاد لم تكن في الواقع "الأرض" ‏الموعودة، ولم يكن هذا بسبب النضال من ‏أجل التحرير الوطني الفلسطيني فقط، بل ‏لأنّ إسرائيل هي واحدة من أكثر الدول ‏التي تعاني من عدم المساواة. فتركّز ‏الثروة مرتفع للغاية في إسرائيل، وعلى ‏الرغم من كل القشرة الرأسمالية، فإن ‏السيطرة الاقتصادية تظل في أيدي نحو ‏عشرين عائلة يهودية، وتمتلك هذه ‏العائلات حوالي 60 بالمائة من دخل ‏البلاد، وهي، مثل أي طبقة حاكمة أخرى، ‏تجد نفسها في وضع صعب، فإن الطبقة ‏الحاكمة الصهيونية تشجع القوى الدينية ‏المحافظة للغاية، ونتنياهو المتّهم في قضية ‏فساد، وأملاً في التهرب من الدعوى ‏المرفوعة ضده، أسس حكومته على أساس ‏هذه القوى، وتمّ تنفيذ القوانين التي تم سنها ‏لضبط ومنع أي تدخل من قبل المحكمة ‏العليا بدعم من هذه القوى. وقد أدت هذه ‏الخطوات التي اتخذها الحكام الحاليون إلى ‏استياء كبير، وسرى احتجاج قوي بين ‏اليهود، فأعلن العديد من الشباب اليهود ‏أنهم لا يريدون الخدمة كجنود احتياط في ‏الجيش كما يقتضي القانون. ومن قبل أن ‏يبدأ الهجوم الجديد لحرب التحرير ‏الفلسطينية كان الاستياء والانقسام مرتفعا ‏بين اليهود‎.‎
‏ وحاول نتنياهو استخدام الأسلوب ‏الهجومي لتجاوز هذا الوضع الصعب، ‏ودعا إلى تشكيل حكومة حرب طوارئ ‏تضم جميع الأحزاب السياسية في ‏استعراض "للوحدة الوطنية". وقد خلق ‏الهجوم الفلسطيني وضعا متوترا للغاية ‏داخل إسرائيل، ورداً على ذلك، ظهرت ‏وحدة واسعة بين اليهود. ومع ذلك، وعلى ‏الرغم من كل هذا، لم يكن ناجحا كما ‏أراد، فقد رفض أكبر حزب معارض ‏الانضمام إلى حكومة الحرب وأوضح أنه ‏لن يشارك إلا بعد إزالة الأحزاب الدينية ‏الأرثوذكسية من الحكومة، وبعد يوم واحد ‏فقط من الهجوم الفلسطيني، أعلنت صحيفة ‏هآرتس، ثالث أكبر صحيفة إسرائيلية ‏انتشاراً، في افتتاحيتها أن نتنياهو هو ‏المسؤول الوحيد عن الحرب وقالت إن ‏ذلك كان نتيجة مباشرة للطريقة التي ‏استفز بها، مع أصدقائه السياسيين ‏المتدينين الأرثوذكس، الفلسطينيين. وهذا ‏يدل على أن الانفصال مستمر، كما يشير ‏إلى عمق الانقسامات داخل الطبقة الحاكمة ‏الصهيونية، ومن الممكن أن يكون هذا ‏الوضع مرتبطا بالخلافات بين بعض ‏القوى الإمبريالية الأوروبية، مثل فرنسا، ‏مع الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن ‏الهجوم الذي شنته قوات التحرير ‏الفلسطينية عزز الرأي العام اليهودي ‏دفاعًا عن الحكم الاستعماري الصهيوني ‏بأي ثمن، ومن ناحية أخرى، فإن الوحدة ‏القوية التي أظهرها السكان اليهود في ‏الماضي ليست واضحة الآن، وهذا أيضًا ‏عامل مهم، فكلّما طال أمد الحرب كلّما ‏كان تأثيره أكبر على مسار الحرب‎.‎
