للي إيدو بالمي مش زي اللي إيدو بالنار


خالد بطراوي
2023 / 11 / 5 - 14:22     

لنضع أيها الأفاضل الأمور في سياقها الصحيح، ذلك أن تشتيت أفكارنا يقودنا الى تلك الحالة التي نضع فيها العربة أمام الحصان وليس العكس.
إن كل ما يجري في العالم مرده الأساسي هو الإطار الإقتصادي الناظم والمصالح وفقا لذلك، وعليه، من المفترض أن تترسخ لدينا القناعة بالمقولة اللينينية التي تفيد بأن " السياسة هي تعبير مكثف عن الإقتصاد" وأنا من جانبي أضيف بأن الحرب " هي تعبير مكثف عن السياسة".
وطالما أن الأمر هو كذلك، فعلينا أن نرتب أفكارنا بالقناعة أيضا بأن الإمبريالية هي " أعلى مرحلة من مراحل الرأسمالية"، وأن ما يتحكم بالإمبريالية هي تفرعاتها من الإحتكارات العالمية وخصوصا "مونوبوليا وكرتيلات " السلاح والادوية والمخدرات.
إحتكارات السلاح تكدس الأسلحة في إيدي الطغم الحاكمة لتستخدمها ضد الشعوب وتكدّس الأسلحة المتطورة في أيدي "الدول العظمى" التي تنشد التسلح بالأسلحة "الرادعة" الجاهزة للتحرك عندما يتهدد الخطر أي من مصالح هذه الدول الإقتصادية وتفرعاتها بشكل رئيسي.
وطالما يوجد سلاح يتم إستخدامه فهناك مرضى وجرحى يلزمهم العلاج فتنتعش صناعة الإدوية وتدر اربحا على مونوبوليا الأدوية.
وبالتناوب، تنتعش مونوبوليا المخدرات والعقاقير المهدئة لأن من تبعات الحروب والاقتتالات الداخلية الكثير الكثير من الآثار النفسية حيث يلجأ المواطن الى التعاطي هروبا من الواقع على الصعيد العام والخاص.
لذلك كله، لا بد للإمبريالية أن تواصل إسعال الحروب والفتن، موظفة بذلك كل أنواع التمايز والصراعات وبضمنها الصراعات تحت المسميات الدينية أو العرقية أو المذهبية، فلا تنتعش الرأسمالية ولا تنتعش إقتصادياتها إلا على الحروب والنزاعات الداخلية.
وفي هذا الإطار، علينا أن نرى ونقتنع أن كيان الإحتلال الصهيوني الغاصب ما هو إلا رأس حربة متقدم للإمبريالية ومدافع عن مصالحها وكان من أكبر الإدلة على ذلك التدخل المباشر من أمريكا ودول الغرب في العدوان الأخير على قطاع غزّة والشعب الفلسطيني ناهيكم عن التدخل المباشر في أوكرانيا على إمتداد السنوات السابقة، إذ لن تسمح الإمبريالية بسقوط رأس حربتها المتقدم في أي من المناطق " ذات الصراع الحار".
ومن هنا، وبالتناوب أيضا، فإن حركة التحرر الفلسطيني ونضال الشعب العربي العروبي الفلسطيني ما هو إلا نضال ضمن نضالات حركات التحرر العالمية ويلقى كل التضامن من شعوب العالم قاطبة حتى ولو بدرجات متفاوتة، ما يستدعي أن يرى قادة الشعب الفلسطيني وقادة الفصائل الحقائق المذكورة أعلاه وإستنادا إليها يؤسسون لتحرك عالمي موّحد في قبل حركات التحرر العالمي لمواجهة ذلك كله.
إن الركون الى الذاتية و/او الإقليمية و/او المناطقية و/او الفكر القومي و/او الفكر الديني فقط وفقط لن يقود الى إحداث إختراق في السياسات الإمبريالية العالمية، وعلى حركات التحرر أن تشد أزر بعضها البعض وبشكل خاص بضرب المصالح الإقتصادية للإمبريالية.
وكما يقول المثل الإنكليزي " بإستطاعتك أن تأخذ الفرس الى النهر ... لكنك لن تستطيع أن تجبره على شرب الماء" فهذا بالضبط سيكون حال السلع المنتجة والمستوردة من بلدان العالم الرأسمالي التي بإمكان كل الدول الرجعية التابعة أن تستوردها من خلال شريحة المستوردين لكل ما هب ودّب " شريحة الكمبرادور" لكن بإمكاننا في عالمنا التحرري أن نمتنع عن شراء هذه السلع لتبقى مكدسة على رفوف المحال التجارية، وذلك يشكل أحد أهم حالات التحرك الجماهيري للشعوب التواقة للتحرر.
