انتهاكات إسرائيلية لا حدود لها


فهد المضحكي
2023 / 12 / 9 - 11:20     

منذ احتلال إسرائيل الأرضي الفلسطينية بعد هزيمة يونيو 1967، وغيرها من الأراضي العربية، لم تكترث الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بأحكام القانون الدولي العام، وقانون الحرب، واتفاقية جنيف الرابعة، والقواعد المنظمة لسلطة المحتل على الأراضي المحتلة، وعلى السكان موضوع الاحتلال، ومارست عمليات استيطان واسعة النطاق، والأخطر مجمل انتهاكاتها إزاء حقوق الشعب الفلسطيني، وأشكال العقاب الجماعي، واعتقال مجموعات كبيرة من الأسرى، وعمليات عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية، وقطاع غزّة، وانتهاكات لا حدود لها إزاء حقوق الشعب الفلسطيني، ولكل قرارات الشرعية الدولية، وكل المبادرات التي تستهدف حلول سلمية، وتسويات للنزاع، منذ ما بعد حربي يونيو 1967، وأكتوبر 1973 التي أدت إلى كسر بعض من أساطير آلقوة الإسرائيلية في المنطقة.
حين تناول الكاتب والباحث نبيل عبدالفتاح الخبير في شؤون الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أوضح، لقد أدت السياسة الإسرائيلية، ورفضها حل الدولتين إلى الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، ثم الانتفاضة الثانية عام 2000. أدت الانتفاضة الأولى إلى مؤتمر مدريد عام 1991، وبعدها بعامين إلى إتفاقية أوسلو، وعلى الرغم من السعي العربي، والفلسطيني لتسوية سلمية للنزاع، فإن إسرائيل ظلت تماطل في تنفيذ التزاماتها الدولية، وفق القانون الدولي، وإتفاقية جنيف الرابعة، وظلت تمارس سياستها الاستيطانية في الضفة، وحول قطاع غزة في سعيها لتغيير الواقع على الأراضي المحتلة،وظلت السلطة الفلسطينية ما بعد أوسلو، تسعى إلى تنفيذ ما تم التوصل إليه في الاتفاق، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لم تأبه كثيرًا بما وقعت عليه، وتحول واقعيًا كسلطة إحتلال دون الوصول إلى حل الدولتين، مع كفالة الضمانات الأمنية لها، وللدولة الإسرائيلية. وعلى الرغم من عمليات المقاومة الوطنية المشروعة للمقاومة الفلسطينية - وفق حق المقاومة المشروعة للمحتل الاستيطاني - إلا أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تجاه الضفة والقطاع، كانت أوسع نطاقًا، وأكثر تدميرًا للبشر، والحجر في قطاع غزة، ناهيك عن اغتيالات قادة المقاومة المشروعة، للحركات الوطنية الفلسطينية، وتحويل القطاع بعد كل عملية عسكرية كبرى إلى انهار من الدم للسكان المدنيين، وتدمير شامل لمناطق واسعة من القطاع تم تسويتها بالأرض!.
اعتمدت إسرائيل على قدراتها العسكرية والتكنولوجية الفائقة التطور، وإمكاناتها الاستخباراتية العاليه القدرات والكفاءة، وتصورات ذاتية أسطورة حول قدراتها التي تنطوي على القوة الهائلة لها، مع إدراك ووعي بأنها الأعلى والأكبر ذكاءً وقوة من الفلسطينيين والمقاومة. شكلت عملية طوفان الأقصى، ضربة مؤلمة لغطرسة القوة الإسرائيلية وفشلًا امنيًا كبيرًا لها، على ما تشير إليه العمليات العسكرية، ومساراتها. كشفت عملية طوفان الأقصى أن الذكاء والخيال العسكري ليس مقصورًا على التكنولوجيا العسكرية الفائقة التطور، والقدرات الأمنية والاستخباراتية ذات الكفاءة، والخبرات العالية، والتمدد في أوصال الضفة والقطاع، ومناطق واسعة عالميًا، وإقليميًا.
