اصطفاف قادة أوروبا لدعم حرب إسرائيل على سكان قطاع غزة

محمود الصباغ
2023 / 10 / 22 - 17:13     

دانييل فين
ترجمة محمود الصباغ
أعلنت الحكومة الإسرائيلية الحرب على المدنيين في غزة تحت عنوان عريض أقل ما يقال عنه إنه عقاب جماعي ضدهم، كما أمرتهم بترك منازلهم، أو سيتعرضون لأعمال عنف لا محدودة وغير مقيدة. وسيكون على القادة الأوروبيين الذين دعموا هذه الحرب تحمّل مسؤولياتهم عمّا سيحدث بعد ذلك. لقد أمر الجيش الإسرائيلي، بالفعل، أكثر من مليون فلسطيني بمغادرة منازلهم في الجزء الشمالي من غزة. ولم يذكروا متى سيسمح لهم بالعودة إليها -إن بقيت قائمة بالفعل بعد الهجوم. وحذّر متحدث باسم الأمم المتحدة من "العواقب الإنسانية المدمرة" الناجمة عن ذلك، وسوف يحوّل "المأساة الحالية إلى كارثة". كما طالب المجلس النرويجي للاجئين بإلغاء هذا الطلب "غير القانوني والمستحيل"؛ وسوف يتعين مساءلة الجناة عن جريمة الحرب وما ينتج عنها من خسائر في أرواح المدنيين بسبب الاستخدام المتعمد أو العشوائي للقوة، وثمة مخاوف مشروعة من مزاعم إسرائيلية ستعتبر الفلسطينيين ممن لم يتمكنوا من الفرار أشخاصاً مشاركين مباشرة في الأعمال العدائية، وبالتالي يمكن استهدافهم.
يواجه الفلسطينيون في غزة خياراً مستحيلاً. فليس هناك ما يضمن بقائهم في وضع آمن في أي مكان آخر فيما لو غادروا منازلهم، وليس هناك ما يضمن عودتهم. ولو بقوا حيث هم؛ ستزعم إسرائيل أنهم سيعرضون أنفسهم طواعية للأذى لأن آلتها العسكرية تدمر غزة.
لقد قُتل ما لا يقل عن 1800 فلسطيني بالفعل [حتى تاريخ هذا المقال]، وفقًا لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية، من بينهم ما يقرب من ستمائة طفل.
ووفقاً لهذا لا يمكن قبول أي حديث أو ادعاء لا يرى إسرائيل تشن حرباً على جميع سكان غزة. لقد ألقى الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، المسؤولية الجماعية على جميع من يعيش هناك عن تصرفات حماس، بصورة لا تقبل التأويل، حسب قناة ITV News "ليس صحيحاً هذا الخطاب عن عدم أدراك أو تورط المدنيين. هذا عارٍ عن الصحة تماماً. لقد كان بمقدورهم الانتفاض، ومحاربة ذلك النظام الشرير الذي استولى على غزة في انقلاب".
سيطرت حماس على غزة قبل 16 عاماً. ويبلغ متوسط العمر هناك 18 عاماً، وثلثي السكان دون سن الرابعة والعشرين. ووفقاً لهرتسوغ، إذا لم يتمكنوا من الإطاحة بحماس بالقوة -وهو أمر لم تتمكن إسرائيل نفسها من تحقيقه رغم امتلاكها أحد أقوى جيوش العالم- فعليهم ،إذن، ألا يلوموا سوى أنفسهم فيما لو أودت بحياتهم قنبلة أو رصاصة إسرائيلية من هنا أو هناك. وهذا ليس أقل من إعلان حرب جامح ضد المدنيين من قبل رئيس دولة إسرائيل.
نعم.. أنها الحرب.. هذا ما يدعمه السياسيون في أوروبا والولايات المتحدة عندما يعلنون تضامنهم مع إسرائيل. بينما قد لا يكون مفاجئاً تقديم جو بايدن وأنتوني بلينكين دعماً غير مشروط لحرب نتنياهو، فإن نمط التواطؤ رفيع المستوى هو ذاته إلى حد كبير على الجانب الآخر من الأطلسي. ففي حديثه إلى بي بي سي، أيد وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس أمر الإخلاء، واصفا إياه بالعمل الحربي المشروع؛ وكأنه يسير على خطى زعيم المعارضة، كير ستارمر، الذي ادعى في وقت سابق من هذا الأسبوع حق إسرائيل في فرض "حصار كامل" على غزة -على حد تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت- "دون كهرباء، لا طعام ولا وقود". ووصلت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، إلى إسرائيل اليوم لتقديم "التضامن مع الشعب الإسرائيلي".
وكانت فون دير لاين قد وصفت في وقت سابق من العام الماضي "هجمات روسيا على البنية التحتية المدنية، وخاصة الكهرباء" في أوكرانيا "جرائم حرب". ولكنها اليوم لم تطلق ولو دعوة رمزية لضبط النفس أثناء قصف المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية في غزة. وعلى الرغم من أن فون ديرلاين مسؤولة غير منتخبة من حيث موقعها الوظيفي، إلا أنها تتصرف كما لو كانت تمتلك تفويضاً ديمقراطياً للتحدث نيابة عن 448 مليون شخص يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أمرت برفع العلم الإسرائيلي على مقر المفوضية في بروكسل وقالت: "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها -الآن وغداً.. اليوم وفي الأيام القادمة-. وسوف يقف الاتحاد الأوروبي إلى جانبها".
