هل يمكن إقناع مصر بقبول لاجئي غزة؟

محمود الصباغ
2023 / 10 / 19 - 04:50     

ترجمة محمود الصباغ
يبدو هذا الجدار الخرساني المغبر الذي يظهر في الصورة كأنه الأمل الأخير للعديد من سكان غزة للهروب من الكابوس الذي سيصاحب الهجوم البري الذي تنوي إسرائيل القيام به. ويعيش قطاع غزة منذ أن شنت حماس هجومها [الوحشي] على إسرائيل، تحت القصف المستمر دون كهرباء وموارد غذائية ومياه، وقد قُتل بالفعل أكثر من 2000 شخص وشرد ما يقرب من نصف السكان. وتمتلئ الطرق المتجهة جنوباً بالغزيين بعد تحذير إسرائيلي بضرورة إخلاء المناطق الشمالية من القطاع. علماً أنه تم إغلاق بوابة معبر رفح ، وهي الطريق الوحيدة غير الإسرائيلية للخروج من المنطقة والتي تشبه ثقباً في جدار طوله 11 كيلومتراً يفصل جنوب غزة عن مصر. ويقال، في هذا الصدد، الكثير عن محاولات أمريكا إخراج مواطنيها من هذه البوابة؛ ويأمل الكثيرون في المنطقة أن يغير [الرئيس المصري عبد الفتاح] السيسي رأيه ويسمح للاجئين بالفرار من غزة لتجنب كارثة إنسانية. وسيصل غداً (15 تشرين الأول) [وزير الخارجية الأمريكي] أنتوني بلينكين إلى القاهرة في زيارة أضيفت في اللحظة الأخيرة إلى جولته في الشرق الأوسط.
فهل سيعمل إنقاذ محتمل للاقتصاد المصري المنكوب كوسيلة ضغط يناور بها الدبلوماسيين الأجانب ؟
هذا ليس جديداً على مصر على كل حال، فقد أبرمت مثل هذه الصفقة من قبل في العام 1991، وبعد ثلاثة أشهر من حرب الخليج، حين سمحت أمريكا ودول غربية أخرى لمصر بالإفلات من مأزق التخلف عن سداد الديون مقابل 10 مليارات دولار، وهو ما يمثل ربع ديونها الخارجية في ذلك الوقت. واعتبر هذا الأمر مكافأة مقابل خدمة جيوسياسية. وبينما كانت دول عربية أخرى تجمع قواتها وتراقب الأمر من المملكة العربية السعودية، كان حسني مبارك، رئيس مصر آنذاك، من القادة الأوائل الذين أرسلوا قواتهم المسلحة للانضمام إلى القتال مع أمريكا ضد العراق. وها هو الاقتصاد المصري على وشك الانهيار من جديد، حيث يبلغ التضخم السنوي 38٪، وهو أعلى معدلاً له على الإطلاق؛ والجنيه المصري آخذ في الانخفاض، حيث يطبع البنك المركزي المزيد من النقد لدفع فواتير الحكومة المفرطة لدعم الخبز والشركات المملوكة للدولة. ورفض صندوق النقد الدولي (الذي كان قد وافق سابقاً على خطة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار في كانون الأول الماضي)، تسليم الدفعتين الأخيرتين من الخطة، لعدم ثقته بقدرة الحكومة المصرية على سداد القرض. ويبدو من خلال الضخ النقدي لتغطية عجز ميزانية القاهرة لعقد صفقات توريد، أن ثمة عديداَ من الحوافز والإغراءات يمكن أن تقدمها الدول الأخرى. وإذا قيض للدبلوماسية الأجنبية النجاح في ذلك، فلابد من التغلب، أولاً، على ثلاثة تحديات سوف تواجههم:
*يظهر التحدي الأول بأن الرئيس السيسي لم يصل إلى تلك الدرجة العالية من اليأس الاقتصادي حتى الآن، قد يكون صحيحاً أن اقتصاده يعاني، لكن حكومته لا تعيش خطراً محدقاً بها بشأن التخلف عن سداد القروض كما كان الحال في العام 1991؛ فهي ليست مضطرة لتقديم مدفوعات كبيرة مترتبة عليها حتى العام 2024، ولديها احتياطات أجنبية بقيمة 30 مليار دولار كافية لتغطية وارداتها لمدة أربعة أشهر. والتعقيد الآخر هو أن مصر لا تدين حالياً لأمريكا بشيء تقريباً. فأغلب القروض تأتي من البنوك الخاصة وسندات العملة المحلية، مما يعني أن ليس بوسع أمريكا تقليص ديونها. غير أن بعض الدبلوماسيين يأملون بأن يسرع بلينكين بدلاً من ذلك بتسييل أموال صندوق النقد الدولي، أو حتى خفض جزء من 16 مليار دولار تدين بها القاهرة لمقترضين متعددين . وحتى في هذا الحل ليس بوسع الصندوق تقديم سوى دعم متواضع، مما يحدّ من جاذبية مثل هذا النهج. وهذا ما يترك أمريكا أمام خيار واحد: ضخ أموال جديدة في مصر، الأمر الذي سيلقى معارضة في واشنطن.
*أما التحدي الثاني فيتعلق بالدول التي تدين لها مصر بالمال. حيث يأتي أكثر من نصف الاقتراض الخارجي للبلاد، (وجميع احتياطياتها الأجنبية تقريباً)، من دول الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية. فقد قدم كل منها ودائع في البنك المركزي المصري بمليارات الدولارات؛ وتشمل الحزم الأخيرة منها 5 مليارات دولار من المملكة العربية السعودية و 3 مليارات دولار من قطر في تشرين الثاني من العام الماضي. ومن الواضح أن سحب هذا النوع من الإقراض في غضون مهلة قصيرة ليس صعباً، كما أن كمية كبيرة منه ستكون كافية لاستنزاف احتياطي مصر من الدولارات، وهذا يعني أن دول الخليج تلك، وليس أمريكا، هي من لديها نفوذاً أكبر نفوذ في القاهرة، وبالتالي سيكون إبرام أي صفقة مقبلة بحاجة إلى مشاركة دول المنطقة.
*أخيراً، تحتاج مصر إلى ضمان بأنها لن تترك وحدها تتعامل مع لاجئي غزة. وتتمثل المخاوف من تدفق مئات الآلاف عبر الحدود، وحاجتهم إلى التعليم والرعاية الصحية والإسكان، فضلاً عن الخوف الأكبر من وفي بقائهم؛ بسبب الشكوك والقدر الكبير من عدم اليقين بشأن موعد سماح إسرائيل بعودتهم، فيما لو دخلوا مصر، ومن سيبقى منهم.
ثمة تجارب سابقة في الأردن ولبنان في استقبال مئات الآلاف من الفلسطينيين في أربعينيات القرن الماضي، ومن اللاجئين السوريين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لقد أصبح اللاجئون قضية سياسية مؤلمة، وسوف يتعين على السيد بلينكين ودول الخليج إقناع المسؤولين المصريين بأن دولاً أخرى ستكون على استعداد لدفع تكاليف وربما استضافة بعض أولئك الذين يشقون طريقهم عبر بوابة رفح؛ وإلا فإن الاقتصاد المصري سيكافح من أجل التعامل مع هذا الأمر، وهو شيء يدركه السيسي جيداً
المصدر: https://www.economist.com/finance-and-economics/2023/10/14/can-egypt-be-persuaded-to-accept-gazan-refugees