إلا أن رد فعل إسرائيل التدميري كان واسع النطاق، في الغارات المكثفة بالطائرات، واغتيال بعض قادة المقاومة، والعقاب الجماعي، و قتل المدنيين، وتهجيرهم القسري داخل القطاع، بما فيها تفريغ شمال القطاع،وتهجير سكانه قسريًا إلى جنوب القطاع. سياسة التطهير العرقي للمحتل الاستيطاني الإسرائيلي لا تزال مستمرة منذ 5 يونيو 1967 إلى الآن وتزداد ضراوة، وخطورة. الأخطر أن ما وراء السياسة الإسرائيلية الغاشمة، وخارج الشرعية الدولية أسطورة الاستعلاء الإسرائيلي، وأن الإنسان الإسرائيلي هو الأعلى في المنطقة، وربما العالم! إن استعلاء الإنسان الأعلى هو أيضاً جزء من بعض التصورات الأمريكية، والأوروبية إزاء المجتمعات العربية، والجنوبية التي كانت خاضعة للكولونياليات الغربية الفرنسية، والبريطانية والإيطالية والبرتغالية، وإن الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وسقوط حائط برلين، باتت إمبراطورية العالم الحر، تحت شعارات الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات وإنسانها اليانكي هو الأعلى كونيا!.
إن نظرة على مواقف الإدارة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، إزاء العدوان الإسرائيلي، وسياسة التطهير العرقي، و قتل المدنيين الأبرياء، واللامبالاة باتفاقية جنيف الرابعة، وعمليات العقاب الجماعي للفلسطينيين، وأنهار الدماء للأبرياء، يلخصها تصريحات القادة في إدارات الدول الغربية، ولعل أكثرها دلالة دعم بايدن لإسرائيل إزاء ما وصفه بالشر المطلق وقوله: ثمة لحظات في هذه الحياه، وأعني ذلك حرفيًا، عندما يطلق العنان لشر مطلق على هذا العالم.. هذا العمل شر مطلق، متناسيًا كل ما قامت به دولة الإحتلال منذ يونيو 1967 وما تقوم به في العملية الأخيرة، ودعمه المطلق لها بالأسلحة والذخائر اللازمة للقبة الحديدية، وإرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد الأكثر تطورًا لمنع بعض الدول من دعم المقاومة الفلسطينية في القطاع، وفتح جبهات أخرى!.
إن مواقف أمريكا، والدول الأوروبية تشير، على حد قول الباحث، إلى هذه النظرة الاستعلائية لأسطورة الإنسان الغربي الأعلى إزاء الفلسطينيين، والصمت على جرائم المحتل الاستيطاني الإسرائيلي، وعدم ذكر أي إشارة للحق في المقاومة، أو اتفاقية جنيف الرابعة، أو الشرعية الدولية. مرجع ذلك الأساطير الكامنة فيما وراء الليبرالية، وحقوق الانسان، والخطاب الأمريكي الغربي حولها والنظرة العرقية الاستعلائية إزاء الجنوب، والإنسان العربي. هذا الميراث التاريخي للتفوق العرقي والثقافي، والتغني الغربي، يبدو حاضرًا في المشاهد السياسية الغربية الراهنة، ومعه الإسلاموفوبيا، والنزاعات الشعبوية لدى اليمين المتطرف، واليمين عموما في أوروبا. ثمة أيضًا توظيف للعمليات الإرهابية التي تمت قبل وبعد تدمير أيقونات القوة الأمريكية في أحداث 11 سبتمبر 2001 في إذكاء ثقافة الكراهيه إزاء الإنسان العربي. لم تستطع إسرائيل واستعلاؤها بالقوة وأسطورة الإنسان الإسرائيلي الأعلى أن تدرك أن الخيال العسكري للمستضعف والمحتل، يمكن أن يتجاوز أسطورة القوة المطلقة، وأن يعريها، ويكشف عن جوانب وثغرات ضعف داخلها، كما كشفت المقاومة. لاشك في أن أسطورة الإنسان الأعلى، ومواقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ستؤدي إلى ازدياد ظواهر الإسلاموفوبيا، وثقافة الكراهيه، والأخطر احتمالات نشأة، أو نهوض جماعات إرهابية جديدة، تجد في السياسات الداعمة لإسرائيل مبررًا لعمليات إرهابية جديدة على نحو يهدد هذه المجتمعات، ويجد مبررًا لها لدى قطاعات شعبية واسعة في المنطقة.
إن عملية القتل والهدم والدماء في قطاع غزة جعل الموت جزءًا من ثقافة المضطهدين من الكولونيالية الاستيطانية الإسرائيلية على نحو ذلك أمرًا مسيطرًا تحت بصر العالم الأكثر تطورًا، على نحو ما قاله الكاتب التشيلي انطونيو سكارميتا- في التمرد- يوجد قتيل داخل كل رصاصة.. لم يعد هنا من يهاب الموت. أصبح الموت عادة. ومع ذلك تغدو المقاومة والموت عادة إلى حين إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قواعد وقرارات الشرعية الدولية.