في المقابل، كانت هناك بعض أصوات تعارض هذا التوجه التوافقي الساحق. فها هو باري أندروز، عضو البرلمان الأوروبي من حزب فيانا فيل الإيرلندي Fianna Fáil الذي ينتمي إلى يمين الوسط وجزء من الحكومة الائتلافية في دبلن رفقة حزبي الخضر، وفاين غايل Fine Gael(الحزب الآخر من جناح يمين الوسط)؛ ينتقد فون ديرلاين بقوله: "لم يكن -باعتقادي- مناسباً عرض العلم الإسرائيلي على مبنى المفوضية الأوروبية، ليس فقط لأن هذا الصراع مثير للانقسام، بل لأن المفوضية الأوروبية، على وجه الخصوص، ليس لديها سلطة بشأن السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي..
ويرى أندروز بأن هذا يتطلب منا التأكيد على اعتبار أي هجمات ضد مواطنين مدنيين تمثل خرقاً للقانون الدولي، بغض النظر عن الجانب الذي ينتمون إليه وعن الجهة الفاعلة. ويجب الإعراب عن تضامننا مع الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني اللذين انقلبت حياتهما بسبب التصعيد الأخير؛ وهذا لا يعني أيضاً منح شرعية من أي نوع لسلوك الحكومة الإسرائيلية أو حماس، التي لا تمثل فلسطين". وأشار إلى ضرورة التذكير بسجل حكومة نتنياهو في الأراضي الفلسطينية المحتلة الحافل بـ "الاحتلال غير القانوني والتعذيب وقتل المدنيين وانتهاكات أخرى عديدة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان".
ويعتبر رئيس الحكومة taoiseach الإيرلندي الحالي ليو فارادكار من حزب فاين غايل، شخصية محافظة شديدة وينظر بازدراء لقضايا اليسار، مما يجعل تدخله الليلة الماضية أمراً متميزاً بحديثه عن حق الإسرائيليين في الدفاع عن أنفسهم " لكن لا يحق لهم خرق القانون الإنساني الدولي. أشعر بقلق حقيقي حول ما يحدث في غزة حالياً؛ هذا باعتقادي يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي. ولا يمكن لدولة ديمقراطية محترمة أن تتصرف بهذه الطريقة؛ فتقطع التيار الكهربائي، وإمدادات الوقود والمياه".
كما دعا ميشال مارتن، شريك فارادكار في التحالف وزعيم حزب فيانا فيل، إلى إلغاء أمر الإخلاء : "ينبغي عدم النظر إلى هذين الخطأين على أنهما صحيحان، إذ يحتم واجبنا علينا الالتزام بحماية المدنيين في غزة". أما رئيس وزراء اسكتلندة حمزة يوسف فيبدو إحدى الشخصيات العامة القليلة جداً في بريطانيا التي تعترف بالفلسطينيين كبشر كاملين، وجدير بالذكر أن والدي زوجته، وهي أيضاً شخصية سياسية من الحزب الوطني الاسكتلندي، محاصران حالياً في غزة. ورد يوسف على أمر الإخلاء الإسرائيلي بالطلب من المجتمع الدولي: " التصعيد ضد إسرائيل ومطالبتها بإنهاء العقاب الجماعي. فهذا يكفي. ولا يوجد مبرر لموت الرجال والنساء والأطفال الأبرياء ".
يفترض أن تكون تعليقات فارادكار ومارتن ويوسف عادية تماماً.
وحقيقة أنها تبرز بحدة على خلفية التواطؤ؛ تظهر أن أوروبا قد انحرفت في مسارها نحو مكان مظلم للغاية. فقد هاجمت الشرطة الفرنسية المتظاهرين في باريس بالغاز المسيل للدموع بعد فرض الحكومة حظراً على حرية التعبير في التضامن مع الفلسطينيين. وفي خطوة شديدة المقت، تفاخرت ساسكيا إسكين، المشاركة في قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا، على تويتر بمقاطعتها حفل إطلاق كتاب بيرني ساندرز لأنه لم "يقف إلى جانب إسرائيل" كما ترغب. ويفهم من موقفها أن على ساندرز (اليهودي الأمريكي الذي تنحدر عائلته من بولندا الحديثة، والذي ولد أثناء الهولوكوست؛ وفقد أقاربه المقربين في معسكرات الموت النازية) أن يتعامل مع محاضرات توبيخ -مع حركة هز الإصبع- تلقيها سيدة ألمانية تعمل في السياسة لا تملك سجلاً ملحوظاً من أي إنجاز وتعتقد أن لديها فهماً أفضل منه لمسألة معاداة السامية. ونقل جدعون راكمان، الكاتب في صحيفة فايننشال تايمز، عن مسؤول في الاتحاد الأوروبي: "خوفنا هو أن ندفع ثمناً باهظاً في جنوب الكرة الأرضية بسبب هذا الصراع". وقال له مسؤول آخر "قد نكون على وشك رؤية تطهير عرقي واسع". إذا كانوا لا يريدون دفع هذا الثمن، فعليهم إنهاء دعمهم لحرب نتنياهو في الوقت الحالي، بدلاً من فرك أيديهم بعد فوات الأوان بالفعل".
المصدر: https://jacobin.com/2023/10/europe-eu-israel-support-gaza-bombardment