دروس الأدب والفن في انتفاضة أكتوبر في العراق*


مؤيد احمد
2023 / 10 / 4 - 16:54     

شهدنا جميعا كيف ظهرت حركة فنية وشعرية وأدبية وإلى حد ما موسيقية، بالتزامن مع انتفاضة أكتوبر 2019 في وسط وجنوب العراق، وأصبحت جزءا عضويا من هذا النضال الثوري لجماهير العمال والمفقرين والشباب والنساء. مهما كان مستوى نضوج هذه النهضة الثورية الأدبية والفنية، وكم كانت تحمل أوهامًا وأفكارًا دينية وقومية وعشائرية، إلا أن ذلك لم ينتقص من أن مصدر هذه النهضة الأدبية كان الانتفاضة الثورية للطبقات والشرائح الاجتماعية التي تحمل بدورها نفس تلك الأوهام.
ان اهمية هذا النوع من الأدب والفن يكمن في كونه انعكاس لـ وجزءً لا يتجزأ من المساعي الثورية للمفقرين والشغيلة للتخلص من الاغلال الاقتصادية والسياسية والفكرية للبرجوازية ونظامها السياسي الإسلامي والقومي المتسلط عليهم. رغم كل نواقص هذا التيار الأدبي والفني، فإنه كان صرخة، في شكل خاص بهذا التيار، ضد الفساد وعدم المساواة والقمع والاغتراب والبطالة في صفوف الشباب والشابات، وضد قمع ورجعية سلطة الأحزاب الإسلامية والقومية.
إن انبثاق الحركات الأدبية والفنية الثورية اثناء الانتفاضات والثورات هو دائما ظاهرة عضوية للعملية الثورية في المجتمع التي تهدف الى التحرر من قيود النظام الطبقي وأشكاله السياسية والفكرية المهيمنة. ولذلك فإن من الضروري ان يبذل الشيوعيون قصارى الجهد لتعزيز هذا النوع من الحركات والعمل على تخليصها من الاوهام.
لم تستطع هذه الحركة الأدبية والفنية أن تصبح ثقافة واتجاهاً فنياً وأدبياً اجتماعياً قوياً ومؤثراً بسبب سيادة الثقافة والأيديولوجية البرجوازية والحركات الاجتماعية كالإسلامية والقومية والليبرالية في المجتمع، وبسبب القمع الدموي للانتفاضة والى حد ما فرض التراجع عليها، ولكن هذه النهضة الأدبية لم تمحو ولم تتبخر في الهواء، لا بل أصبحت جزءً من الادب والفن الثوري في العراق ولو بدرجة متواضعة.
من آليات البرجوازية الحاكمة دمج هذه الحركة الأدبية والفنية مع الأيديولوجية السائدة لهذه الطبقة واحتوائها بهدوء وسد أبواب التطور امامها، وكذلك استثمار موارد مالية ضخمة لتعزيز أدبِ وفنِ صوري لا حياة فيه وبعيد عن مسائل الحرية وتحرر الانسان. نفس الآلية في الأدب والفن سبق أن استخدمتها البرجوازية في المجال السياسي وبأشكال أخرى وبكل قوتها ضد هذه الانتفاضة. وكما رأينا، فإن البرجوازية الحاكمة في عموم العراق، لا تزال تحاول احتواء عواقب الضربة التي وجهتها انتفاضة أكتوبر إلى البنية السياسية والفكرية للإسلام السياسي والطائفية، والضربات التي وجهتها الانتفاضات الجماهيرية في إقليم كوردستان للحركة القومية الكردية، وهي تسعى الى دمج تبعات الانتفاضات مع النظام السياسي الحالي للبرجوازية القومية والإسلامية في العراق وإقليم كردستان.
باعتقادي؛ ان من المهام المباشرة للعمال الطليعيين والشيوعيين تبني سياسة تعزيز هذه النهضة الأدبية والفنية، والوقوف بقوة ضد محاولات دمجها في الثقافة والأيديولوجية البرجوازية السائدة. وعلى نفس السياق، فإن المهمة الشيوعية الآنية في هذا الصدد هي السعي لكي تتسم هذه الحركة الأدبية والفنية بأفق اشتراكي وانساني حر ومنفتح، ودمجها بالحركة الطبقية الاشتراكية الفعلية للعمال ومجمل المفقرين والمضطهدين. هذا النضال في مجال الأدب والفن جزء مكمل للنضال الأيديولوجي للبروليتاريا والذي بدوره لا ينفصل عن النضال الطبقي للعمال.
------------------------------------------------
* هذا المقال ياتي ضمن مقال لي بعنوان: (مجلة "رابر" و"حلقة الادباء الشيوعيين"، الذاكرة والتقييم)، كُتب في 24 كانون الثاني 2022 . النص الكامل للمقال منشور باللغة الكردية في العدد 18 من جريدة (ره وت).