للذكرى والتاريخ عندما يتم التضحية بالمصلحة الشخصية من اجل المجموع


صلاح بدرالدين
2023 / 11 / 30 - 18:51     

للذكرى والتاريخ
عندما يتم التضحية بالمصلحة الشخصية من اجل المجموع
صلاح بدرالدين

تعاملت كقيادي ومسؤول في الحركة الكردية السورية ، وكشخص مستقل مع الحالة في كردستان العراق منذ ستينات القرن الماضي وحتى الان ، أي لاكثر من خمسين عاما بكل المراحل في زمن الثورة ، والسلم ، واللاحرب واللاسلم ، والاقتتال الداخلي ، وقيام البرلمان ، وانتزاع الفيدرالية ، والانتعاش الاقتصادي .
عودة الى الوراء
كما هو معلوم فقد تم تنظيم مؤتمر توحيدي ( لليسار واليمين ) في الحركة الكردية السورية كما اعلن من جانب الاشقاء في صيف ١٩٧٠ ، او ما اطلق عليه مؤتمر – ناوبردان – ( وهو مجمع لمراكز حزبية وإدارية يقع على تقاطع نهري بالقرب من بلدة كلالة – منطقة بالك ) وعلى الطريق الرئيسي الى– حاجي عمران – الواصل الى ايران ، ويقع ضمنه أيضا قصر السلام الذي تم التوقيع فيه على اتفاقية الحكم الذاتي من جانب الزعيم الراحل البارزاني ، وصدام حسين .
بعد المؤتمر بعدة اشهر الذي كان من قراراته استبعادي مع ثلاثة آخرين كما هو معروف ( محمد نيو – حميد درويش ، رشيد حمو عليهم الرحمة ) ، التقيت بالمرحوم ادريس بارزاني المشرف على ملف العلاقات القومية والذي كان صديقا مقربا ، ومتفهما ، وودودا ، واقترحت عليه ان يحدد لي موعدا مع الزعيم الراحل لاستئذانه بالمغادرة الى أوروبا لاستكمال دراستي الجامعية فاجابني : انت لاتحتاج الى موعد وتفضل معي لمقابلة الوالد ، ودخلنا عليه سوية فرحب ، واستفسر عن الصحة والاحوال ، ثم اخبرته عن رغبتي باستكمال الدراسة بالخارج ، وبعد برهة اجابني : لماذا لاتبقى بيننا وبامكانك تحمل مسؤوليات اما بالمكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني ، او بالمكتب التنفيذي ( وكان بمثابة مؤسسة سياسية ،عسكرية ، إدارية ، واسعة تضم ممثلي مختلف المكونات ، والشخصيات الوطنية والاجتماعية المشاركة في الثورة ) ، فاجبته : اذا كنت لااصلح للحركة الكردية السورية ، فلن افيد الحركة هنا أيضا ، شعرت انه تاثر من كلامي ونظر الي بتقدير وتفهم ، وبتعاطف واضح من موقع مسؤولية ، وحرص كبير العائلة قائلا : اذا كانت هذه رغبتك فلن امانع وتوجه الى – ادريس – بالقول : جهزوا رسالة باسمي الى سيدا ( الشهيد ) صالح اليوسفي الذي كان عضو مكتب سياسي بالبارتي ، وزيرا بحكومة بغداد باسم الكرد ، ليقدم مايلزم من ترتيبات ( جواز سفر عراقي ، ومنحة دراسية في المانيا الديموقراطية ) ، واستودعته ، وانتقلت الى مكتب – ادريس – حيث جهز الرسالة المطلوبة ، وتحدثنا مطولا حول ماجرى في مؤتمر – ناوبردان – الذي لم يكن راضيا عن نتائجه ، ومجرياته المفاجئة ، واخبرني تفاصيل حصلت من وراء الكواليس لم اكن اعلمها ، ونشرت بعضها في مذكراتي ، واحتفظ بالباقي حيث لاارى مصلحة في الكشف عنها .
لماذا رفضت عرض الزعيم الراحل ؟
قد يقول البعض ان أي واحد كان يتمنى تبوؤ موقع قيادي هناك وهذا صحيح اذا اخذنا الامر حسب المصلحة الشخصية ، وبالنسبة لي لم يكن وضعي الخاص في اولوياتي على الاطلاق ، ثم ان انتسابي الى مؤسسات الاشقاء هناك من عدمه لم يكن يؤثر على مصير الثورة والحركة هناك ، وكنت ملتزما بمبادئ ، واهداف الحزب الذي شاركت في تجديده منذ عام ١٩٦٥ ، والمشاركة في قيادته ، وتطويره ، كما كنت وفيا لشعبي الكردي السوري الذي انجبني ، ومناضلا من اجل نصرة الثورة الكردستانية في العراق وقائدها الشرعي الزعيم البارزاني ، ومؤمنا بالتعاون والتنسيق بين اطراف وأحزاب الحركة القومية الكردية في الأجزاء الأربعة على قاعدة الاحترام المتبادل ، وتفهم خصوصية كل جزء ، وقبول الاخر حتى لو كان مختلفا سياسيا ، وكنت حريصا على صيانة ، واستقلالية الشخصية الكردية السورية ، لذلك لم يكن واردا في كل حياتي السياسية ان اتخلى عن اولوياتي القومية ، والوطنية ، وعن موقعي ومكانتي في حركتي الكردية السورية التي ابقى اعتز بها مهما لاقيت من صعوبات ، ومخاطر ، وتهديدات .
لقد واصلت طريقي بحسب قناعاتي السالفة ذكرها حتى يومنا هذا ودفعت ثمنا باهظا على حساب مصالحي الشخصية والمقربون مني يعلمون ذلك ، وان كنت رفضت الانضمام التنظيمي الى مؤسسات الاشقاء في كردستان العراق في ظروف الثورة التي كانت تتطلب التضحية والفداء ، فقد واصلت النهج ذاته في ظروف السلطة الفيدرالية ، وزمن الرخاء الاقتصادي والسلام ، حيث بقيت قريبا من قيادة الإقليم ، ومساعدا منذ نحو ( ٢٥ ) عاما ، وقدمت كل امكانياتي الفكرية ، والسياسية في سبيل صيانة وتطوير الوضع القائم هناك ، ولم افكر يوما ولو للحظة بموقع رسمي ، بالحزب والحكومة ، ومختلف المؤسسات ، لانه كماذكرت يعلم الاشقاء منذ عقود وخلال التعامل معي ان اولوياتي لن تتغير ، وان قضيتي الكردية السورية ستبقى في سلم الأولويات أينما كنت ، وحيث ماحللت ، وهذا مبعث فخري واعتزازي ، رغم ان البعض لم يكن يروق لهم ذلك .
وليعلم الجميع انني عندما ارفع شعار صيانة الشخصية الكردية السورية ، وتعزيز وتوحيد الحركة الكردية السورية وإعادة بنائها ، واستقلالية قرارنا ، ورفض التبعية فقد بدات من نفسي أولا ، وطبقته على نهجي الفكري ، وسلوكي السياسي منذ عقود وحتى الان .