وتأسيسا لكل ما ورد أعلاه، فإن الظروف الذاتية والموضوعية غير جاهزة بعد لأن تتحرر فلسطين ويتم إنتزاع حق الشعب الفلسطيني في الإستقلال والحرية والإنعتناق من الإحتلال، وما يحدث يدخل في إطار " الكر والفر" ليس أكثر، والمقاومة الفلسطينية تعي ذلك أكثر من غيرها ولم تكن تنشد في عمليتها الهجومية الأخيرة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2023 الى تحرير كامل التراب الفلسطيني بل كانت – وما زالت – عملية ذات أهداف محدودة قوبلت بعدوان شرس.
لكنّ، المؤكد أن ترتيبات الشرق الأوسط ما قبل السابع من إكتوبر عام 2023 لن تبقى كما هي بل أنها بالتأكيد سوف تتغير حيث من المتوقع أن يزداد البطش والتنكيل بشعوب الشرق الأوسط، مع دعم للحكومات التابعة للإمبريالية، ومنح بعض التسهيلات الحياتية، وكل ذلك " كرمال عيون دولة الإحتلال" التي تحرص الإمبريالية أن تبقى رأس حربتها المتقدم في المنطقة.
لذلك كله، فإن إستراتيجية حركة التحرر الفلسطيني عند هذه المرحلة، يجب أن تقود الى " الجزر" بعد "المد الثوري" وذلك بالسعي لوقف هذا العدوان الغاشم الذي يقترب من شهره الأول والذي خلّف هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى والمعاقين والدمار.
ولعل من السذاجة الذهاب الى القول بأن العدوان الأخير على قطاع غزّة قد كشف الأنظمة الحاكمة في المنطقة، فهي مكشوفة للغاية قبل هذا العدوان ولا يعول عليها، وما التصريحات النارية هنا وهناك لهذا الرئيس أو ذاك إلا ذر للرماد في العيون.
وفي المقابل، يجب أن تستغل القوى الطليعية في المنطقة حالة التضامن الشعبي العالمي وتؤسس لترسيخ العلاقات أكثر فأكثر معها على قاعدة توسيع العداء للإمبريالية وأتباعها في العالم والمقاطعة الإقتصادية ومناهضة التطبيع.
من هنا جاء خطاب سماحته الذي إنتظره العالم طويلا وإستمع إليه هذا العدد الهائل من البشر، فقد جاء مخيبا لآمال البعض الذين كانوا يتوقعون أن "يكبس" سماحته على "زر" لإنطلاق قذيفة ما نحو هدف ما، أو أن يردد " إنظروا إليها إنها تحترق" كما فعل في السابق، لكنه تصرف تصرف اليساري المتزن في تحليله وتشخيصه وتأكيده أن حزبه مشارك في عملية الكر والفر والمد والجزر منذ البداية بإشغال جبهة الجنوب/ أي شمال الكيان حيث تصرف تصرف العسكري الفذ الذي ينتهج سياسة أن العسكري الجيد هو ذلك الذي يتقن الخروج من المعركة وليس الدخول إليها، وأن مهمة العسكري الجيد هي حماية شعبه وليس الإحتماء به، فلم يكن معنيا بأن يشعل الصراعات الدولية على الأرض اللبنانية و/او أراضي الشرق الأوسط، رغم أنني ارجح أنه ما بين الإعلان عن موعد إلقاء كلمة سماحة السيد وإلقائها نسختان من الخطاب، الأولى نارية جرى إطفاؤها بترتيبات ووعودات دولية / إقليمية والثانية هي تلك التي تم تلاوتها وإستمعنا إليها جميعا.
كان من الملفت للنظر، أن جميع قادة المقاومة كانوا يتحدثون عن معاناة الشعب العربي الفلسطيني المستمرة منذ (75) عاما، ولو قمنا بعملية طرح حسابية بسيطة لوجدما أنهم يقصدون بذلك منذ النكبة وقيام دولة الكيان وليس بعدها ( أي عام 1948)، وكأنهم جميعا يقرون بصورة غير مباشرة ويقبلون بقرار التقسيم وحل الدولتين، إذ أن معاناة الشعب الفلسطيني لم تبدأ فقط وفقط عند النكبة بل قبلها بسنوات كثيرة بل وكثيرة جدا.
في النهاية، يجب أن تكون المهمة الراهنة الأولى هي وقف العدوان المستمر على أهلنا وأحبتنا في قطاع غزّة، وكما يقول المثل " اللي إيدو بالمي مش زي اللي إيدو بالنار" و " اللي بعد العصي ... مش زي اللي بيأكلها".
أقول قول هذا وأستغفر الله لي ولكم .... فيا فوز المستغفرين.