‏ لقد أدّى الهجوم الحالي الذي يشنه ‏الفلسطينيون إلى قلب سياسات الولايات ‏المتحدة في غرب آسيا رأساً على عقب، ‏وهذه نتيجة مهمة ولها عواقب بعيدة ‏المدى‎.‎‏ لقد كان الإمبرياليون الأمريكيون ‏يحاولون ضمان تقارب الدول العربية مع ‏الدولة الصهيونية لعدة سنوات، وقد تم ‏تشجيع ذلك حتى تتمكن الولايات المتحدة ‏من تقليص وجودها في هذه المنطقة من ‏أجل التركيز على احتواء الصين وروسيا‎.‎‏ ‏فخلال رئاسة ترامب، ارتبطت الإمارات ‏والبحرين بالولايات المتحدة من خلال ‏اتفاقيات إبراهيم، وفي عهد بايدن، تم دفع ‏السعودية نحو اتفاق مماثل، وتهدف هذه ‏الخطوة من جانب بايدن أيضًا إلى منع ‏توطيد العلاقات السعودية الإيرانية النّاشئة ‏حديثًا تحت رعاية الصين، وكان ‏السعوديون على وشك التوقيع على ‏الاتفاقية، لكنّ الهجوم الفلسطيني أدى إلى ‏تغيّر الوضع بشكل جذري. كان على حكام ‏المملكة العربية السعودية أن يتراجعوا، ‏علاوة على ذلك، كان عليهم أن يدينوا ‏الصهاينة علانية باعتبارهم المحرضين ‏على الحرب وسببها. إنّ القصف المستمر ‏لغزة، وخاصة المستشفى الأهلي ‏المعمداني، قد أغلق الباب بالقوة أمام أي ‏اتفاق مع الصهاينة في المستقبل القريب‎.‎
‏ وهذه الانتكاسة للمصالح الأمريكية هي ‏السبب الرئيسي وراء نشر قوة بحرية ‏وبرية كبيرة على ساحل غزة‎.‎‏ وكان هذا ‏هو الدافع الأساسي وراء التصريح الذي ‏أدلى به بايدن مباشرة بعد الهجوم ‏الفلسطيني، والذي هدد فيه بأنه "لا ينبغي ‏لأحد أن يفكر في استخدام هذا الوضع"، ‏وعلى الرغم من أن "الشخص" الواضح ‏هو إيران وروسيا والصين، إلا أن كلماته ‏كانت موجهة أيضًا إلى الدول العربية، ‏وكان هذا بمثابة تحذير لها من التفكير في ‏توثيق العلاقات مع المعسكر الإمبريالي ‏الذي تشكله الصين وروسيا، ومع ذلك، ‏فإن القوى الحالية لهذه البلدان تجعل ‏الأمور معقدة للغاية بالنسبة للإمبرياليين ‏الأمريكيين، فالصين تمتلك رأس المال ‏والقدرة التكنولوجية اللازمة لتلبية ‏الاحتياجات الحالية لغرب آسيا، وأظهرت ‏روسيا أنها قادرة على الصمود في وجه ‏الجهود الحربية المشتركة للمعسكر ‏الإمبريالي الأمريكي‎.‎
‏ بعد القصف الدنيء لمستشفى غزة، ‏اندلع الغضب في العالم، ومع ذلك، فقد ‏اهتم بايدن بشكل خاص بإنقاذ الدولة ‏الصهيونية من اللوم. وبينما تبذل الولايات ‏المتحدة قصارى جهدها للدفاع عن الوكالة ‏الصهيونية، يجب عليها أيضًا أن تحبط ‏تحركات المعسكرات الإمبريالية المنافسة ‏في غرب آسيا، ويجب عليها المناورة ‏للحفاظ على ولاء الأنظمة الكمبرادورية ‏في تلك المنطقة. لذا، فبعد ستة أيام من بدء ‏القصف القاتل على غزة، بدأ المسؤولون ‏الأميركيون وغيرهم في المعسكر ‏الأمريكي يتحدثون عن المخاوف ‏‏"الإنسانية‏‎"! ‎‏ ويدّعي بايدن الآن أنه "أقنع" ‏نتنياهو بالسماح بدخول إمدادات ‏المساعدات إلى غزة من مصر، وهي ‏عشرون شاحنة لمليوني شخص ‏‎!