الدعم الأمريكي لإسرائيل


فهد المضحكي
2023 / 10 / 28 - 12:11     

شكلت المساعدات الأمريكية أحد أهم وأبرز أوجه العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، فتجاوبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1967 مع الاستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل وترسيخه في مختلف الميادين السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والعسكرية، والدبلوماسية. وقد تجلى ذلك بالدعم الأمريكي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية، واستخدام حق النقض الفيتو ضد أية محاولة لإصدار قرار دولي يدين إسرائيل واعتداءاتها المتكررة على الدول العربية، وذهبت الإدارات الأمريكية إلى أبعد من ذلك في إفشال إصدار قرار دولي يدين الأعمال التعسفية لإسرائيل في المنطقة. وقد توضح التوجه الأمريكي لدعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا ودبلوماسيًا خلال العقود السبعة الماضية من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى. هذا الكلام يقودنا إلى رؤية واضحة للكاتب والمؤلف الفلسطيني نبيل السهلي، جاء فيها، من أهم ملامح الدعم الأمريكي لإسرائيل، دعمها الدبلوماسي والسياسي وسياسة الضغط المستمرة على المنظمة الدولية التي أُجبرت على إلغاء القرار الدولي الذي يوازي بين العنصرية وإسرائيل، بيد أن المساعدات لإسرائيل برزت بكونها السمة الأهم في إطار الدعم الأمريكي لإسرائيل، فحلت تلك المساعدات العديد من الأزمات الاقتصادية الإسرائيلية مثل التضخم في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، كما حدت من تفاقم أزمات اقتصادية أخرى، ناهيك عن أثرها الهام في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتجهيزها بصنوف التكنولوجيا الأمريكية المتطورة، من طائرات وغيرها. وتبعًا للمساعدات الأمريكية اللوجستية الحكومية السنوية لإسرائيل، وكذلك المساعدات الطارئة، فإن قيمة المساعدات الأميركية خلال الفترة 1948-2023 تتخطى 300 مليار دولار، ومن إجمالي قيمة المساعدات التراكمية لإسرائيل ثمة 60 في المائة هي نسبة المساعدات العسكرية، و 40 في المائة نسبة المساعدات الاقتصادية.
ونقلًا عن صحيفة «اليوم السابع» المصرية، تشكل المساعدات الأمريكية لإسرائيل 55%؜ من جميع المساعدات الأمريكية للعالم، وتفيد تقارير أخرى بأنها وصلت إلى 270 مليار دولار، وأقرت الولايات المتحدة حزمة مساعدات لإسرائيل لأعوام من 2019 إلى 2028 بقيمة 38 مليار دولار، وتشمل مشاريع عسكرية مشتركة للحماية من الصواريخ. زادت عدد اتفاقيات التعاون العسكري الأمريكي الإسرائيلي في المجالين العسكري والأمني على نحو 25 اتفاقية، كلها تصب في مصلحة إسرائيل من أجل زيادة قدرتها العسكرية، وإدخال التكنولوجيا المتقدمة في وسائلها القتاليه ونظمها التسليحية، وبما يضمن تحقيق تفوقها على الدول العربية المحيطة بها على الأقل.
ولا تخفي إسرائيل ارتياحها، لأن المنحة العسكرية الأمريكية السنوية تقدم لها حصريا كاملة بداية كل عام وليست على دفعات مثل بقية دول العالم، كما أن العمق الإستراتيجي لإسرائيل محدود، وتحتاج حدودًا آمنة ونجدة سريعة، ولا يتحقق ذلك من خلال قواها الذاتية وإنما من الدعم الأمريكي.
ذكرت تقارير صحفية أن لهجة التذمر تتصاعد في الولايات المتحدة من الدعم «اللامحدود» لإسرائيل و«أهمال الفلسطينيين»، بل إنها وصلت إلى الحكومة الأمريكية نفسها.
فبعد الاستقالة المفاجئة لمسؤول في الخارجية الأمريكية، بسبب ما اعتبره «دعمًا أعمى من جانب واحد» وزيادة حزمة المساعدات لإسرائيل في حربها مع المقاومة الفلسطينية، اتضحت ملامح غضب في أروقة الحكومة بسبب الدعم لإسرائيل على حساب الفلسطينيين.
