كمال الجزولي .. غياب ثلاث شموس


المنصور جعفر
2023 / 11 / 6 - 07:07     

يمثل رحيل الأستاذ كمال الجزولي فاجعة للحزبيين وغاجعة الكتاب وفاجعة المحامين فرحيله رحيل لشموس ثقافة مثلثة الديالكتيك حزبية وجمالية وحقوقية.


في السياسة الحزبية كانت للراحل الأستاذ كمال عوض الجزولي عبارات ومرافعات ثورية وطنية ديموقراطية في شؤون التقدير السياسي، وفي سعة وحكمة كانت له أيضاً عبارات ومرافعات سياسة في شؤونا الثورة الوطنية الديموقراطية، اذ كان من ذخيرته الآيديولوجية-الأكاديمية والثقافية والمهنية يضع لكل عقل ومقام المقال المناسب لظروفه ولإنهاء أي حيرة نمطية وتحقيق البيان الموضوعي للحقوق في الكلام.


لعل أرقى مرافعات حياة المحامي كمال الجزولي تمثلت في تكرار مقالاته البديع لقبس جماليات اللوحات البصرية والسمعية والأدبية المعلومة أو حتى النادرة والمدهشة من حوادث تغير العلاقات السياسية والدولية وقيام صياغته بتحليل بعض أضواء كل جمال وتحويله إلى طيوف أفكار ثرة أو حقائق وجدانية.


في الحقوق وأعمال القانون كانت خلاصة بعض مرافعات الأستاذ كمال الجزولي في المحاكم مدرسة سوڤييتية تسجد لها كل موسوعات الحقوق المبنية بأسلوب التجميع الشكلي أو الهجائي لبعض السوابق القانونية ذلك لأن كمالاً كان يتوخي تحقيق العدالة بتبيين الحقيقة القانونية وذلك بفحص أو بتقديم اتساق تناص وتقاص المواد القانونية المواشجة لموضوع القضية وأداء المحاكمة. بينما تعتمد مدارس المرافعات الإنجلوساكسونية أونصف المرافعات الامريكية إعتماداً كبيراً على الالتقاط وتعتمد مدرسة الحقوق الفرنسية على أنواع من جمع وفرز الأمور القانونية تعتمد أكاديميات الحقوق والمرافعات السوفيتية على منظور مختلف حيث ترى ان العدالة ليست نتيجة تلقائية لإنفاذ مادة قانونية أو مادتين أو عشرة مواد أو لجمع بعض النصوص بل رسخت المرافعات السوفييتية أن العدالة ظاهرة موضوعية تمثل محصلة تاريخية لتراكم المباينات والموازنات القانونية الإجتماعية التأسيس والهدف، وبقيام طالب العدل بفحص هذا التاريخ وقسطاسه يتبين له بسهولة إما إنحراف موضوع القضية عن المسطرة التاريخية للحقوق أو إنحراف الإجراء القانوني نفسه عن مسطرة الدستور.


هذه الأكوان السياسية والجمالية والحقوقية لقوانين الفلسفة المادية تعكس ثلاثة ديالكتيكات تتداخل أحياناَ: أول هذه الديالكتيكات ماثل في فهم طبيعة التاريخ ضمن أمور السياسة وفهم تأثير كل صراع سياسي على إقرار أو رفض تاريخ سياسي معين.
الديالكتيك الثاني لبه بلاغة موضوعات كمال الجزولي الجمالية أو في بعض الأحيان جماليات وبلاغة بعض عباراته، وسواء كان الجمال ذو القسمات البسيطة أو كان من النوع الباذخ فأي من الحالين الكمالين الجزوليين هو نتيجة منطقية لعناصر وتركيبة ونسق تفاعلات وعطاء ذهنه الآيديولوجي المنظوم الذي يرتب تخزين واستعمال المعلومات بشكل منطقي تنخفض فيه عدداً ونوعاً كل حالات التناقض والتباين السطحي والبنيوي. أي الذهن الجميل التكوين والجميل النشاط والتعامل والجميل النتيجة، والله جميل يحب الجمال.

الديالكتيك الثالث يمثل جزءً من رحمة الله على الخصوم والوكلاء في عالم المحاكم فقسطاس ديالكتيك مرافعات كمال الجزولي تجسد في نظره إلى أسس ونتائج إعمال الحقوق أو نظره إلى نزاعاتها، وبمنظاره الشمولي المضبوط بعيار تكامل الأوضاع الحقوقية والقانونية والمبادئي الدستورية كان كمال يفوز فوزاً عظيماً على المناظير الجزئية والواحدية وحتى النصف واحدية المكسول إليها في عالم المحاكم لتبيين الحقوق وفض النزاعات القانونية.


مثل كل أخوته في مجتمعات ودولة معادية للجمال نجح إبن عوض الجزولي الأستاذ كمال منذ بداياته في وضع معناه وأسمه في قائمة أساتذة الحزبية وقائمة أساتذة الكتابة الأدبية والصحفية وفي قائمة أساتذة القانون وأصبح بهذه الجدارة أسطونة في الكلام لئن وجدت بيئة رفاقية تعلم فيها شاب من أي جزء من هذه المجالات الثلاثة لحقق لنفسه بتبين وتبيين الحقوق الاجتماعية أو الوجدانية أو القانونية ذلك المزيج البديع من السعادتين الأعظم السعادة في النضال والسعادة في السلام.

شكراً لكمال الجزولي ورفاقه في الحزب الشيوعي السوداني أزعجتم الظالمين وأثريتم الحياة.