الإصلاح الاقتصادي والتنمية البشرية، (حالة الجمهورية العربية السورية)


مصطفى العبد الله الكفري
2023 / 12 / 13 - 22:38     

الإصلاح الاقتصادي والتنمية البشرية
(حالة الجمهورية العربية السورية)
اتحاد الكتاب العرب سورية – دمشق – أتوستراد المزة – مقابل حديقة الطلائع – هاتف: 6117240
المقدمة:
منذ منتصف الثمانينات في القرن العشرين كان هناك توافق آراء واسع النطاق على أن مستوى أداء الاقتصاد السوري أضحى أقل من إمكاناته، وكان هناك إقرار بالحاجة إلى إحداث تغيير رئيسي في السياسات الاقتصادية المتبعة. ومنذ ذلك الوقت طفت على السطح مناقشات علنية حول عملية الإصلاح الاقتصادي. واستمر توافق الآراء على ضرورة إصلاح السياسة الاقتصادية، وطالبت الأحزاب السياسية الرئيسية ببرنامج للإصلاح، يحقق معدلات نمو أعلى وينقذ الاقتصاد السوري من الركود والانكماش. [1]

ولابد من وضع سياسات تكفل توزيع نتائج وثمار النمو بشكل عادل ومتوازن، واستفادة الشرائح الفقيرة في المجتمع من نمط النمو، واستثمار الموارد المتاحة في بناء القدرات البشرية. وتحقيق نمواً اقتصادياً وحده لا يكفي، بل ويمكن أن يكون نمواً خبيثاً لا يرحم وبخاصة عندما نجده:
نمواً لا يستفيد منه الفقراء ويترك الخاسرين نهباً للفقر المدقع.
نمواً لا يولد فرص عمل جديدة كافية.
نمواً بلا صوت، لا يكفل مشاركة الناس.
نمواً لا يحقق وصول الناس إلى فرص العمل وأموال الإنتاج.
نمواً بلا مستقبل، لأنه يدمر البيئة ولا يضمن حقوق الأجيال القادمة.
نمواً يدمر التقاليد الثقافية والخصائص الاجتماعية والتاريخ.
نمواً لا يؤمن وصول الناس إلى فرص التعليم والمعرفة.
نمواً لا يؤمن وصول الناس إلى فرص الخدمات الصحية.
تعرضت التجربة التنموية السورية إلى الأخطار ذاتها التي تعرضت لها تجارب التنمية في دول العالم الثالث. تلك التجارب التي اعتمدت على تنامي دور الدولة في كافة المجالات وبخاصة في النشاط الاقتصادي. فقد قامت التجربة السورية للتنمية في الستينات والسبعينات من هذا القرن على عدد من العناصر أهمها:
1 ـ تزايد حجم الملكية العامة لوسائل الإنتاج وتنامي دور الدولة في النشاط الاقتصادي.
2 ـ تنامي الإنفاق العام والاهتمام بالجانب الاجتماعي.
3 ـ اعتماد سياسة دعم أسعار بعض السع الاستهلاكية.
4 ـ التخطيط المركزي لإدارة التنمية والنظام الاقتصادي.
5 ـ دعم وتنامي قواعد البيروقراطية السورية.
6 ـ إضعاف دور قوى السوق وآلياته.
7 ـ إغراق الاقتصاد السوري في المحلية وإضعاف قدرته على المنافسة في الأسواق العالمية.
8 ـ عدم الاهتمام الكافي بقطاع الزراعة والتركيز على الصناعة واتباع سياسة الإحلال محل الواردات، على حساب الجودة والميزة النسبية للصناعة السورية.
9 ـ انعزال الصناعة السورية وراء أسوار الحماية وإغراق الاقتصاد السوري في المحلية وإضعاف قدرته التنافسية وبخاصة في الأسواق العالمية.

ومع قيام الحركة التصحيحية في عام 1970، وبعد انتهاء حرب تشرين في عام 1973، شهدت سورية في منتصف السبعينات ظروفاً اقتصادية مواتية، تمثلت في تدفق المعونات الإنمائية العربية، وتزايد تحويلات العاملين في الدول النفطية إلى سورية، وارتفاع حجم وقيمة الصادرات النفطية. الأمر الذي أدى إلى تحقيق نمو اقتصادي سريع خلال النصف الثاني من عقد السبعينات. واتجهت سورية إلى تنفيذ برنامج إنفاق عام ضخم وبخاصة في مجالات الدفاع والدعم وتوفير الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة إضافة إلى تزايد الاستثمارات العامة.