‎‏ ‏‎ ‎وبينما ‏يحدث كل هذا، يستمر هطول القنابل، وقد ‏تم استخدام القنابل التي تحتوي على ‏الفسفور الأبيض، وهي مادة كيميائية ‏محظورة، عدة مرات‎.‎‏ ينتهك الصهاينة ‏جميع القوانين الدولية المتعلقة بالحرب ‏بشكل متهور لدرجة أنه حتى المنظمات ‏الدولية الموالية للولايات المتحدة مثل ‏منظمة الصحة العالمية تحتج علانية، ومع ‏ذلك، فإن المعسكر الإمبريالي الأمريكي ما ‏زال يكتفي بدعوة الدولة الصهيونية ‏وجيشها إلى أن يكونوا "محترفين" في ‏تصرفاتهم، وفي الوقت نفسه، أطلقوا في ‏بلادهم العنان لكلاب الحراسة لمهاجمة أي ‏شخص يخرج إلى الشوارع لإدانة الإبادة ‏الجماعية الصهيونية واحتلال الفلسطينيين‎.‎
‏ هناك بعض القوى التقدمية التي تؤيد ‏تحرير فلسطين، لكنها متردّدة في اتخاذ ‏موقف ضد الحرب المتواصلة، وذلك لأن ‏حماس وبعض التنظيمات التابعة لها تدافع ‏عن الفكر الإسلامي. هذه القوى مخطئة، ‏فهي لا تعطي الأولوية لسياسة الحرب. ‏الحرب هي استمرار للسياسة، يجب علينا ‏أن نقرر ما إذا كانت الحرب عادلة أم غير ‏عادلة من خلال النظر إلى سياستها. هذه ‏هي الطريقة العلمية الوحيدة لتحديد من هو ‏على حق ومن هو على خطأ ومن يشن ‏حربا عادلة، وبطبيعة الحال. ينبغي أيضاً ‏أن تؤخذ في الاعتبار طبيعة القوى ‏المشاركة في حرب عادلة، لكن هذا أمر ‏ثانوي عند اتخاذ موقف من هذه الحرب. ‏وحتى لو انتهك أحد المشاركين في حرب ‏عادلة بعض قواعد قانون الحرب، فإن ‏ذلك لا يغير طبيعة تلك الحرب، وإذا ‏حدثت مثل هذه الانتهاكات فيجب انتقادها ‏بعد اتخاذ موقف مؤيد للجانب العادل، وإلا ‏فإن هذا سيؤدي إلى السلبية، والأسوأ من ‏ذلك، الدعم غير المباشر للجانب المخطئ ‏في الحرب‎.‎
‏ مباشرة بعد بدء الهجوم، ذكرت وسائل ‏الإعلام الإمبريالية الغربية أن المحاربين ‏الفلسطينيين اغتصبوا النساء اليهوديات ‏وقطعوا رؤوس الأطفال، وكرّر بايدن ‏هذا، ومع ذلك، سرعان ما اضطر ‏المتحدث باسم البيت الأبيض إلى ‏الاعتراف بعدم وجود مثل هذه الأخبار ‏النهائية‎.‎‏ وسواءً كان الأمر يتعلق ‏بالاغتصاب أو بقطع رؤوس الأطفال، فإن ‏الإعلاميين الذين حاولوا العثور على ‏مصدر الأخبار لم يتمكنوا من العثور على ‏أي شيء. ما يسمعه شخص، يسمعه آخر، ‏وما إلى ذلك، وبخلاف الاستماع، لم يكن ‏هناك شهود على مكان وزمان وقوع ‏الحادث بالضبط، ومن الواضح أن القصة ‏وضعت عمدا كجزء من الحرب النفسية ‏الصهيونية، والهدف منها هو التحريض ‏على الكراهية ضد قوى التحرير ‏الفلسطينية وكسب الجماهير أو تحييدها، ‏خاصة في أوروبا وأمريكا. ومثال آخر ‏على ذلك هو استمرار التستر على ‏المجزرة اللاإنسانية في مستشفى غزة، ‏فمثلاً، أعلن موقع "ألت نيوز"‏‎ Alt ‎News ‎أن الصورة التي قدمها الصهاينة ‏لـ"إثبات" عدم مسؤوليتهم هي في الواقع ‏صورة تم إنتاجها عام 2022‏‎! ‎‏ حيث ‏نشرت قوات التحرير الفلسطينية صوراً ‏تظهر قيام بعض مقاتليها بإساءة معاملة ‏أسرى الحرب الصهاينة، هذا خطأ، ولا ‏يمكن لأي جريمة من جانب الصهاينة أن ‏تغض الطرف عن ذلك، ونحن إذ ننتقد ‏مثل هذه التصرفات، لا ينبغي أن ننسى أن ‏هذا ليس نهجا عاما، وليس هذا هو النهج ‏الرسمي للمنظمات المشاركة في الحرب‎.‎
