الدعاية الإمبريالية وأيديولوجية المثقفين اليساريين الغربيين -الجزء الخامس


دلير زنكنة
2023 / 12 / 16 - 02:54     

من معاداة الشيوعية وسياسات الهوية إلى الأوهام الديمقراطية والفاشية

مقابلة غابرييل روكهيل من قبل زاو دينغقي
(01 ديسمبر 2023)

غابرييل روكهيل Gabriel Rockhill هو المدير التنفيذي لورشة النظرية النقدية/Atelier de Théorie Critique وأستاذ الفلسفة في جامعة فيلانوفا في بنسلفانيا. وهو يعمل حاليًا على إكمال كتابه الخامس الذي ألفه منفردًا، بعنوان "الحرب العالمية الفكرية: الماركسية مقابل صناعة النظرية الإمبراطورية" (مطبعة مونثلي ريفيو، ستصدر قريبًا).

زاو دينغقي Zhao Dingqi باحث مساعد في معهد الماركسية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، ومحرر دراسات الاشتراكية العالمية.
نُشرت هذه المقابلة في الأصل باللغة الصينية في المجلد الحادي عشر من دراسات الاشتراكية العالمية في عام 2023. وقد تم تحريرها بشكل طفيف لصالح (مونثلي ريفيو) MR.
……

‏ZD: سلافوي جيجيك هو باحث له تأثير واسع في الأوساط الأكاديمية اليسارية العالمية الحالية، وبالطبع هناك الكثير من الخلافات [حوله]. لماذا تعتبرونه "مهرج بلاط الراسمالية "؟[39]

‏GR: جيجيك Žižek هو نتاج صناعة النظرية الإمبريالية . وكما أشار مايكل بارينتي، فإن الواقع ثوري، مما يعني أن العاملين في العالم الرأسمالي يواجهون صراعات مادية حقيقية للغاية من أجل التوظيف، والإسكان، والرعاية الصحية، والتعليم، والبيئة المستدامة، وما إلى ذلك. كل هذا يؤدي إلى راديكالية الناس، وينجذب الكثيرون نحو الماركسية لأنها تشرح في الواقع العالم الذي يعيشون فيه، والصراعات التي يواجهونها، وتطرح حلولاً واضحة وقابلة للتنفيذ. ولهذا السبب يتعين على الجهاز الثقافي الرأسمالي أن يتعامل مع اهتمام حقيقي للغاية بالماركسية من جانب الجماهير العاملة والمضطهدة. ويتمثل أحد التكتيكات التي طورتها، وخاصة بالنسبة للجماهير المستهدفة من الشباب وأعضاء شريحة الطبقة الإدارية المهنية، في الترويج لنسخة سلعية للغاية من الماركسية التي تحرف جوهرها الأساسي. وهي تحاول بالتالي تحويل الماركسية إلى علامة تجارية عصرية تباع مثل أي سلعة أخرى، بدلاً من كونها إطارًا نظريًا وعمليًا جماعيًا للتحرر من المجتمع الذي تحركه السلعة .

يعتبر جيجيك مثاليًا لهذا المشروع بعدة طرق. فهو مخبر محلي مناهض للشيوعية نشأ في جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية (SFRY). وهو يزعم بانتظام أن تجربته الذاتية كمثقف برجوازي صغير سعى إلى الارتقاء بمسيرته المهنية في الغرب تمنحه بطريقة أو بأخرى حق خاص في الشهادة على الطبيعة الحقيقية للاشتراكية. الحكايات الشخصية المتعلقة بتجربته في جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية تأخذ مكان التحليل الموضوعي. ليس من المستغرب، بالنسبة للانتهازي الذي يبحث عن العلا والمجد، أن يعتبر جيجك وطنه الاشتراكي أدنى مرتبة من الدول الرأسمالية الغربية التي زودته بمثل هذا الارتقاء لدرجة أنه أصبح الآن معترفًا به كواحد من أفضل المفكرين العالميين من قبل مجلة السياسة الخارجية Foreign Policy (الذراع الافتراضي لـ وزارة الخارجية الأمريكية).

يتفاخر جيجك علنًا بالدور الذي لعبه شخصيًا في تفكيك الاشتراكية في جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية. كان كاتب العمود السياسي الأساسي في صحيفة منشقة بارزة، ملادينا، والتي اتهمها الحزب الشيوعي اليوغوسلافي بتلقي دعم وكالة المخابرات المركزية. كما شارك في تأسيس الحزب الديمقراطي الليبرالي وترشح للرئاسة في أول جمهورية انفصالية في سلوفينيا، ووعد بأنه "سيساعد بشكل كبير في تحلل الجهاز الأيديولوجي للدولة الاشتراكية [كذا]".[40] على الرغم من خسارته بفارق ضئيل، فانه دعم علنًا الدولة السلوفينية وحزبها الحاكم بعد استعادة الرأسمالية، وبالتالي طوال العملية الوحشية للعلاج بالصدمة الرأسمالية التي أدت إلى انخفاض كارثي في مستويات المعيشة لغالبية السكان (لكن ليس بالنسبة له). —هاها!). وكان الحزب المؤيد للخصخصة الذي شارك في تأسيسه موجها بشكل واضح نحو الاندماج في المعسكر الإمبريالي، لأنه كان المدافع الرئيسي عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

