غزة . . والملهاة المنحطة للنظام الدولي العالمي


أمين أحمد ثابت
2023 / 11 / 22 - 23:38     

تم التوافق العالمي على قيام كيان عالمي موحد يضم في عضويته كل بلدان العالم وبمجلس أمن لخمس دول كبرى دائمة العضوية – التي تحالفت لإسقاط النازية الألمانية الهتلرية وانهاء بقاء نهجها الفاشي العرقي المتوحش في 1945م نهاية الحرب العالمية الثانية – وهو الكيان الذي نشر فكرته اينشتاين قبل موته بمعنى – تحتاج البشرية لقيام دولة عالمية حاكمة فوق جميع الدول ، تنضبط إليها كل دول العالم بما فيها الكبرى ، خاصة وبعد ما تم انتاج القنبلة النووية واستخدامها من قبل الولايات المتحدة الامريكية – وهي إشارة الى الرعب اللامتناهي لمجيء تطور تسلحي اكثر فتكا منها فيما بعد ، وهو ما يهدد انتهاء الكوكب برمته إذا ما جرت حربا ثالثة بترسانة نووية ، هذا غير أن تلعب هذه الدولة العالمية ( منظمة الأمم المتحدة ) للجم استخدام الدول الكبرى لأسلحة الإبادة الشاملة للحياة ، وتدير النزاعات الدولية بين البلدان المختلفة عبر قانون دولي منظم للحقوق والعقوبات والسعي لنزع فتيل مواجهات الحروب المسلحة في كل مكان من العالم وفرض واقع انهاء الاحتراب – طبعا مع مرور الوقت من تكوين المنظمة الدولية الجامعة لدول بلدان العالم جرت تطويرات نظامية لعمل المنظمة في مختلف الجوانب تتعلق بحقوق الانسان والشعوب وتنظيم بنية العلاقات على أسس تشريعية قانونية دولية ملزمة – وكان تنفيذ فكرة الدولة العالمية المنظمة لكل دول العالم . . تنطلق من ( حلم طوباوي وهمي ) أن تعد الحرب العالمية الثانية آخر الحروب الدولية الجماعية بطابعها الوحشي البربري في التاريخ البشري – فهل تحقق من هذا الحلم ولو شيئا يسيرا ؟ ، بالطبع لا ، كون الدولة العالمية ( المحايدة ) المديرة للعالم لم تمتلك هذه الصفة الرئيسية لفكرة بنائها وتكوينها ، فقد وضع قرارها الدولي بين خمسة اطراف ذات صراع أيديولوجي حاد التناقض ، ليكون العالم محكوما عبر تنازع قوى النفوذ الخمسة في وجودها ومصالحها المتعارضة فيما بينها في العالم ، وهو ما جعل تنفيذ القوانين الدولية معطلة ، وما جعل القرارات الخارجة عن مجلس الامن او الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة مخرجة بصياغات التوائية قابلة للتحريف التأويلي والقابلية للمغالطات في تفسير النصوص لتلك القرارات والاستقطاع الغرضي لمجزاءات من النصوص القانونية باستخدام يضر بتحقيق الحق والنظام والعدالة الدولية – وبعد سقوط التجربة الاشتراكية وانتهاء صفتها القطبية عالميا ، وتحول العالم بأجمعه من 1990م الى النهج الرأسمالي الامبريالي انهاء للصراع الأيديولوجي العالمي ، ظل ذات التنازع للقوى دائمة العضوية في مجلس الامن متنازعة على سطوة النفوذ على العالم ، فكان للحلف الامبريالي الغربي العالمي الفاشي – أمريكا ، بريطانيا وفرنسا – بعقد ( جنسها الأبيض – العرقي كما ذهب إليه هتلر ) انهم صانعوا الحضارة الحديثة كأصل النظام البرجوازي في العالم ومالكي قدرة تطوير المجتمعات البشرية – ذات الزعم الذي اسر عقل هتلر المريض بالعرق الألماني – وهو جعل حلفها الغربي تحت اليد الامريكية المتوحشة أن تكون فوق العالم وفوق الأقطاب الامبريالية الأخرى – غير جنسها – بولاء عالمي لحقها التاريخي وفق توهمها وتحت قوة الترسانة العالمية وقوة النفوذ الواقعي على العالم – فأحاك حلف الشيطان الغربي الفاشي هذا سلاسل من ضرب الاستقرار السياسي والاجتماعي للقطبين الروسي والصيني وشد مختلف بلدان أوروبا الشرقية لضمها الى حلف الأطلسي العسكري – الغربي و . . الى تأسيس الاتحاد الأوروبي كقارة موالية لتسيد ( الجنس الأبيض ) منها وبتبعية كاملة لمركز ذلك الجنس في أمريكا كمحرك لوحدة تلك المصالح عبر العالم بمخرجات قوة التفوق ( التسلحي ، السياسي والاقتصادي . . الخ ) على العالم .