‏ أمّا في ما يتعلق بالهجوم على ‏المستوطنات اليهودية، فلا بد أولا من ‏معرفة الطبيعة الحقيقية لهذه المراكز. هذه ‏هي البؤر الاستيطانية الصهيونية، ‏والمستوطنون الذين يعيشون هناك ليسوا ‏مدنيين عاديين، إنهم ناس مسلّحون، حيث ‏يجب على جميع الشباب اليهودي الخضوع ‏للتدريب العسكري الإلزامي. ويحق ‏للأشخاص الذين يعيشون في المستوطنات ‏حمل الأسلحة واستخدامها، وقد استخدموا ‏هذه الأسلحة لطرد الفلسطينيين من ‏أراضيهم ومواردهم المائية، بل حتى أنهم ‏قتلوهم. وفي ضوء كل هذه الحقائق، لا ‏يمكن اعتبارهم مدنيين أبرياء، لقد كانوا ‏ولا زالوا جزءاً لا يتجزأ من العمليات ‏الاستعمارية التي تقوم بها الدولة ‏الصهيونية، لقد كانوا (ولا يزالون) ‏يتمتعون بكل المزايا والامتيازات التي ‏قدمت لهم، هكذا كانوا يعيشون هناك، لم ‏يكونوا مدنيين عزلًا، بل جنودًا بملابس ‏مدنية في الدولة الصهيونية، ولذلك فهم ‏أهداف مشروعة لحرب التحرير الوطني ‏الفلسطيني‎. ‎إن مهاجمتهم وترهيبهم لدفعهم ‏بعيداً هو عمل مشروع في هذه الحرب‎.‎
‏ وأغلب الذين قتلوا في غزة قتلوا ‏بالقنابل الصهيونية. إن القانون الدولي ‏للحرب واضح جدًا في أن الأشخاص ‏الذين يعيشون في الأراضي المحتلة لهم ‏الحق في القتال بالأسلحة لتحديد مصيرهم، ‏وهذا ما جاء بوضوح شديد في ‏البروتوكول الأول الملحق باتفاقية جنيف ‏الرابعة. وفي الوقت نفسه، فإن سلطة ‏الاحتلال ملزمة بضمان حصول السكان ‏الخاضعين للاحتلال على الغذاء والماء ‏والخدمات الصحية وأماكن المعيشة ‏المناسبة، ولهم الحق في الحماية من العنف ‏والتمتع بحقوق الإنسان الأساسية. إنّ ‏الحصار الذي يفرضه الصهاينة على ‏سكّان غزة، والذي يحرمهم من ‏الاحتياجات الأساسية مثل مياه الشرب ‏والغذاء والوقود وحتى الرعاية الصحية، ‏هو انتهاك واضح للقانون الدولي. والتبرير ‏الذي يقدمونه هم ومرشدوهم الامبرياليون ‏هو أن قوات المقاومة الفلسطينية تطلق ‏الصواريخ من منازل المدنيين وتستخدم ‏المدنيين كغطاء، يوجب عليهم أن يتصدوا ‏لهذا الأمر حتى لا يتضرر المدنيون ‏بسببه. وحتى لو تم قبول ذلك كحقيقة، فإنه ‏لا يزال يشكل انتهاكًا للقانون الدولي، ‏وبموجب القانون، فإن وجود قوة مسلحة ‏في مبنى أو الاشتباه في أن أفراد قوة ‏مسلحة يختبئون في مبنى لا يمكن أن ‏يكون مبررًا لشن هجوم على ذلك المبنى‎.‎