أرى أن هذا الليبرالي من أوروبا الشرقية هو مهرج بلاط الرأسمالية لأنه يجعل من الماركسية أضحوكة، وهذا هو بالضبط السبب وراء الترويج له على نطاق واسع من قبل القوى المهيمنة داخل المجتمع الرأسمالي. فبدلاً من كونها علمًا جماعيًا للتحرر متجذرًا في النضالات المادية الحقيقية، فإن الماركسية كما يفهمها هي، قبل كل شيء، خطاب استفزازي من الخداع الفكري الذي يتلخص في المواقف السياسية البرجوازية الصغيرة لطفل انتهازي فضيع. تصرفاته الغريبة وأزياءه التنكرية الشيوعية تُبهج البرجوازية وتستحوذ على فترات الاهتمام القصيرة لغير المتعلمين. إنه - مثل المهرج - موهوب في الحصول على النشوة أو الضحك من الناس، وهو ما يترجم بسهولة إلى إعجابات ونجاحات في العصر الرقمي. كما أنه جيد بشكل خاص في بيع سلع هوليود والجهاز الثقافي البرجوازي بشكل عام. من الواضح أن الملك "رأس المال "يحب هذا المحتال، الذي ملأ جيوبه في هذه العملية. و مثل أي مهرج جيد، فهو يعرف حدود اللياقة البلاطية ويحترمها في نهاية المطاف من خلال تشويه سمعة الانظمة الاشتراكية، وتعزيز التكيف الرأسمالي، وفي كثير من الأحيان حتى دعم الإمبريالية بشكل مباشر. وإذا كان بالفعل "أخطر مثقف" في العالم، كما تصفه أحيانا الصحافة البرجوازية، فذلك لأنه يعرض للخطر المشروع الماركسي المتمثل في محاربة الإمبريالية وبناء عالم اشتراكي.

وتأكيدًا للعلاقة الراسخة بين ارتفاع المكانة الموضوعي والانجراف الذاتي نحو اليمين، يمكن القول إن جيجك أصبح رجعيًا بشكل متزايد في ضد-شيوعيته الداعمة للامبريالية. ولننظر إلى حكمه القطعي فيما يتعلق بالجهود الحالية لتحدي الاستعمار الجديد في أفريقيا: "من الواضح أن الانتفاضات "المناهضة للكولونيالية" في أفريقيا الوسطى هي أسوأ حتى من الكولونيالية الجديدة الفرنسية".[41] وفي مداخلة عامة أخرى حديثة، قدم مثالاً واضحًا بشكل ملحوظ لـ نوع الثورة التي يدعمها. في مناقشة انتفاضات صيف 2023 في فرنسا في أعقاب مقتل ناهل مرزوق على يد الشرطة، استند إلى الرؤية الماركسية المهمة - كما يفعل غالبًا مع أي رؤية متماسكة يدعيه- بأن الانتفاضات ستفشل إذا لم تكن هناك استراتيجية تنظيمية يمكنها ايصالها إلى النصر. ثم قدم مثالاً على الثورة الناجحة: "يمكن للاحتجاجات والانتفاضات العامة أن تلعب دورًا إيجابيًا إذا تم دعمها برؤية تحررية، مثل انتفاضة الميدان في أوكرانيا في 2013-2014".[42] وكما تم توثيقه على نطاق واسع، فإن انتفاضة"الميدان" كانت انقلابًا فاشيًا حرضت عليه ودعمته دولة الأمن القومي الأمريكية.[43] وهذا يعني أنه يعتبر الانقلاب الفاشي المدعوم من الإمبريالية، والذي أشار إليه سمير أمين باسم "الانقلاب الأوروبي/ النازي"، بمثابة انقلاب-مثال "إيجابي" لـ "الرؤية التحررية" التي أدت إلى ثورة ناجحة. [44] يوضح هذا الموقف، بالإضافة إلى دعمه القوي للحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، ما يعنيه أن تكون "المثقف الأكثر خطورة" في العالم. : إنه فيلسوف-فاشي متنكر في زي شيوعي.

الملاحظات

39. غابرييل روكهيل، “سلافوي جيجيك : مهرج بلاط الرأسمالية”، كاونتر بانش، 2 يناير 2023.
40. شاهد المناظرة المتلفزة حول انتخابات 1990 المؤرشفة على موقع يوتيوب: “Slavoj Žižek — 1990 Environmental Debate in Slovenia”، فيديو على موقع يوتيوب، 9:40، تم نشره في 18 مايو/أيار 2021، youtube.com/watch?v=942h8enHCZs.
41. سلافوي جيجيك، “لماذا سيستمر الغرب في الخسارة في أفريقيا: الاستعمار الجديد يولد سلطوية بائسة”، نيو ستيتسمان، 4 سبتمبر 2023.
42. سلافوي جيجيك، “يجب على اليسار أن يحتضن القانون والنظام”، نيو ستيتسمان، 4 يوليو 2023.
43. انظر على سبيل المثال، كولون، أوكرانيا: La Guerre des Images and Pepe Escobar, “When the CIA Attempted a ‘Maidan Uprising’ in Brasil’, The Cradle, January 10, 2023, new.thecradle.co.
44. كتب أمين: "نظم الثالوث في كييف ما ينبغي أن يسمى "الانقلاب الأوروبي /النازي". إن خطاب وسائل الإعلام الغربية، التي تدعي أن سياسات الثالوث تهدف إلى تعزيز الديمقراطية، هو مجرد كذبة" (سمير) أمين، "الإمبريالية المعاصرة"، مونثلي ريفيو 67، العدد 3 [يوليو-أغسطس 2015]: 23-36).