بيت العنكبوت


خالد بطراوي
2023 / 10 / 10 - 13:24     

بالضبط فإن كيان الاحتلال الصهيوني العنصري التوسعي هو كبيت العنكبوت. ينسج العنكبوب شباكه الرقيقة من خيوط يبدو أنها ذهبية مذهبة ويجلس متربصا في أبعد زاوية الى ان تقع فريسة من الحشرات في شباكه، فيهرع منقضا عليها لإفتراسها قبل أن تنهار شباكه، ليعود مجددا لنسج خيوط بيته الواهية جالسا في أبعد نقطة متربصا من جديد.
منذ تشكل الفكر الصهيوني، بدأ العنكبوت ينسج شباكه في هذا البلد أو ذاك، تغلغل في الدول الرأسمالية بداية ومنتصف القرن العشرين، وحاول السيطرة على ألمانيا إبان الحقبة الهتلرية ولما فشل بدرجة كبيرة، تغلل في دول القطب الإشتراكي بعد الحرب العالمية الثانية، الى أن منحته الإمبريالية "شبكة آمان" والضوء الأخضر لتشريد الشعب الفلسطيني وهو ما يعرف " بالنكبة" وإنشاء كيانه الذي عمل على التأسيس له حتى منذ ما قبل وعد بلفور المشؤوم عام 1917.
ما بعد النكبة، سعى الكيان الصهيوني الى العمل بإتجاهين، الأول مأسسة كيانه على أسس من "الديمقراطية" المشوهة والتي لشديد الأسف يتغنى بها البعض لدينا، والى التوسع أفقيا وعموديا بغية تحقيق الحلم والخرافة الصهيونية التلمودية بإنشاء دولة الكيان من النيل الى الفرات.
وجاءت حرب الأيام الستة عام 1967 ليحتل الكيان ويسيطر على عموم الأرض الفلسطينية وهو ما يعرف كمصطلح متداول بـ " النكسة".
بعد النكسة، أيضا إنتهج الكيان الصهيوني نهجا بإتجاهين، الأول تهويد أرض فلسطين التاريخية التي إحتلتها عام 1948 تهويدا كاملا شاملا، وإحكام السيطرة على الأرض التي إحتلت عام 1967 على كافة الأصعدة بما فيها السيطرة حتى على الديمغرافيا والتكاثر السكاني. إذ ذات أعتقال لي، قال لي المحقق الصهيوني أنهم عندما يقتلون شابا فلسطينيا فإنهم بذلك يكونوا قد قتلوا على الأقل ثلاثة معه حيث لو تزوج فإنه من دون أدنى شك سوف ينجب ثلاثة من البنين والبنات على الأقل.
وعلى الرغم من أن جيش الكيان يسمى جزافا بـ " جيش الدفاع الإسرائيلي" كما ذكر لي صديقي الأخصائي النفسي، إلا أنه طيلة الوقت كان هو الجيش المهاجم لا المدافع الذي يقوم بالهجوم في كافة حروبه مع دول الجوار، كحرب عام 1973، وحرب الجنوب اللبناني عام 1978 وحرب عام 1980 وحرب بيروت عام 1982 وغيرها من شبة الحروب التي حدثت بين الفينة والأخرى.
إلى أن جاءت العملية الحالية في السابع من تشرين الأول " أكتوبر" لعام 2023ـ حيث ولأول مرة كانت المقاومة الفلسطينية في غزّة هي من بدأت بالعملية وعلى حين غرّة، أربكت معها ما يعرف بـ "أقوى جيش" في المنطقة ومرّغت شرفه العسكري بالتراب وكان للضربة الأولى وقعها الموجع، كما تقول لي دوما زميلتي المهندسة "إذا ضربت ... فأوجع" وتردد ذلك إحدى بناتي الكثر متباهية على مسامع زوجها.
منذ تأسيس الكيان، وهو يلعب على عامل الزمن، عملا بمقولتهم المشهورة " الكبار يموتون ... والصغار ينسون". ولكنهم، في كل مرة تظهر لهم الحقيقة المغايرة، أن الصغار لا ينسون، بل يكبرون ويقاومون في العالم العربي برمته وبضمنه فلسطين متسلحين بالمعرفة والتكنولوجيا والفكر والعقيدة والإقدام والتضحية والمبادىء الانسانية.
حاول الغرب، وحاولت الدوائر الصهيونية التحايل على الحقوق المشروعة للشعوب العربية وللشعب العربي الفلسطيني، فسعت بل وإستماتت لإبرام إتفاقيات "سلام" مع بعض الدول العربية التي ظلت "حبرا على ورق" لم تهضمها الشعوب العربية "حتى مع سفن أب" ولم تتعامل معها وحظيت بمقاطعة شاملة، وحاولت الصهيونية ومن خلفها دول الغرب أن تبرم "إتفاقيات سلام" مع الفلسطينيين بما يعرف بإتفاقيات "أوسلو" كان جلّ هدفها حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه وتكريس التبعية والضم والإلحاق.
نصحت دول الغرب دوائر الصهيونية بالإيعاز لدولة الكيان الغاصب بتقديم "تسهيلات" تخفف من حالة الإحتقان لدى الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزّة، لكنها لم تترجم ذلك على أرض الواقع، بل زادت من إجراءات القمع والتنكيل والحصار.
نما وترعرع جيل جديد لم يخرج من قطاع غزّة ولم يخرج من الضفة الغربية، لم يصل الى القدس للصلاة في الأقصى وكنيسة القيامة، بل ولعلاج العيون في مستشفى العيون الوحيد لفترة طويلة جدا حتى وقت قصير. نما وترعرع جيل لا يعرف فيها أخواله وأعمامه في الشطر الآخر من الوطن، ناهيكم عن كافة مظاهر الحصار التي تفننت بها عقول الفكر الصهيوني.
حتى إتفاقيات "أوسلو" لو كانت دولة الكيان قد إلتزمت بها – رغم عدم قناعتي بهذه الإتفاقيات- لكانت فقط تكسب وقتا لإطالة عمر كيانها الغاصب الزائل كحتمية تاريخية وليس كلعبة أرقام ومصفوفات تصدر عن هذا أو ذاك من الأشخاص.
إن زوال دولة الكيان هي حتمية تاريخية، إذ لا يوجد أية مقومات لبقاء الكيان، لا وحدة أرض ولا وحدة شعب، فاليهودية ديانة وليست قومية، وعندما تسير ماشيا في دولة الكيان فانك تسمع كل لغات العالم يتحدث بها مواطني دولة الكيان إذ ان كل منهم قادم من بلد. ففي الوقت الذي يتسلح الشعب العربي الفلسطيني والشعوب العربية بالفكر والعقيدة وتختزن ذاكرة الأجيال منهم بكل تفصيلة عن الأرض والهوية والقضية، يتجرد جيل دولة الإحتلال الجديد من ذلك كله ويلتفتون الى الرفاهية والفتات الفتات من ملذات الحياة، فيموت الصهيونيون كبار السن وتنسى ذريتهم حلم الصهيونة، فهم الذين " يموت كبارهم ... وينسى صغارهم".
يقول المثل الروسي " لا ينتصر من يبتسم أولا"، وليس أمام الصهيونية إلا أن ترحل ... وتضرب في بقاع الأرض بحثا عن أرض أخرى .... غير أرض فلسطين والأراضي العربية.