‏ وما نراه في كل هذه الأمثلة هو انتهاك ‏واضح وموثق للقانون الدولي. بل على ‏العكس من ذلك، فإن الاتهامات الموجهة ‏ضد المقاتلين الفلسطينيين إما تم دحضها ‏أو ظلت لا أساس لها من الصحة. وكان ‏الصهاينة قد أصدروا أوامر تطالب بنقل ‏كل من يعيش في الجزء الشمالي من قطاع ‏غزة إلى الجنوب، وكان يجب أن يتم ذلك ‏خلال 24 ساعة في المقام الأول‎.‎‏ وأثارت ‏استحالة مثل هذه الخطوة انتقادات عالمية، ‏كان على الصهاينة أن يخففوا الموعد ‏النهائي الذي أعطوه، ومع ذلك، حتى لو ‏استغرقت هذه الهجرة القسرية 24 ساعة ‏أو أكثر، فإنها لا تزال مستحيلة. أكبر ‏المستشفيات في غزة موجودة في الشمال، ‏إنها تكتظ بالجرحى، بعضهم في حالة ‏حرجة. وحتى منظمة الصحة العالمية ‏اضطرت إلى إعلان أن نقل المصابين إلى ‏الجنوب سيكون بمثابة حكم بالإعدام، ولكن ‏هذا ما يريده الصهاينة، كلما زاد عدد ‏الفلسطينيين الذين يموتون، كلما كان ذلك ‏أفضل لهم، وهم الذين ينقضون على كل ‏من يلمّح ولو من بعيد إلى أن أرقام ‏المحرقة موضع شك، وهم يطبقون ‏باستمرار جميع الدروس التي تعلموها ‏بشكل مباشر من جيوش هتلر النازية، ‏ويصرخون طوال الوقت حول الفظائع ‏التي تعرضوا لها، لقد أصبحت غزة غيتو ‏وارسو اليوم‎.‎
‏ القضية الفلسطينية هي من صنع ‏الإمبريالية، فقد تم استيراد اليهود من ‏الدّول الأوروبية إلى فلسطين تحت رعاية ‏الإمبريالية البريطانية. لقد عاش العرب ‏في هذه المنطقة لعدة قرون، كان هناك ‏عدد قليل من السكان اليهود، يقتصر ‏معظمهم على المدن، ثمّ هاجرت أعداد ‏كبيرة من الناس نتيجة المذابح ضد اليهود ‏في روسيا القيصرية ودول أوروبية أخرى ‏في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل ‏القرن العشرين، ولكن حتى في ذلك ‏الوقت، لم يصل عدد السكان اليهود في ‏فلسطين قط إلى عُشر مجموع السكان، ‏وتشير التقديرات إلى أن 3% فقط من ‏اليهود في موجة الهجرة هذه وصلوا إلى ‏فلسطين حيث غادر ما يقرب من مائة ‏وأربعة وعشرين ألف يهودي أوروبا خلال ‏هذه الفترة وكانت الغالبية العظمى منهم، ‏حوالي مائة وعشرين ألفًا، ذهبوا إلى ‏الولايات المتحدة الأمريكية. وفي وقت ‏لاحق، بدأ عدد السكان اليهود في فلسطين ‏في التزايد، وكان السبب الرئيسي لذلك هو ‏مؤامرات الإمبريالية البريطانية‎.‎
‏ كانت فلسطين جزءا من الإمبراطورية ‏العثمانية التركية، التي كانت متحالفة مع ‏ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى. ‏ولكسب اليهود إلى جانبهم، قدّم ‏البريطانيون وعدًا يُعرف باسم وعد بلفور، ‏وقد نصّ هذا الإعلان على السماح لليهود ‏بالاستقرار في فلسطين، وفي الوقت نفسه، ‏كان البريطانيون يساعدون ويوجّهون ‏حرب العصابات التي شنّها العرب ضد ‏القوات العثمانية بعد أن وعدوهم بدولة ‏مستقلة. وفي هذه الأثناء، وفي مفاوضات ‏سرية مع الفرنسيين، أعدّ البريطانيون ‏خطة لتقسيم الأراضي التي كانت تحت ‏السيطرة العثمانية في ما بينهم عندما تنتهي ‏الحرب، وهكذا أصبحت فلسطين تحت ‏السيطرة البريطانية بعد انتهاء الحرب. لقد ‏تبنّوا سياسة سمحت أحيانًا بالهجرة ‏اليهودية وأحيانًا منعتها، وخلقت صراعات ‏بين العرب واليهود، واستخدمت هذه ‏الصراعات لتعزيز هيمنتهم في المنطقة‎.‎
