الاعلام البديل


خالد بطراوي
2023 / 10 / 16 - 20:53     

في خضم الأحداث التي لا زلت مستمرة هذه الأيام والمرتبطة بالحدث الأكبر والأهم في المنطقة المتعلق بالعملية القتالية العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية والتي جوبهت برد عسكري صهيوني يتمثل في حرب وعدوان على قطاع غزة وأهلنا هناك.
من المبكر جدا القيام بتحليلات وطرح تساؤلات حول كل ما جرى، حيث أن الوقت ليس مناسبا البته لذلك كله، إذ لا " يفتي قاعد لمقاوم".
لكن من الضروري تسليط الأضواء على حقيقة صادمة وهي أن ماكنة روتشيلد الإعلامية الصهيونية وعلى مدار السنوات قد حققت إنتصارا كبيرا وهزمت أيما هزيمة الإعلام العربي العروبي والعقائدي وتكلل ذلك في تغطيتها لما حدث في المناطق الحدودية مع قطاع غزة حيث فلسطين التاريخية.
ولا يخفى على أحد، أن البشرية جمعاء إنتقلت الى ما يسمى بـ " الإعلام العصري" بديلا عن الصحافة المكتوبة ولجأت الى الآعلام الإلكتروني عبر منصات التواصل الإجتماعي المختلفة والى المرئي ( أي المتلفز) قبل المسموع ( أي الراديو) وحصل في خضم ذلك كله الحروب الإلكترونية الإعلامية من إختراق للحسابات والمواقع ونشر الفيروسات وغيرها.
ذلك أن التطبيع أيا كان وفي أي موقع من العالم هو " القبول برواية الآخر عن التاريخ"، فكانت الدوائر الغربية ومن يتبع لها تخشى أن نسرد، نحن، الشعوب التواقة للإستقلال الحقيقي والتحرر .... روايتنا.
ومن المعروف أن الإعلام في عالمنا العربي هو إعلام رسمي، أو شبه رسمي، أو حزبي، أو غير رسمي (خاص). أما الإعلام الرسمي فهو منذ "الإستقلال الوهمي" للدول العربية لا يزال الى يومنا هذا يسخّر نفسه لخدمة "الباب العالي" ويهتف دوما العبارة الشهيرة " بالروح بالدم نفديك يا زعيم" مع ذكر إسم ذلك الزعيم، وبالتالي لا نتوقع منه البته إلا العبارات المبطنة فيما يتعلق بالأحداث الجسام والعبارات ذات الطابع الدبلوماسي المتمسك بالشرعية الدولية وشرعة حقوق الإنسان والسلام مع إطلاق بعض العبارات التضامنية البراقة المؤيدة للشعوب. وينطبق ذات الأمر على الإعلام شبه الرسمي التابع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إما للدولة و/او لمنظمات المجتمع المدني المعنية بتنفيذ البرامج الممولة أجنبيا والمتعلقة بالمصطلحات الرائجة هذه الأيام حول الشفافية والنزاهة وحقوق الإنسان و"الجندر" والاتفاقيات الدولية، وبالتالي لا نتوقع منها أن تسهم في مواجهة ماكنة روتشيلد الإعلامية الصهيونية.
أما الإعلام العقائدي الفصائلي فهو منقسم الى قسمين، الأول العقائدي الديني والثاني العقائدي اليساري أو شبه اليساري. وفيما يتعلق بالعقائدي الديني فهو ينتمي لمجموعة من التشربات والمعادلات منها الشيعي الإيراني والسني الوهابي وغيرهما، وكذلك الإسلامي الصرف منها التنويري ومنها الظلامي. ويغلب على معظمها الدعوة الى " إطاعة أولي الأمر وبطانتهم الصالحة".
وتأتي الطامة الكبرى في الإعلام اليساري الذي هو بالمناسبة قليل وعلى قلته فأغلبه مجرد إعلام يريد أن يقول عن نفسه وعن الفكر اليساري الذي يحمله " نحن هنا" وهم بالمناسبة " ليسوا هنا ولا حتى هناك".
أما الإعلام الخاص التجاري، فهو محكوم لرأس المال الذي يموله من خلال الدعايات والإعلانات التي تسيطر على توجهاته لدرجة أنه يفشل دوما في الدفاع عن الحقوق المدنية للجماهير الشعبية ولا يغطي فعاليات " النضال الطبقي" لتحسين ظروف الحياة والعمل، ولا يستطيع أن ينتقد قطاع الخدمات من بنوك وشركات إلاتصال واللوجستيات وتغولها على قطاع الإنتاج، فيخسر بذلك "حنفية التمويل" التي تقطر عليه من " أرباب نعمته".
لذلك كله، تتفوق ماكنة روتشيلد الصهيونية الإعلامية.
ما العمل؟
إن التقوقع الإعلامي اليساري مرده عدّة عوامل، أولها الركون الى تطبيق وإنتهاج سياسة إعلامية رتيبة عفا عنها الدهر وشرب، فلم تعد القوالب الإعلامية القديمة صالحة لهذا الزمن المتسم بالمعلوماتية، ولم تعد "المذكرة التنظيمية الداخلية" أو " التعميم الداخلي للرفاق فقط" ؟أو غيرهما وسيلة صالحة للخطاب الإعلامي هذه الأيام، وعلى أهمية المادة المكتوبة والصحيفة التي كان يجب أن تكون "منفاخ حدادة هائل" أصبحت المادة الإعلامية على وسائل التواصل الإجتماعي أكثر وصولا.
أما العامل الثاني المهم في تردي حالة الإعلام الثوري البديل، فمرده اللجوء الى إستدراج العاطفة على حساب إعمال الفكر والعقل وتزويد المتابع بالحقائق والسند العلمي لها كي يصل بنفسه إلى إستنتاجات حول حقيقة ما يحدث، فيكفينا الوقوف على الأطلال والتغني بأمجاد الماضي بل والتحسر عليه والتباكي.
ثمة حاجة ملحة الى عقد أكثر من لقاء وحوار تشاوري في عالمنا العربي وعبر مختلف المنصات بما في ذلك الحضور الشخصي لإعلاميين "ينشدون التغيير" للتباحث حول كيفية الإرتقاء بالإعلام الثوري البديل والمناهض للإمبريالية والإستعمار المدرك جيدا لجدلية العلاقات بين الوطني والطبقي، الوطني والأممي، القومي والإقليمي والأممي.