وقد اعتمدت الحكومة السورية في تمويل جزء كبير من هذا البرنامج على المعونات المالية العربية الميسرة إلا أن التحسن في إيرادات سورية من القطع الأجنبي ما لبث أن شهد تراجعاً ملموساً مع بداية الثمانينات، نتيجة لانخفاض أسعار النفط وما تبعه من انخفاض في باقي متحصلات سورية من القطع الأجنبي. ومع التزام الحكومة السورية بنفقات عامة كبيرة جداً نتيجة ما تتحمله من أعباء من ناحية، وتراجع الإيرادات العامة من ناحية أخرى، تزايد العجز في الموازنة العامة للدولة، بمعدلات سريعة وفي ظل مناخ اقتصادي يسوده التكدس الوظيفي وتراخي الأداء في الإدارة الحكومية وانعدام الكفاءة أو انخفاض مستواها في المشروعات العامة وزيادة فجوة الموارد، نتيجة عدم التناسب بين الاستثمار والادخار واجه الاقتصاد السوري خلال عقد الثمانينات وبخاصة في النصف الثاني منه عدداً من الظواهر الاقتصادية السلبية منها:
تراجع معدلات النمو الاقتصادي خلال هذه الفترة.
ارتفاع معدلات البطالة.
ارتفاع معدلات التضخم.
تزايد العجز التجاري.
تدهور وضع ميزان المدفوعات.
تراجع حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي.
الضغوطات المطروحة في الاقتصاد السوري هي أساساً داخلية مضافا إليها تحديات خارجية. وهذه العوامل الداخلية الضاغطة هي ثلاثة عناصر رئيسية: [2]

أولا – النمو غير المستدام، الذي يعتمد على المساعدات الخارجية أو إيرادات النفط أو المحاصيل الزراعية التي تعتمد على مياه الأمطار. لقد انخفضت المساعدات الخارجية اليوم، مقارنة بفترة السبعينات وبداية الثمانينات، وعندما توقفت المساعدات حدثت أزمة اقتصادية في عام 1986، والاعتماد على هذا المصدر خطير. بعد توقف المساعدات الخارجية تزايد ولحسن الحظ إنتاج النفط في سورية، ولكن إيرادات النفط أيضا غير مستقرة أو دائمة. إذن النمو غير المستدام هو مشكلة تعالج بإصلاح اقتصادي لخلق موارد داخلية بديلة حقيقية ودائمة.

ثانياً – البطالة، في كل عام يدخل سوق العمل حوالي 300 ألف شخص، لذلك من الصعب حل هذه المشكلة دون خلق فرص عمل واستثمارات وطنية وعربية وأجنبية تمتص البطالة الموجودة وتمتص العمالة الفائضة في القطاع العام وتؤمن فرص عمل للعمالة التي تدخل سوق العمل لأول مرة. والبطالة مشكلة إذا لم تعالج فإنها تخلق مشاكل اجتماعية خطيرة.

ثالثاً – عدم القدرة على المنافسة، ففي زمن العولمة علينا أن نقبل التحدي، وفي هذا الزمن لا يمكننا أن نهرب، وننطوي جانبا، وبالتالي علينا الانخراط والتعامل مع المعطيات الجديدة، وهذا يتطلب زيادة القدرة التنافسية، لأن الانفتاح على الأسواق الخارجية يتطلب زيادة القدرة على التنافس، وهذا يدفع إلى الإصلاح وتحسين الإنتاج ورفع مستوى القوى البشرية أيضا.
وقد برز العديد من العوائق والمظاهر السلبية التي ما تزال تقف حجر عثرة أمام التطوير والانطلاق، ومن أهم هذه العوائق الافتقار إلى القوانين والتشريعات الاقتصادية المناسبة للمرحلة الجديدة وشعاراتها. [3]
فالاقتصاد بحاجة إلى مزيد من الاستثمارات، وهذا يتطلب تشريع قوانين تعطي الثقة والأمان وحرية التصرف، ولا يمكن أن يتم ذلك في ضوء القوانين المعمول بها حالياً، ولقد كانت تجربة قانون الاستثمار رقم 10 مثالاً حيا على أن تطوير التشريع يحتاج إلى وقت طويل، فهذا القانون خضع للتعديل، وما يزال بحاجة إلى التطوير. فكيف إذا كان الأمر يتعلق بحزمة من القوانين المماثلة، مثل قانون إنشاء مصارف خاصة أو مشتركة، أو قانون إحداث سوق للأوراق المالية وإنشاء بورصة، أو قوانين تتعلق بالضرائب، أو قوانين تحرير التجارة، وقوانين صرف العملات، وما إلى ذلك من تشريعات، كلها مهمة لدفع عجلة الاقتصاد السوري.

[1] – يمكن الإشارة هنا إلى ما ورد حول هذا الموضوع في خطاب القسم للسيد الرئيس بشار الأسد، وكذلك ما ورد في كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي السوري يوسف الفيصل في حفل افتتاح المؤتمر التاسع للحزب.
[2] – نبيل سكر: اقتصاديون سوريون يطالبون بتسريع الإصلاحات ووضع استراتيجية واضحة للقطاع الخاص، خبراء يتحدثون لـ«الشرق الأوسط» حول أهمية حل إشكالات البيروقراطية لدفع عجلة التنمية وجذب الاستثمار.
[3] – أنظر، هبه القيس (Heba Al Ghais) دراسة اقتصادية بعنوان: هل دخلت سورية مرحلة الإصلاحات الاقتصادية الجذرية؟