‏ لقد أدّى هجوم الإبادة الجماعية الذي ‏ارتكبه النظام النازي على اليهود إلى خلق ‏تعاطف عالمي مع محنة اليهود، وقد ‏استفادت الحركة الصهيونية التي تشكلت ‏في سنوات ما بين الحربين العالميتين من ‏ذلك، لقد دُعّم بنشاط هجرة اليهود من ‏أوروبا إلى فلسطين، ثم أعلنوا أنّ إسرائيل ‏قد تأسست كأمّة يهودية. تأسست إسرائيل ‏عام 1948، ودعّمت الولايات المتحدة ‏والاتحاد السوفياتي، بقيادة ستالين، ذلك، ‏مع الأخذ في الاعتبار معاناة اليهود في ‏ظل النظام النازي والمذابح السابقة، كان ‏هذا خطأ. وسرعان ما صحّح الاتحاد ‏السوفياتي هذا الخطأ وبدأ بدعم القضية ‏الفلسطينية، ومع ذلك، استمرّ الضّرر ‏النّاجم عن هذا الخطأ. وخرجت الأمم ‏المتحدة بمقترح لتقسيم المنطقة إلى قسمين، ‏ومع ذلك، فإنّ معظم هذه الأراضي ستقع ‏تحت السيطرة اليهودية، وبطبيعة الحال، ‏كان هذا غير مقبول بالنسبة للفلسطينيين‎.‎‏ ‏ومنذ ذلك الحين، قامت الدولة الصهيونية ‏بتوسيع المنطقة الخاضعة لسيطرتها من ‏خلال الحرب مع الدول العربية المجاورة ‏وطرد الفلسطينيين من أراضيهم، أمّا ‏أولئك الذين بقوا في فلسطين فقد أُعيد ‏توطينهم قسراً في قطاع غزة والضفة ‏الغربية‎.‎
‏ وأدلت حكومة مودي (الهند) ببيان دعم ‏للدولة الصهيونية فور الهجوم الفلسطيني، ‏وأدانت هذا الهجوم ووصفته بأنه هجوم ‏‏"إرهابي" نفّذته حركة حماس، وهي ‏منظمة "إرهابية". وبعد بضعة أيام، ‏أصدرت وزارة الخارجية، ظناً منها أن ‏الدول العربية لن ترغب في هذا الدّعم ‏المقدّم لدولة إسرائيل، بياناً أعلنت فيه ‏استمرار دعم الهند لإقامة "دولة فلسطينية ‏مستقلة" (أي دولة ثنائية الجانب)، وكان ‏هذا بيانا رسميا دون أي أهمية. بعد انهيار ‏الدولة الإمبريالية الاشتراكية السوفياتية، ‏بدأت الطبقات الحاكمة الهندية في التحول ‏نحو المعسكر الأمريكي، لقد ظلت تتعاون ‏بشكل علني مع الدولة الصهيونية منذ ذلك ‏الحين، وقد أقيمت العلاقات الدبلوماسية مع ‏هذه الدّولة خلال إدارة حزب المؤتمر‎.‎
‏ كان ناراسيمها راو رئيسًا للوزراء، وقد ‏أصبحت هذه العلاقة أقوى منذ ذلك الحين، ‏ثمّ أصبحت أقوى أكثر في ظل حكم سانغ ‏باريفار من خلال مودي. وتهاجم الدولة ‏الصهيونية الفلسطينيين هناك باستمرار، ‏وهنا، وبدعم وحماية حكومة سانغي، ‏يتعرض المسلمون والداليت والأديفاسيس ‏للهجوم من قبل الفاشيين البراهمانيين ‏الهندوتفا الذين أنتجتهم منظمة "أر أس ‏أس"‏‎ RSS ‎‏. إنّ هذا التشابه ليس من ‏قبيل الصدفة، فكلاهما عنصري، إنّ ‏إيديولوجيات الصهيونية والبراهمانية ‏عنصرية. لقد كانت الدولة الصهيونية دائماً ‏في المعسكر الأميركي، وتقترب الطبقات ‏الحاكمة في الهند منها على نحو متزايد، ‏وهذا سبب مهم وراء اجتماع كلاهما معًا. ‏دعونا لا ننسى أنه بينما كان الصهاينة ‏يقصفون المدنيين في غزة، كانت حكومة ‏مودي تفعل الشيء نفسه هنا، فقد قصفت ‏قرويّي الأديفاسي في تشهاتيسجاره ثلاث ‏مرات هذا العام‎.‎
