ما العمل ؟ افتتاحية العدد 75 من جريدة طريق الثّورة


حزب الكادحين
2023 / 12 / 18 - 03:55     

‏ تتعرّض تونس الجديدة، لهجمة تشنّها ‏أطراف خارجيّة وأخرى داخليّة. وهي ‏هجمة لا تتوقّف بمرور الأيّام، وتتّخذ ‏أشكالا متنوّعة وتشمل ميادينا مختلفة.‏

‏ فعلى السّاحة الدّاخليّة، لا تدّخر ‏الرّجعيّة، التي فقدت جزءًا من امتيازاتها، ‏جهدا لتعطّل مسار الإصلاح والسيادة ‏الوطنيّة. وتستعمل هذه الرّجعيّة، التي لم ‏تتصوّر يوما انّها ستجد نفسها خارج ‏دائرة الحكم، وسائلها المختلفة من إعلام ‏ومال ونفوذ اقتصاديّ وعلاقات خارجيّة ‏ومن خلال أعوانها الذين زرعتهم في ‏الإدارة وفي مختلف أسلاك الوظيفة ‏وأجهزة الدّولة عبر عقود حكمها للبلاد. ‏ورغم الضّربات التي وجّهها إليها الشّعب ‏في انتفاضة 17 ديسمبر وفي هبّة 25 ‏جويلية، فإنّها مازالت "تقاوم" وهي لن ‏تتراجع عن ذلك، حتّى تستعيد سلطتها ‏التي فقدتها كاملة. وإذ يخفت صوتها من ‏حين إلى آخر، فإنّ ذلك لا يعدو أن يكون ‏صمتا تكتيكيّا يفرضه عليها ميزان القوى، ‏ذلك أنّها تلقّت عددا من الضّربات ‏الموجعة بعد 25 جويلية 2021 لا فقط ‏على مستوى السلطة السياسيّة وإنّما أيضا ‏على المستوى المالي والاقتصادي من ‏خلال الملاحقات القضائيّة التي طالت ‏عددا من رموزها ومن رؤوس الأموال ‏المتورّطين في عدد من القضايا مثل ‏تبييض الأموال والفساد وغيرها ومن ‏الجمعيات والمؤسسات المرتبطة بها ‏والتي كانت توفّر لها الأموال المشبوهة. ‏ويفسّر هذا الصّمت التكتيكي من جهة ‏أخرى بانفضاض جزء كبير من ‏الجماهير من حولها بعد افتضاح امرها ‏بالرّغم من الجبهة التي شكّلتها الرّجعيّة ‏الدّينيّة بالاشتراك مع عدد من الأطراف ‏الانتهازيّة وبالرّغم من اللّجان والهيئات ‏التي جرّتها خلفها لتدعمها في محنتها. لقد ‏فقدت الرّجعيّة سلطتها السياسيّة وبعض ‏امتيازاتها المالية والاقتصادية ولكن ‏والاهم من ذلك شعبيتها التي اكتسبتها ‏سابقا بالقوّة لا بالفعل بحكم الأساليب التي ‏استعملتها لمّا كانت في موقع القوّة.‏

‏ لكنّ تكتيك الصّمت الذي فرضته هذه ‏الظّروف لا يجب أن يلهي الشعب عن ‏معركته ضدّ هذه القوى التي لن تستسلم، ‏فهي قد تصمت طويلا لتستفيق يوما ‏خصوصا وأنّ القوى الإقليمية والإمبريالية ‏لن تتخلّى عن أعوانها مهما بلغ بهم ‏الضّعف والوهن ولن تتأخّر في دعمهم ‏كلّما دعت الضّرورة إلى ذلك لتنفيذ ‏مخطّطاتها. وعلى الشعب وقواه الحيّة أن ‏تتنادى اليوم إلى تنظيم قواها السياسية ‏والشعبيّة في جبهة وطنيّة ديمقراطية حتّى ‏تتمكّن من الذّود عن تونس الجديدة التي ‏ننتظر ولادتها لأنّ الوقوف في موقع ‏المتفرّج وتشتيت قوى الشعب لا يخدم إلاّ ‏الرّجعيّة وقد يساعد على الإجهاز على ‏هذا الجنين قبل أن يرى النّور.‏

‏ أمّا على المستوى الخارجي، فإنّ ‏القوى الإمبرياليّة لا تترك حدثا أو ‏تصريحا دون أن تحشر أنفها فيه. فتعابير ‏حرب التحرير الوطني والسيادة الوطنية ‏والكرامة وغيرها التي أصبحت متداولة ‏من قبل رئيس الدّولة وتجد لها صدى في ‏صفوف الشعب تستفزّ تلك القوى التي لا ‏تتأخّر في شنّ حملات سياسيّة وإعلامية ‏مستغلّة الظروف الاقتصادية والمالية ‏للبلاد من أجل الضّغط على سلطاتها قصد ‏القضاء على المسار التحريري في ‏خطواته الأولى خاصّة في ظلّ الظروف ‏العالمية المتحوّلة ومنها خسارة بعض ‏القوى الاستعمارية لمجالات هيمنتها على ‏مستعمراتها القديمة في القارّة الأفريقيّة ‏وفي ظلّ صعود التكتّل الروسي-الصيني ‏وبروز تناقضات ثانويّة على السّطح بين ‏بعض الإمبرياليات، مثل الخلافات داخل ‏الاتحاد الأوروبي بخصوص عدد من ‏القضايا.‏

‏ إنّ القوى الإمبريالية لن ترضى بفقدان ‏المزيد من مناطق نفوذها خصوصا تلك ‏المناطق التي تنفتح عليها جغرافيا بشكل ‏مباشر، ولكن لا تهديداتها ولا حصارها ‏ولا ضغوطها قادرة على إجبار الشعب ‏على الرّجوع إلى الوراء وهو مستعدّ ‏للتضحية من أجل استكمال سيادته على ‏وطنه وثرواته وقراره وقد فتح أمامه ‏مسار 17 ديسمبر-25 جويلية الباب على ‏مصراعيه ليبرهن عن تمسّكه بكرامته ‏الوطنية وما ينقصه إلاّ الانخراط في جبهة ‏وطنيّة تحمل برنامجا ديمقراطيّا شعبيّا ‏والمضيّ في هذا الطّريق حتّى تنتصر ‏جبهة الشعب والوطن وتُقبر جبهة أعدائه ‏الإمبرياليين والرّجعيين. ‏
------------------------------------------
اوت-سبتمبر 2023