وهروبا من الافاضة في العرض والتحليل التدليلي والاحكام حول ( غياب العدالة الدولية ) ، وأن المنظمة الأممية وجود مستغل لتمرير الخداع والاكاذيب – تحت القبضة الامريكية – لشرعنه ما هو غير شرعي ، وأن جميع القرارات الصادرة عنها ومجلس امنها الدولي والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لا تكلف قيمة الحبر المستخدم لكتابتها ، لا قيمة لها سوى صفتها الصورية المخادعة لوجود قانون دولي يحمي الحقوق لكل بلدان العالم ومختلف الشعوب وحتى الأقليات والفردية للإنسان داخل هذا الكوكب ، ويمكن استغلال مستقطعات غرضية لشرعنة ما هو غير شرعي ومحرم دوليا . . حين يمكن توظيف تلك المستقطعات النصية القانونية للأغراض الامريكية ( وفق اجندتها ) والغرب أوروبية فقط .
هذه المهزلة الواطية بأرخص درجة من حيث القيمة الأخلاقية ومن حيث الاسفاف المتهافت تكشفت علانية بالحرب العنصرية المتوحشة الإسرائيلية على غزة من 8اكتوبر2023م ، فبكل قبح تعلن الى الان أمريكا وذيولها الغرب أوروبيين حق إسرائيل في حربها التنمرية الاحتلالية على غزة والضفة الغربية كدفاع عن النفس ، إجازة لإسرائيل في ارتكاب جرائم حربها الابادية اليومية – خلال 47يوما الى اللحظة – ومنحها أسلحة الدمار الشامل الى جانب ما تمتلكه أصلا ، وذلك في قتل وجرح الالاف يوميا من المدنيين ، وغالبيتهم من الأطفال والنساء ، والتدمير الشامل لمعالم المدن والقرى ، حتى بقصف الأماكن المحرمة دوليا الاعتداء عليها ، وبما لا يقبله عقل غير مريض أن تقصف تلك الأماكن كمواطن لجوء لعشرات الالاف من المدنيين هربا من بعد محو منازلهم واحيائهم ومختلف المباني الرسمية للخدمات الاجتماعية . . ليمزقوا بقصف لأماكنهم المحرمة التي لجأوا اليها – كالمستشفيات والكنائس والجوامع . . الخ – ليصل الانتهاك الحيواني الإسرائيلي قصف الاف العائلات التي وجهتهم للسير كخط خروج آمن . . يتم قصفهم في طريق سيرهم ذاك وغيرهم بقصفهم في الملاجئ الامنة المحددة دوليا – ولم تكتف أمريكا في تدويل كذبة ( الدفاع عن النفس ) ومغالطات الحقائق وتبرير ارتكاب إسرائيل يوميا جرائم الحرب الوحشية وانتهاك كافة القوانين الدولية والميثاق الاممي . . حتى تجتث حماس وتحرير اسراها الصهاينة من قبضة حماس بعدد ما يقل عن 300 ! ! !