‏ ويجري الصهاينة كافة الاستعدادات ‏لعملية برية شاملة ضد غزة، وهم يحسبون ‏أنهم قادرون على تحقيق ذلك وتحقيق ‏هدف تدمير حماس بشكل كامل، وكهدف ‏ثانوي، سيحاولون ترحيل غالبية ‏الفلسطينيين إلى مصر. لكنّ الأمور لن ‏تسير بهذه الطريقة، لقد أثبتت حماس ‏بالفعل قدرتها على مقاومة الهجمات البرية ‏التي تستمر لعدة أيام، ويتم ذلك من خلال ‏الاعتماد على شبكة أنفاق واسعة النطاق، ‏وبما أن النضال أصبح الآن نضالاً موحداً ‏تشارك فيه جميع القوى المسلّحة، فإن قوة ‏المقاومة لقوى التحرير ستكون أكثر ‏ديمومة من ذي قبل. وتظهر الهجمات ‏الصاروخية التي تستمر من غزة حتى بعد ‏مرور أيام قدرتها وقدرتها على الصمود. ‏ستحاول قوى التّحرير بالتأكيد إطالة أمد ‏الحرب، والقتال في أنقاض المدينة يمنح ‏المدافعين دائمًا اليد العليا على القوة ‏المهاجمة. ومن الواضح أن الصهاينة ‏سيضطرون إلى دفع ثمن باهظ، ومع ‏مرور الأيام، سيزيد هذا الوضع من تفاقم ‏الخلافات السياسية داخل الكيان. وعلاوة ‏على ذلك، من المتوقع أن تتحول ‏الصراعات على الحدود اللبنانية والسورية ‏إلى جبهات حرب شاملة، فهناك تقارير ‏عن هجمات صاروخية وطائرات دون ‏طيار على قواعد أمريكية في سوريا، وقد ‏أعلنت إيران بالفعل أنها لن تقف مكتوفة ‏الأيدي بينما يُذبح الشعب الفلسطيني‎.‎‏ ‏ويتزايد يوما بعد يوم احتمال تحول الحرب ‏إلى حرب إقليمية كبرى تشارك فيها قوى ‏مختلفة، ولا يمكن تجاهل إمكانية تحولها ‏إلى حرب أوسع على نطاق عالمي‎.‎
‏ تستعد جميع القوى الإمبريالية وبلدان ‏العالم الثالث الكبرى للحرب، لكن لا أحد ‏منهم مهتم بخوض الحرب الآن. يمكننا أن ‏نفهم هذا ممّا يحدث في أوكرانيا، لكن ‏الأمور لا تسير دائمًا وفقًا لخططهم. إنّ ‏ديناميكيات التناقضات على المستوى ‏العالمي يمكن أن تزعجهم، إنّ الهجوم ‏الكبير الذي نفذته قوات التحرير الفلسطينية ‏من خلال اختراق دفاعات الصهاينة أثار ‏إعجاب المظلومين في جميع أنحاء العالم. ‏إذا تكبد الصهاينة وأسيادهم الإمبرياليون ‏خسائر فادحة خلال العملية البرية، فماذا ‏سيكون تأثيرها على غرب آسيا والعالم ‏بأسره ؟ سيحدث هذا في سياق يتصاعد ‏فيه الصراع بين المعسكرين الإمبرياليين ‏وفي عالم وصل فيه الاستغلال وعدم ‏المساواة والقمع إلى أقصى حدوده. ولا ‏تزال القوى الشعبية، وخاصة الطليعة ‏الماوية، ضعيفة، ومع ذلك، فإن التناقض ‏بين الأمم المضطهَدة والإمبريالية لا يزال ‏قويا ومبدئيا‎.‎
