الجنازة ... حامية


خالد بطراوي
2023 / 10 / 18 - 14:07     

دعونا في البداية نتفق على أن العمل المقاوم ضد كيان الإحتلال الذي بدأ على حدود قطاع غزّة وانتشر في الضفة الغربية وامتد بين الشعوب، هو عمل بطولي مقاوم، يستنهض قدرات وطاقات الشعوب، لكنه ... وبسبب الظروف الموضوعية والذاتية .... لن يؤدي الى التحرير ... والمقاومة هي أول من يعلم هذه الحقيقة ولم يكن هدفها إلا الإنتقال نحو خطوة متقدمة على طريق التحرير.
ودعونا نتفق أيضا، أن الشعوب قاطبة وبدرجات متفاوتة وأن الشعوب العربية من بينها تقف الى جانب عدالة القضية الفلسطينية وعلى إستعداد للتحرك لنصرة الشعب العربي الفلسطيني بخلاف حكومات الشعوب والمحافل الرسمية.
ودعونا نتفق أن معادلات الصراع في المنطقة وفي العالم قد تأثرت وسوف تتأثر بما يحدث على الأرض الفلسطينية، وأن التجاذبات الإقليمية والدولية والتوازنات ستفرز معادلات جديدة ( سلبا أو إيجابا) على نحو نستطيع فيه القول أن قضية التحرر الوطني العربي العروبي الفلسطيني بعد السابع من تشرين الأول ( اكتوبر) لعام 2023 لن تكون كما كانت عليه قبل هذا التاريخ.
هل كان كيان الإحتلال الصهيوني الغاصب يعي أن كل ذلك سيحصل بين لحظة وضحاها ويوما ما؟
نعم، كانوا يعلمون تمام العلم، وجلّ إهتمامهم كان إطالة عمر الكيان، ليس أكثر، فهم يعلمون أن زوال الكيان هو حتمية تاريخية.
لذلك أيها الأحبة، أخذو الحيطة والحذر منذ بداية تأسيس الكيان، وسنعرض تباعا بعض الشواهد التي حتمتها الجغرافيا والطوبغرافيا.
كما تعلمون أيها الأحبة، فإن الفكر التوراتي الديني يزعم أن تاريخ اليهود هو في الضفة الغربية لنهر الأردن ( ما يسمونها جزافا يهودا والسامرة). فلماذا عندما أعلنوا عن إنشاء دولة الكيان واعترفت بها دول العالم أعلنوها على الساحل الفلسطيني وليس في الجبال؟
ذلك لأنهم أولا لو أعلنوا دولتهم في الجبال، أي في الضفة الغربية لنهر الأردن لباتوا محاصرين من الدول العربية وليس لهم أي منفذ حدودي، بينما لو أعلنوا دولتهم في الساحل والأراضي المنخفضة فإن لهم هذا المنفذ البحري عبر البحر الأبيض المتوسط على طول الساحل الفلسطني. أما السبب الثاني فهم معنيون بالمياه التي تنحدر بفعل الجاذبية من الجبل الى السهل والوديان ونحن جميعا نعلم أن الصراع مع الكيان الصهيوني هو ليس فقط صراعا على الأرض وإنما أيضا على الماء والهواء والسماء.
طوبوغرافيا فقد أقاموا كيانهم الغاصب في المناطق المنخفضة حيث المنفذ البحري، ثم أخذوا بالزحف الى أعلى، فاحتلوا في حزيران عام 1967 ( فيما يعرف بحرب الأيام الستة) الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزّة وبذلك ضمنوا السيطرة المطلقة على كامل المنفذ البحري ومنابع المياه.
أما وقد سيطروا على الأرض، كان لا بد لهم من إنشاء المستعمرات ( المستوطنات) التي أقيمت على أراض مصادرة في قمم الجبال في الضفة الغربية وفي منتصف قطاع غزّة بشكل أساسي.
إذا ... احتلوا الساحل ... سيطروا على وسط قطاع غزّة وسيطروا أيضا على قمم الجبال وسيطروا على كافة الحدود والمعابر البرية والبحرية والجوية.
استمروا في مخططهم الذي بدأ أول ما بدأ بوتائر بطيئة، ثم بدأ يتسارع، بأن قاموا بانشاء ثلاث طرق سريعة وواسعة من شمال فلسطين الى جنوبها، وهي على خط سير نهر الأردن من منبعه الى مصبه، وطريق في وسط فلسطين وطريق على ساحل البحر الأبيض المتوسط، فأصبح هناك ثلاث طرق من الشمال الى الجنوب، كان لا بد بعدها من إنشاء طرق من الشرق الى الغرب، وهو ما تم تنفيذه بالفعل، فتحولت الضفة الغربية الى مدن وقرى محصورة في تقاطعات طرق من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، يمنع منعا باتا إجراء أي تطوير للاراضي الفلسطينية من قبل الفلسطينيين بعمق 150 مترا على جنبات هذه الطرق.
أصبح الفلسطينيون محصورين في مربعات "كاونتنات" محاطة بأبراج مراقبة وبوابات ونقاط عسكرية وبالطبع جدار الفصل العنصري.
وكي يكتمل المخطط الصهيوني بدأ الزحف البطيء للتطبيع مع الدول العربية وكان ذلك في بداية عام 1979 عندما بدأت محادثات التطبيع مع مصر الشقيقة وإمتدت الى ما نراه اليوم من "هرولة" بعض الحكومات العربية للتطبيع مع الكيان.
على إمتداد سنوات عمر كيانه الصهيوني، وعلى أرضية إنشاء دولة الكيان " من النيل الى الفرات" عمدت حكومات الكيان المتعافية على إنتهاج نهج البطش والتنكيل والقتل والإعتقال والهدم والتدمير والإبعاد وحظر السفر وحرمان الشعوب من ثرواتها الطبيعية وكل ضروب المعاملة غير الانسانية والحاطة بالكرامة معتقدة أن ذلك كله سيؤدي الى بسط سيطرة الصهيونية على المنطقة برمتها، دون أن تدرك حقيقة أن كل ممارسة قمعية كانت بمثابة المسمار الذي تدقه في "تابوت" كيانها.
معادلات جديدة ما بعد السابع من أكتوبر لعام 2023، وكما يقول المثل جنازة الكيان هي " الجنازة حامية والميت ..... ".