فقد أثار نهج إدارة الرئيس جو بايدن غضب الكثيرين في مبنى الكابيتول، وكذلك بعض مسؤولي وزارة الخارجية، الذين شعروا أن «عدوانية الإدارة ستؤدي إلى نتائج سياسية فظيعة، ومزيد من العنف طويل الأمد في الشرق الأوسط»، وفقًا لشفق نيوز.
وعلى الرغم من أن المتغيرات الحادة فرضت نفسها على المنطقة والعالم خلال الثلاثة عقود الماضية، إلا أن العلاقات السياسية ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ارتبطت بمقومات رئيسة تبناها النظام الأمريكي ذاته. حين تناول د. جيهان إسماعيل تلك العلاقات، أوضح كيف استمرت العلاقات السياسية الفريدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وتحولت الصداقة بينهما إلى تعهد أمني، وأصبح التعامل بينهما يتم على أساس عائلي وهو توصيف جديد في العلاقات الدولية يندر حدوثه أو تكراره، وعلى الدوام كانت إسرائيل هي الحليف الاستراتيجي لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط،لذا كان من الطبيعي أن يكون الموقف الأمريكي داعمًا لها، ولكن لم يكن من الطبيعي الدعم المطلق وإلى هذه الدرجة في بلد يدعي بأنه المدافع الأول عن الديمقراطيات والحريات في العالم. كان عليه بعد عملية طوفان الأقصى أن تأخذ موقفًا مغايرًا لما اتخذته وخاصة على المستوى المعنوي الذي اتخذ من أعلى مستوى في الإدارة الأمريكية والذي تبلور في بيانات المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى المساندة لإسرائيل أو من خلال اتخاذ إجراءات سريعة لترجمة هذا الدعم على أرض الواقع، الذي جسده قرار وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» بإرسال حاملة الطائرات الأمريكية «يو إس جيرالد آر فورد» إلى البحر الأبيض المتوسط، وتعزيز الإمدادات الجوية في المنطقة.
بات من الواضح أن مفردات الموقف الأميركي السابق من عملية «طوفان الأقصى»، تعكس تحيزًا واضحًا لإسرائيل، دون البحث عن جذور المشكلة الرئيسية في مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي، ومحاولة حلها، التي تقوم على إحتلال إسرائيل لأراضي عربية، منها الأراضي الفلسطينية التي تشكل جوهر هذه المشكلة، مع رفض إسرائيل الانصياع لقرارات الشرعية الدولية، التي تقر الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وحمايته وفق المواثيق المتعارف عليهأ دوليًا بأنه شعب أعزل تحت الاحتلال، وربما يدفع الموقف الأمريكي المتحيز لإسرائيل المنطقة إلى سيناريوهات كارثية مع تجاهل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حصار وتدمير وتهجير وتجويع يقوم بها جيش الاحتلال، من خلال استهداف المنشآت والمدنيين وقطع المرافق الرئيسية من كهرباء ومياه ووقود عن قطاع غزة.
إن الدعم الأمريكي والغربي المطلق سيكون بمنزلة غطاء للحكومة الأكثر يمينية وتطرفًا في تاريخ إسرائيل، وإعطائها الفرصة لتحقيق مشروعها في تصفية القضية الفلسطينية برمتها وخاصة بعد إعلان بنيامين نتانياهو، بأن إسرائيل في حالة حرب، وانضمام بعض رموز المعارضة حكومة طوارئ تدير تلك الحرب، وموافقة الحكومة الإسرائيلية على تجنيد 360 ألف جندي من الاحتياط للمشاركة في العمليات العسكرية، وصولًا لما وصفه نتنياهو بأن إسرائيل ستغير الشرق الأوسط.
هذا الواقع ربما سيدفع المنطقة إلى أتون عنف وصراعات ممتدة، وربما ستتعدد ساحاتها ولا يُعرف مداه المتوقع. فبدل أن يتمثل الموقف الأمريكي والمجتمع الدولي في التهدئة بين الطرفين، ومنع التصعيد وقتل المدنيين، غير أن سيطرة روح الانتقام على الحكومة الإسرائيلية قد يؤخر تحقيق هذا السيناريو الذي سيكون هو المخرج الملائم للطرفين للخروج من هـذا الصراع المعقد الذي يمكن حله بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلـة على حـدود 1967 وعاصمتـها القدس الشرقية وفقًا لـقرارات الشرعيـة الدوليـة، وهو السبـيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة.