ما قاله القرآن عن المسيح وأمه


صباح ابراهيم
2023 / 11 / 27 - 20:39     

الفرق بين المصاحف والأحاديث النبوية
المرجع الرئيس في الإسلام هو القرآن . اما الحديث النبوي ففيه شك لأنه ينقسم إلى أحاديث صحيحة وموضوعة ومشكوك بها وأصحابه غير ثقة وما الى ذلك من فروقات تبعث الشك حتى في الأحاديث الصحيحة الواردة بكتب صحيح البخاري ومسلم، لأنها تحتوي على أحاديث لا يقبلها العقل ولا المنطق . وفيها حتى إساءات للنبي نفسه . فهي ليست موضع ثقة ، بينما ينال القرآن مكانة أكثر ثقة من الأحاديث لأنه يصعب تحريفه وتزويره ، رغم وجود اختلافات وأخطاء كثيرة في المصحف الواحد، وهناك فروقات كثيرة بين مصحف برواية حفص و مصحف برواية ورش . بعض الدول العربية في شمال افريقيا لا تقبل استعمال مصحف حفص، وتفضل مصحف ورش بعكس المملكة العربية السعودية ودول الخليج فهي تعاكسها بالتفضيل .
في دراستنا للقرآن فيما يخص السيد المسيح وامه مريم العذراء، نجد فروقات الكبيرة بين ما جاء بالقرآن وما جاء بالمراجع المسيحية (الأناجيل وكتب العهد القديم) - المعترف بها رسميا - في العقيدة والتاريخ الحقيقي للشخصيتين . وسنتحدث في هذا المقال عن أهم الفروقات بين الإسلام والمسيحية عن المسيح وأمه مريم .
اسم المسيح بين القرآن والإنجيل :
يسمي القرآن المسيح باسم عيسى، بينما تطلق الإنجيل الأربعة وجميع الكتب والمراجع المسيحية عليه اسم يسوع . ولدينا أبحاث ومقالات عن معنى تسمية عيسى المحرفة عن التسمية الحقيقية حسب المراجع المسيحية. و ماذا يعني اسم يسوع العبري المعتمدة في المسيحية وما هي دلالته اللاهوتية.
اما كلمة المسيح فيشارك بها القرآن مع الأناجيل الأربعة بنفس التسمية، لكن المراجع المسيحية تعتبر كلمة المسيح لقبا مقدسا وليس اسما، و تعطي تفسيرا لمعنى هذا اللقب . بينما يفتقر القرآن لتفسير اسم عيسى وكذلك لا يشرح معنى كلمة المسيح . وترك الأمر لاجتهاد المفسرين الذين لا يتفقون على تفسير واحد .
ولادة المسيح من مريم العذراء :
الإسلام يوافق المسيحية أن المسيح ولد من مريم العذراء بغير أب بشري. وأقر ذلك في القرآن بعدة آيات.
إنجيل متى في الكتاب المقدس يتحدث عن ولادة يسوع المسيح من حلول الروح القدس في أحشاء مريم بنت يواقيم وليس بنت عمران . ويقول إنجيل لوقا ان ملاك الرب جبرائيل ظهر لمريم وبشرها بالحبل المقدس .
وعندما خافت واضطربت هدأ من روعها قائلا : « لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ."
ثم قال لها : «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا، اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاء» .
اما القرآن ، فيقول ان جبريل و بآية اخرى (الملائكة) : ظهر لها فخافت منه وتعوذت بالرحمن ان يكون هذا الزائر تقيا، والصحيح أنها تعوذت بالرحمن من ان يكون هذا الرجل (شقيا) قد يؤذيها . لأن التقي لا يخاف منه احد ولا يتعوذ بالرحمن من ظهوره، بينما يحتاج الضعيف مساعدة الرحمان إن كان الرجل شقيا مؤذيا، فيستعين بالرحمن لينقذه من ما قد يلحقه به من اذى وخاصة انها فتاة صغيرة.
في الإنجيل اخبرها الملاك جبرائيل بالخبر السعيد والبشارة المفرحة قائلا :
"هَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ.
هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ،
وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».
بينما في القرآن لم يسلم عليها جبريل ولم يهدئ من روعها. بل قال لها مباشرة: " أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا". تفاجأت مريم بهذا الخبر وقالت للملاك : أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ؟ "
ليس من اللائق ان يقول القرآن عن مريم التي اصطفاها الله لعفتها ان تصف نفسها ب: (لم أكن بغيا) . فاللغة العربية غنية بألفاظ التبجيل والتكريم، فهل عجزت لغة البلاغة والبيان عن إيجاد لفظ أكثر تهذيبا من وصف (البغي) حتى ولو جاء بصيغة النفي .
بينما نقرأ في الإنجيل اجمل واسمى التعابير الراقية للملاك يقول لمريم : " هَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. ولما سالته : « كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟ » وهذا دليل عذريتها وعفتها .
اجابها الملاك :
« اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. … لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ».
اطاعت مريم وقبلت بإرادة الرب . وقالت للملاك:«هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ.
اما في القرآن قال الملاك :
" قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا" . فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا .
لكن في آية أخرى في سورة الأنبياء: جاءت صيغة البشارة والحمل بأسلوب غريب . حيث حدث الحمل بطريقة النفخ في الفرج الذي احصنته مريم .
" والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين "
من الذي نفخ في فرج مريم ؟: رب العالمين هو من نفخ بدليل هذه الآية : وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ .
وتؤيد سورة التحريم 12 ان النافخ هو الله : ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين "
وهذا يطابق كلام الملاك جبرائيل ان روح الله حل على مريم . فحبلت بحلول الروح القدس عليها وليس بالنفخ .
« اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ »
في سورة التحريم 12 يؤكد القرآن ان الحبل تم بالنفخ في الفرج :
ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين"
يؤكد القرآن في سورة السجدة 9 ان الله هو من ينفخ روحه في خلقه ليعطي الحياة .
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ " .
لكن بعض المفسرين قال : «فنفخنا فيها من روحنا» إن معناه أمرنا جبرائيل فنفخ في جيب درعها فخلقنا المسيح في رحمها «و جعلناها و ابنها آية"
نعيد السؤال : من هو النافخ هنا ؟ يبدو للقارئ أنه جبريل وليس الله ؟‼ اليس هذا تناقض بين الآيات أم هو اختلاف في اجتهاد المفسرين ؟
هل المبشر لمريم ملاك واحد أم مجموعة من الملائكة ؟
: الآية 45 من آل عمران تخالف ما جاء بآية مريم 17 " فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا" وأصبح المبشر لمريم مجموعة من الملائكة وليس ملاكا واحدا :
" إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين " آل عمران 45… فهل الذي بشر مريم جبريل وحده ام مجموعة من الملائكة ؟
من هو الروح ؟
هل روح الله هنا هو الله نفسه ام جبريل ؟ هل جبريل واجبه نفخ الروح في مريم ام بشارتها بالحبل فقط ؟
هل تعبير (تمثل لها بشرا سويا) تعني : تمثل أو تجسد كلمة الله وروحه بشخص (المسيح) في أحشاء مريم فأصبح بشرا سويا في رحمها ؟ أم تعني ظهر الملاك أمامها بهيئة بشر سوي ؟
إنه كتاب غامض في معانيه وليس كتابا مبينا، لأن القارئ يحتاج لكتب المفسرين الذين لا يتفقون مع بعضهم على تفسير واحد ليعرف الحقيقة، وقد يتوه الباحث بين التفاسير المتضادة ؟