‏ ويمكن رؤية مسرح هذا التناقض في ‏الأحداث التي تجري في منطقة الساحل ‏الإفريقي. فقد تمّت الإطاحة بالحكام ‏الفاسدين المدعومين من الإمبريالية ‏الفرنسية في سلسلة من الانقلابات، ولعبت ‏الإمبريالية الروسية أيضًا دورًا في هذا، ‏ولكن سيكون من الحماقة اختزال هذا ‏الأمر في مسألة صراع بين الإمبرياليين. ‏إنّ ردّ الفعل الساحق للجماهير على هذه ‏الانقلابات يكشف عن القاعدة الشعبية التي ‏يستخدمها الإمبرياليون الرّوس في ‏مناوراتهم، ويمكن توقع شيء مماثل إذا ‏حدث الاحتمال الموضح أعلاه بالفعل، إذا ‏حققت الإمبريالية الصينية أو الروسية ‏مكاسب كبيرة في غرب آسيا، بمواردها ‏النفطية الهائلة، فهل يستطيع المعسكر ‏الإمبريالي الأمريكي تحمل تكاليف ذلك ؟
‏ ماذا سيكون مسار الحرب الأوكرانية ‏إذا تمكنت قوات التحرير الفلسطينية من ‏إطالة أمد نضالها ؟ إلى متى يمكن للقوى ‏الإمبريالية الغربية أن تستمر في تعزيز ‏الجيشين الأوكراني والصهيوني ؟ ومن ‏بين الاثنين، تعتبر الدولة الصهيونية أكثر ‏أهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة ‏للمعسكر الإمبريالي الأمريكي. وإذا أصبح ‏شنّ حربين بالوكالة أمراً مرهقاً للغاية، ‏فبوسع المرء أن يتخيّل مشهداً حيث ‏يضطر مرشدوهم حكّام أوكرانيا إلى قبول ‏وقف إطلاق النار، ومن المحتمل أيضاً أن ‏يكون هناك تراجع في التوسع المخطط ‏لحلف شمال الأطلسي، والذي يشمل ‏أوكرانيا. ماذا سيكون تأثير ذلك على ‏الشعب الأوكراني ؟ ماذا ستكون التأثيرات ‏بين شعوب أوروبا ؟ إدراك أنهم مجرد ‏بيادق في لعبة أكبر، وفراغ التصريحات ‏الإمبريالية بأنهم سيدافعون عن سيادة ‏أوكرانيا بأي ثمن، وإدراك أن الحَكَم ‏النهائي ليس مصالح الشعب بل مصالح ‏القوى الإمبرياليّة. فكيف ستكون تداعيات ‏ذلك كله بين الشعوب ؟
‏ ومن الواضح أن المرحلة الجديدة من ‏حرب التحرير الوطني الفلسطيني ستكون ‏لها تداعيات تتجاوز حدود فلسطين، ‏والمهمة التي تواجه القوى الشعبية هي أن ‏تضع هذه الإمكانية في الاعتبار. وكما ‏أشار ماو، "إما أن الثورة تمنع الحرب، أو ‏أن الحرب ستؤدي إلى الثورة"، وفي كلتا ‏الحالتين، فإن مهمّة القوى الثورية هي أخذ ‏زمام المبادرة والمضي قدمًا، وهي واثقة ‏تمامًا من قوة الشعب الهائلة. إنّ الهجوم ‏الأخير في حرب التحرير الوطني ‏الفلسطينية يثبت بشكل مقنع أن هذه القدرة ‏الهائلة لا تزال موجودة في عالم اليوم ‏وتنتظر أن يطلق لها العنان بكلّ مجدها ‏الثوري‎.‎
--------------------
الرفيق أجيث، شيوعي ماوي من الهند.‏
‏19 أكتوبر 2023‏
ترجمة طريق الثّورة من موقع "الديمقراطية الجديدة"، ‏www.yenidemokrasi34.net‏ ‏موقع للرفاق الماويين في تركيا.‏
===================================================================
جريدة طريق الثورة، العدد 76، اكتوبر-نوفمبر 2023