شيء عجيب أن تعطل المنظمة الدولية عن عملها في ضوء حقائق ملموسة واقعية عن كل يوم خلال ال24 ساعة من الحرب الإسرائيلية ، والتي جميعها تعد جرائم حرب وحشية من الإبادة العنصرية الجماعية والتدمير الشامل على امتداد كل غزة والضفة – في نفس التوقيت – واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا ، ومثلها انتهاك كل القوانين الدولية والأماكن المحرم التعدي عليها ، هذا غير القتل للأبرياء المدنيين بمنع دخول الغذاء والماء والدواء والوقود – عجيب . . حتى مع انكشاف المغالطات الامريكية والخداع للرأي العالمي ، ما جعل حدوث تحولا عالميا يدين إسرائيل في آلة حربها ضد المدنيين كتصفية إبادة عرقية جماعية وتهجير ما تبقى ، ومطالباته تقديم إسرائيل لمحكمة الجنايات الدولية كمرتكبة جرائم حرب وحشية بتورط امريكي وغرب أوروبي مشارك في هذه الجرائم – إذا بنا نرى وساطات دولية ترضي إسرائيل لفتح دخول المساعدات ب ( القطارة ) بتركها تستمر بارتكاب مجازرها الجماعية اليومية حتى اللحظة – أي عقل يقبل حجة إسرائيل بقتل وجرح عشرات الاف المدنيين بغزة وعشرات الالاف المعتقلين من فلسطينيي غزة والضفة خلال 47 يوما حرب بعذر الانتقام من حماس واسراها ال275 شخص ، أي منطق يقبل تدمير كامل غزة بسكانها المدنيين بمئات الاف الاطنان من القذائف والقنابل المحرمة بتبرير القضاء على حماس – أية وساطات لتبادل اسرى تفرض إسرائيل من ستفرج عنهم العودة الى منازلهم ، والذين سيعاد اعتقالهم بعدها ، وحتى بعد اطلاق كامل الاسرى ما يضمن على إسرائيل توقيفها للحرب – الدليل أنها تقبل هدنة ل 4 أيام لادخال المعونات واسعاف الجرحى مقابل تبادل الاسرى ، ولكنها تشترط ان الهدنة لا توقف عمليتها العسكرية ، وانها ستعود كما كانت – ما قيمة سلامة المدنيين المتبقيين على الشوارع مشردين طالما وانهم سيبادون مجددا تحت القصف بعد 4 أيام – أية إنسانية يتكلم عليها بالمساواة حقوقيا بين المستوطنين الصهاينة والفلسطينيين في الحرب الجارية ، فلم يتم قتل جماعي لمدنيي إسرائيل بينما الانسان الفلسطيني يقصف بإبادة عنصرية جماعية وتدمير شامل لبلدهم – من لا تدمى احاسيسه رؤية لساعات اليوم الواحد مئات الأطفال الممزقين أجسادهم والاف منهم جرحى بتشوهات عضوية خطيرة اثر القصف مع منع لإنقاذهم – أي قانون او منطق يقبل ( العقاب الجماعي ) لمليونين وربع من المدنيين بانتقام عنصري فاشي وتدمير وطن كامل على عملية قامت بها مجموعة مقاومة مسلحة . . أذلت هذا النظام الصهيوني العنصري ! ! !
مهزلة ( المكسب الكبير ) الذي يشارك فيها العرب ووسطاء دوليين للوصول الى ( هدنة 4 أيام ) كمكسب لإنقاذ مشردي غزة المدنيين وجرحاهم ، والذي لا يعني سوى الاستجابة الخانعة للاملاء الأمريكي بما ينفع إسرائيل فيما لم تستطع تحقيقه خلال حربها النازية ل 47يوم – كونها لم تحقق اهم هدفين اعلنتهما لشن هذه الحرب – اجتثاث حماس واطلاق اسراها عند فصائل المقاومة الفلسطينية – حيث ستحقق هدفها الثاني عبر هذه الهدنة وأخرى او اكثر غيرها – بينما عدم انهاء العملية العسكرية خلال كل هدنة او بعدها ستذهب نحو تحقيق هدفها الأول ( المبدئي الأساسي الاستراتيجي ) للنظام الصهيوني الإسرائيلي ب . . انهاء القضية الفلسطينية وتثبيت قوة الاحتلال على كامل القطاع والضفة وفرض واقع التهجير العنصري العرقي للفلسطينيين الى كل من لبنان والأردن ومصر وسوريا و . . بطريقة يشارك فيها كل العرب الصارخين تخوفا بتصفية القضية الفلسطينية ! ! ! – فإسرائيل لن تتوقف دون استعادة ( كرامتها المراقة ) واستمرار حقيقة وجودها الاحتلالي التوسعي بحروب متقطعة او هرولة لدفعة حرب واحدة مغامرة دولية إقليمية استغلالا للحضور التورطي العسكري الأمريكي والغرب أوروبي ، ومن خلال كل من الطريقين يمهد المنطقة لتكون وفق المشيئة الامريكية في اجندتها الشرق أوسطية القادمة . . التي أصبحت منكشفة كليا .